
كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام"، مجموعة جديدة من المشاهد من قطاع غزة، في ظل استمرار القصف وتصاعد العدوان، خاصة شرق وجنوب القطاع ونقلت مشهداً يرصد تصاعد الغارات والأحزمة النارية في رفح وشرق خان يونس، ومشهداً آخر بعنوان "سيدات يصبن بأمراض المفاصل مبكراً"، ومشهداً ثالثاً يرصد مخيمات تجمع عائلات تنحدر من قرى مُهجرة.
غارات عنيفة داخل المناطق الصفراء
شهدت ما تسمى "المناطق الصفراء"، شرق وجنوب القطاع، غارات جوية عنيفة، وغير مسبوقة، تخللتها أحزمة نارية، خاصة خلال يومي أمس وأول من أمس.
وأكدت مصادر محلية وشهود عيان أن أسراباً من الطائرات الحربية الإسرائيلية شنت غارات جوية عنيفة ومتزامنة استهدفت مناطق شرق مدينة خان يونس، وداخل مدينة رفح، بالتزامن مع قصف مدفعي وصف بالعنيف والعشوائي.
ودوت أصوات الانفجارات الكبيرة وكانت مسموعة في مناطق جنوب ووسط القطاع، بينما شوهدت سحب الدخان تتصاعد من قلب المناطق التي نفذت فيها الغارات.
وأكد مواطنون أن الغارات الأخيرة كانت الأعنف والأكثف منذ دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ، وتخللتها أحزمة نارية.
وأكد المواطن أيمن عواد ويقيم في خيمة بمنطقة المواصي، أنه استيقظ فجراً على وقع انفجارات كبيرة، هزت أركان خيمته، وظن أن العدوان عاد بصورة واسعة، كما حدث في الثامن عشر من آذار الماضي، لكنه وبعد فترة قصيرة اكتشف أنها غارات داخل المناطق الصفراء.
وتساءل عواد عن سبب الغارات المذكورة، طالما أن مناطق شرق وجنوب القطاع خالية من السكان منذ أشهر طويلة.
وأوضح أن ما يحدث هو تدمير مستمر لكل المباني ومرافق البنية التحتية في تلك المناطق، ويبدو أن الاحتلال عازم على تحويلها إلى مناطق قاحلة لا شجر فيها ولا حجر.
بينما أكد المواطن يوسف عاشور من سكان شرق مدينة خان يونس، أن الغارات الأخيرة دمرت ما تبقى من منازل في بلدتي عبسان وبني سهيلا، وقضت على آمال المواطنين بالعودة إلى بيوتهم.
وأكد عاشور أن ما يحدث هو حرب حقيقية على كل شيء داخل ما تسمى المناطق الصفراء، والاحتلال يواصل عدوانه هناك، ورواية المسلحين في رفح ما هي إلا أكذوبة إسرائيلية لاستمرار تنفيذ التدمير، وتبرير للغارات في قلب المناطق السكنية.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الاحتلال ارتكب 497 خرقا لقرار وقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ، منها 27 خرقا، يوم السبت، خلفت 24 شهيدا و87 مصابا.
وأوضح أن هذه الخروقات المتواصلة أسفرت عن استشهاد 342 مواطنا، غالبيتهم أطفال ونساء وكبار سن، وإصابة 875 آخرين، فضلا عن اعتقال 35 مواطنا بشكل تعسفي خلال عمليات التوغل والاقتحام.
سيدات يصبن بأمراض المفاصل مبكراً
تعاني غالبية السيدات في قطاع غزة من مشاكل صحية متعددة، معظمها لها علاقة بالمجهود الكبير الذي يقمن به منذ بداية الحرب.
وتشتكي غالبية السيدات من مشاكل وآلام في العظام والمفاصل، جراء اضطرارهن للقيام بأعمال منزلية شاقة، لم يعتدن عليها طوال العقود الماضية.
واللافت أن السيدات بتن يصبن بتلك الأمراض والمشاكل في سن مبكرة، وقد عزت معظمهن أسباب ذلك للنزوح، والحياة البدائية القاسية التي يعشنها.
وقالت منى عمر، إنها تعاني من آلام المفاصل والظهر منذ أشهر طويلة، بسبب قيامها بأعمال منزلية شاقة، مثل الغسيل اليدوي الذي يستمر ساعات، تقضيها بفرك الملابس بقوة من أجل تنظيفها.
كما أكدت عمر أن طريقة الجلوس الخاطئة على كرسي منخفض، مع انحناء الظهر لغسل الملابس والأواني لفترات طويلة، ساهم في ظهور آلام الظهر لديها وتطورها بشكل حاد.
