
كتب يوسف الشايب:
في الوقت الذي انتشر فيه فيديو لاقتحام عنيف من رجال أمن إسرائيليين لمقر المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، قبل دقائق من تقديم عرض فني أدائي للأطفال في مواقع التواصل الاجتماعي، نشر ملتقى الشباب التراثي المقدسي في سلوان، الجهة المنظمة، مساء أول من أمس، عقب الاقتحام مباشرة، منشوراً على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، جاء فيه: بقرار من بن غفير تم إلغاء عرض "أحلام تحت شجرة الزيتون" الذي كان سيشارك فيه سبعون طفلاً وشاباً مقدسياً، تتراوح أعمارهم ما بين (5 – 18) عاماً، ليقدموا فقرات موسيقية ودبكة شعبية.
واللافت أن عرض "أحلام تحت شجرة الزيتون" واحد من العروض الأدائية الحائزة على منحة "مِشكال"، وهو مشروع مموّل من الاتحاد الأوروبي، وينفذه كل من معهد غوته الألماني والمركز الثقافي البريطاني بالشراكة مع تجمع المؤسسات الثقافية للاتحاد الأوروبي (EUNIC) في فلسطين، وكان من بين الحضور سفراء أوروبيّون وممثلون عن الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الداعمة التي حاولت الحيلولة، عبثاً، دون هذا الهجوم الذي تسبب علاوة على الذعر، بإصابات جسدية لبعض الأطفال، نقل بعضهم على إثرها للمشافي، حسب ما أكد محمد الأعور، المدير التنفيذي للملتقى لـ"الأيام".
وكان العرض الأول تم يوم السادس عشر من الشهر الجاري في مسرح البيت الروسي بمدينة بيت لحم، وكان النجاح حليفه، لكن قراراً أصدره وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، قبل يومين من تقديم العرض في "الحكواتي"، لافتاً إلى أن الجهات الأمنية الإسرائيلية كان بإمكانها إبلاغ الجهات المنظمة والمستضيفة والراعية بالقرار، أو حتى طلب المسؤولين إلى خارج المسرح، الذي كان يتحضر لتقديم العرض بعد خمس دقائق على الاقتحام العنيف، الذي لم يكن مبرراً، إلا بهدف إثارة الذعر، لافتاً إلى أنه تم استدعاؤه للتحقيق هو وعامر خليل مدير المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، وعدد من مدربي ملتقى الشباب في سلوان.
وأدانت وزارة الثقافة "بأشد العبارات قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام مسرح الحكواتي في مدينة القدس، ووقف العرض الفني الذي كان يُقدمه ملتقى الشباب التراثي المقدسي بمشاركة الطلبة وأهاليهم وعدد من الممولين والسفراء الأجانب، في اعتداءٍ جديد يستهدف مؤسساتنا الثقافية وفعالياتنا التراثية وأدوات الوعي والهوية في العاصمة المحتلة"، فيما قال وزير الثقافة عماد حمدان: إن هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً لكافة القوانين والاتفاقيات الدولية التي تكفل حماية المؤسسات الثقافية والفنية، وفي مقدمتها اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي والمعنوي، ويكشف مجدداً سياسة الاحتلال الممنهجة الرامية إلى إسكات السردية الفلسطينية وعرقلة أي فعالية تُعزز الهوية الوطنية في القدس".
ولفت الأعور لـ"الأيام" إلى أن قوات الاحتلال اقتحمت المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) في القدس المحتلة، بالتزامن مع موعد انطلاق العرض، حيث كان يتواجد عشرات الأطفال على المسرح برفقة أجهزتهم الموسيقية، بالإضافة إلى عائلاتهم، بطريقة عنيفة، بزعم أن الفعالية ممولة أو مدعومة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو المبرر الجاهز الذي يستخدمه الاحتلال لقمع أي نشاط مقدسي تحت بند "السيادة"، نافياً أن يكون لأي جهة فلسطينية رسمية علاقة بالعرض، الذي هو تمويل أوروبي خالص.
وركز الأعور على الأثر النفسي والاجتماعي لهذا المنع، معتبراً أن الحرب هنا ليست أمنية بل هي "حرب على الطفولة"، فقد تحدث عن حالة الخذلان والرعب التي أصابت الأطفال الذين جاؤوا مرتدين ملابس الفرح، ليجدوا أنفسهم في مواجهة ضباط مخابرات وجنود مدججين بالسلاح بدلاً من تقديم فقراتهم الفنية المقررة، والاحتفاء بهم، مؤكداً أن الهدف هو "كيّ الوعي" وقتل الروح المعنوية للطفل المقدسي، ومنعه من عيش أي لحظة فرح طبيعية، لترسيخ شعور بالخوف والقهر في ذاكرته منذ الصغر، كاشفاً أن المحقق الإسرائيلي ساومه، أمس، على السماح بإقامة العرض ذاته في المكان ذاته، كما كان مقرراً، مساء السبت المقبل، في حال تم تحت مظلة أو بالشراكة مع مؤسسة إسرائيلية، وهو ما رفضه مدير ملتقى الشباب في سلوان.
وشدّد الأعور على أن الاحتلال يسعى لفرض سيطرته الكاملة على المساحات الثقافية والترفيهية في القدس، ومنع أي تجمع فلسطيني يظهر فيه المقدسيون موحدين أو مبتهجين، مختتماً حديثه لـ"الأيام"، بالقول: لا نملك صواريخ ولا دبابات، نحن نملك إرادة وفرحة أطفال نريد رسمها على وجوههم، لكنّ الاحتلال يخاف حتى من ضحكة الطفل المقدسي".