تاريخ النشر: 25 تشرين الثاني 2025

اغتيال رئيس أركان «حزب الله»: رسالتان إسرائيليتان

بقلم: رون بن يشاي

أكد الجيش الإسرائيلي رسميا اغتيال رئيس أركان "حزب الله"، هيثم علي طبطبائي، وأن الغارة الجوية في بيروت، التي تحملت مسؤوليتها أعلى المستويات في إسرائيل، سياسيا وأمنيا، كانت تهدف إلى تحقيق هدفين: أولا، توجيه رسالة إلى الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، خاصة إلى "حزب الله"، مفادها أن إسرائيل لن "تحتوي" الجهود المتزايدة، مؤخرا، من جانب  "حزب الله" لإعادة التأهيل العسكري له. والرسالة الثانية هي تقليص القوة العسكرية للتنظيم، وهز سلسلته القيادية.
تلاحظ الاستخبارات الإسرائيلية انتشار هذه الجهود وكثافتها، ليس فقط في جنوب لبنان، بل أيضا في المناطق الشمالية، وخاصة في منطقة البقاع حيث يتلقى "حزب الله" تهريبا لمكونات أنظمة سلاح وأسلحة من سورية وعبر البحر، ويحاول استئناف التدريب وإنتاج الصواريخ الدقيقة كما فعل قبل الحرب.
تُثير جهود "حزب الله" لإعادة الإعمار العسكري قلقا في إسرائيل، كما تصطدم بمبدأ جديد في مفهوم الأمن القومي - مبدأ الوقاية. ينص هذا المبدأ على أن إسرائيل لن تسمح للأعداء الذين يشكلون تهديدا عمليا وملموسا لدولة إسرائيل، وخاصة لسكان المناطق الحدودية، بتعزيز قوتهم والاستعداد لاقتحام أراضينا. هذا المبدأ هو درس مباشر من أحداث 7 تشرين الأول في الجنوب.
تم تنفيذ الهجوم بعلم وتنسيق مسبق مع القيادة المركزية الأميركية، وبالتالي يمكن الافتراض بثقة أنه كانت هناك موافقة ضمنية من إدارة واشنطن على هذه الخطوة. التنسيق والتعاون مع إدارة ترامب و"البنتاغون" بشأن لبنان ممكن نتيجةً لتقارب مصالح البلدين، وإن لم تكن بالضرورة متطابقة. لإسرائيل مصلحة في قطع رأس قائد رفيع المستوى وذي خبرة واسعة في "حزب الله"، قاد عمليات المحور الشيعي في اليمن وسورية والعراق، وكان قائد الجبهة الجنوبية لـ"حزب الله" في الحرب الحالية، بعد تصفية قائد الجبهة الجنوبية السابق، علي كركي، في صيف العام 2024.
عُيّن طبطبائي، مؤخرا، رئيسا لأركان "حزب الله"، بعد أن حلّ محلّ محمد حيدر، الأقل خبرة في الشؤون العسكرية. كان حيدر هو من حلّ محلّ فؤاد شكر، الذي كان رئيسا لأركان "حزب الله" والذراع اليمنى لنصر الله حتى تمّت تصفيته في تموز من العام الماضي. يبدو أن حيدر لم يُوفّق في مهمته، فقررت قيادة "حزب الله"، مؤخرا، تعيين طبطبائي المخضرم، القائد السابق لقوة الرضوان، لقيادة الجناح العسكري للمنظمة.
لذلك، لم تكن تصفيته مجرد إشارة إلى نفاد صبر إسرائيل بسبب تزايد قوة "حزب الله"، بل كانت أيضا، وربما بالدرجة الأولى، جزءا من جهد ممنهج لتقويض القوة العسكرية للمنظمة وسلسلة قيادتها. طبطبائي هو القائد العسكري الكبير رقم 175 الذي تُقصيه إسرائيل منذ بدء الحرب قبل أكثر من عامين. تشير الخبرة المُكتسبة إلى أن غياب أي قائد كبير ومتمرس يُقصى، حتى لو عُيّن بديل له، يُضرّ، ولو مؤقتا، بفعالية الأداء العسكري للمنظمة. إن الاهتمام الأميركي، الذي يُمكّن إسرائيل من الحصول على دعم واشنطن لتصعيدها التدريجي في لبنان، ينبع من رغبة الرئيس ترامب في أن يُنظر إليه على أنه صانع سلام في الشرق الأوسط، وربما أيضا من رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام. ولذلك، يُطالب ترامب ومبعوثوه إلى لبنان، الآن، الحكومة اللبنانية ليس فقط بأن تكون أكثر حزما في عملية تفكيك القدرات العسكرية لـ"حزب الله"، بل أيضا بالدخول في مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل بشأن اتفاق يُنهي القتال، وربما يُعزز السلام أو على الأقل الهدوء على الحدود الشمالية.
يواجه الرئيس اللبناني، جوزيف عون، وقائد الجيش اللبناني صعوبة متزايدة في القضاء على البنية التحتية المستقلة لـ"حزب الله" ومنع إعادة إعمارها، وذلك أساسا خوفا من مواجهة مع "حزب الله"، وإدراكا منهم أن الجيش اللبناني يضم العديد من المقاتلين والقادة الشيعة، وأن مثل هذه المواجهة قد تكون عنيفة وتُشعل حربا أهلية.
لكن الرئيس ترامب لم يُعجبه هذا، وأصدر إنذارا نهائيا للحكومة اللبنانية لإتمام عملية نزع سلاح "حزب الله" بحلول نهاية هذا العام. حتى أن ترامب هدد بأنه إذا لم يدخل لبنان في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل ولم ينزع سلاح "حزب الله"، فلن تتصرف الولايات المتحدة بشكل استباقي لمساعدة لبنان على التعافي من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها منذ عدة سنوات. يعترف الرئيس عون علنا بضرورة التفاوض مع إسرائيل، لكنه يخشى القيام بذلك خشية رد فعل محتمل من "حزب الله".
يهدف الهجوم في بيروت إلى كسر الجمود العنيف الذي ساد على الجبهة اللبنانية، مؤخرا. قد يؤدي الاغتيال إلى رد من "حزب الله" بإطلاق النار باستخدام طائرات مسيّرة، وربما صواريخ باليستية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية والمستوطنات الشمالية. لذلك، يجب على سكان هذه المنطقة البقاء في حالة تأهب قصوى. لكن "حزب الله" يعلم أنه إذا ضرب مدنيين إسرائيليين، فإنه يخاطر بفقدان معظم ما لديه.
يعلم "حزب الله" جيدا أن الجيش الإسرائيلي يستعد، إذا اتضح أن "حزب الله" يواصل تسليح نفسه وإعادة بناء بنيته التحتية، لعملية قد يفقد فيها "حزب الله" القليل المتبقي من قدراته العسكرية. ولذلك فإن هذه الحقيقة توازن بلا شك رغبة التنظيم في الانتقام من إسرائيل بسبب الهجوم على قلب الدولة اللبنانية النابض، العاصمة بيروت.

عن "يديعوت"