وأوضحت أن عملها لا يخلو من حمل أشياء ثقيلة مثل نقل جراكل المياه، وسلال الغسيل الثقيلة، وهذا كله يعد أعباء ثقيلة، وأحيانا تفوق قدرتها، وهي الآن تعاني آثار عامين من التعب والإرهاق الشديدين، مستذكرة حين كانت تغسل الملابس بواسطة غسالة أوتوماتيكية، والأواني تغسلها وهي متوقفة أمام مجلى مجهز، بينما لم تكن تحمل أي أشياء ثقيلة.
بينما أكدت "أم خليل"، أن حياة الخيام القاسية، والبرد الشديد الذي تواجهه النساء، زادا الأمور تعقيداً، وأدى إلى تفشي مشاكل وآلام العظام لدى معظم النساء.
وأكدت أنها لجأت في الآونة الأخيرة للمسكنات لتخفيف أعراض الآلام التي تعانيها، والمشكلة أنها لا تستطيع التوقف وأخذ قسط من الراحة، فعائلتها تحتاج إلى المزيد من الجهد، ورغم أن أبناءها يحاولون مساعدتها، لكن العبء الأكبر ما زال ملقى على عاتقها.
واشتكت "أم خليل"، من وجود نقص شديد في الرعاية الصحية في غزة، فغالبية النساء اللواتي يعانين الأمراض والمشاكل، لا يجدن رعاية وعلاجا مناسبا، لذلك تستمر أوجاعهن، وبعضهن يلجأن للمسكنات، وأخريات لأطباء في عيادات خاصة.
وأشارت إلى أن النساء من أكثر الفئات معاناة في ظل الحرب، وقد واجهن الظروف العصيبة وتحملن أعباء تفوق قدراتهن.
مخيمات تجمع العائلات
على الرغم من مرارة النزوح الحالي، وصعوبات الحياة، إلا أن سكان القطاع لم ينسوا أصولهم ما قبل العام 1948، وراحوا يتجمعون في مخيمات جديدة، كل مخيم يحمل اسم القرية أو المدينة التي تنحدر منها العائلات.
وكان مخيم "بربرة"، الذي يحمل اسم القرية التي هُجر منها سكانها العام 1948 نموذجاً لهذا النوع من التجمعات للنازحين، إذ ضم المخيم عشرات العائلات التي تنحدر من قرية "بربرة"، وأكبرها عائلة "عدوان"، إلى جانب عائلات أخرى من رفح.
ويضم المخيم الذي يقع نهاية "شارع 5"، بمواصي خان يونس، عدداً من المرافق الخدماتية المهمة، من بينها مطبخ مجاني "تكية"، ومخبز خيري، وروضة أطفال، ونقطة لتقديم الخدمات المتنوعة للنازحين.
وقال القائم على المخيم أحمد طارق عدوان، إن المخيم حمل تجربة نوعية وفريدة لها أكثر من بعد، أهمها البعد الوطني، حيث ضم المخيم غالبية العائلات من قرية "بربرة"، وهذا يُبقي حلم العودة حياً في عقول الأجيال القادمة، ولا يسمح للنكبة الحالية أن تنسينا النكبات الماضية، ويجعل النازحين يتمسكون بأصولهم.
ووفق عدوان فثمة بعد آخر، وهو بعد خدمي، بحيث شكل المخيم فرصة للعاملين عليه لتقديم خدمات مجانية للعائلات النازحة، من خلال تنظيم العمل، وتجهيز قاعدة بيانات للسكان، موضحاً أن الخدمات تطورت، ولم تعد مقتصرة على عائلات محددة، بل تعدت لتشمل أكثر من 4000 عائلة مجاورة للمخيم، ثم تطور الأمر ليشمل آلاف العائلات من نازحي رفح، حيث جرى مؤخراً التعاون مع مؤسسات إغاثية محلية ودولية، وتوزيع خيام، ومعونات طارئة للنازحين.
وأكد أن المخيمات التي تنظم العمل، وتنسق جيداً مع الجهات الخدماتية تستطيع تقديم الخدمات بشكل أفضل، ونجاح فكرة "مخيم بربرة"، يجب أن تُعمم لتصل إلى الجميع، مشدداً على أن التنظيم وتنسيق العمل، ينعكس على النازحين بشكل إيجابي.
وشدد عدوان على ضرورة تسليط الضوء على حجم الظلم الكبير الذي وقع وما زال على أكثر من 55 ألف أسرة نزحت من مدينة رفح، وتعيش غالبيتها في مواصي خان يونس حياة بائسة.
وأشار عدوان إلى أن نازحي رفح بحاجة ماسة لكل أنواع الخدمات، ويجب تجميعهم في مخيمات على غرار "مخيم بربرة"، ليتم تنظيم عملية الإغاثة، والانتهاء من حالة العشوائية السائدة حالياً.