لست مغرما بقاموس المصطلحات التي تطلق مع كل حدث، بحيث تردد دون أن تكون ذات صدى لدى المتلقي فيمر عليها مرور الكرام، وخضت منذ تخرجي من جامعة بيرزيت إلى اليوم، تجربة المؤتمرات والورش والاجتماعات المحلية والإقليمية والدولية وبت مطلا على عالم المصطلحات التي تتغير كل عشرة أعوام أو أكثر تحت طائلة توسيع المفهوم وتغير الظروف، ولكن هذا الكم يربك أحيانا المتلقي بصورة تجعله يظن انه غير مواكب للتطور المتسارع على صعيد المصطلحات.
سيطرح السؤال ويكون مسلحا بمنطق ومنطلق سليم «مع استثناءات هدفها تهكمي» ما الفائدة وما هي الانعكاسات علينا لهذه المصطلحات التي تطرح علينا؟ ونظل ننتظر خبيرا يخرج علينا ليوضح فنقع في إرباك. تارة، يقال، إطار كذا نسبة للمدينة كذا ولكنه لم يعد يلبي بعد عشرة أعوام فذهبنا لإطار كذا ونحن نجلس مكاننا لا نملك السيطرة على مصادر المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، ومكب النفايات، والنقل المستدام وغيرها، ولكننا نصر أن نقول كلمتنا ونبني استراتيجيتنا ونحدد أهدافنا ونرتب أولوياتنا لنكون على الطريق السليم في تحقيق المناعة مثلا أو غيرها.
المناعة باختصار هي القدرة على الصمود والتكيف وإعادة النهوض، ويجب تعميم وإدماج الحد من مخاطر الكوارث والمناعة داخل جميع القطاعات؛ ولا تكون عمودية بمعنى مسؤولية جهة بمعزل عن بقية الجهات، وبالمحصلة كل ملف يجب أن يكون شاملا للمناعة، وهنا يصبح ملحا ترتيب الأولويات حسب خصوصيات كل مدينة وتكون الأولويات موزعة على قطاعات الاقتصاد، البيئة، التخطيط، وكل قطاع له مكوناته.
المناعة ليست بناء جدار ضخم لتمنع الضرر عنك لأنه لن يحقق هذا الأمر وليست بدعة وليست منتجا لم يجرب لغاية اليوم، بل هي منطلقة من التكامل والشراكة وتوسيعها لتشمل منطقة حضرية كبرى «متربولتين» لكي تكون الأهداف والأولويات واحدة لمساحة أكبر تسهل تحقيق المناعة، وقد يبدو أنني أقحم «المتربولتين» في كل مجال كنوع من فرض وجهة نظري على الآخرين وكأنني من مدرسة «الإجبار» رغم أنني من مدرسة «التشاركية والتكامل وتوسيع مساحة الخدمة لتجويدها».
تغيرت الظروف، اليوم، وبتنا في قلب الكوارث ولم يعد الحديث عن التغير المناخي موضوعا نظريا فقط فنحن في قلبه، وهذا ينسحب على المياه والبيئة، والبنية التحتية، والاستثمار، والاقتصاد، والطاقة النظيفة، وعمليا، هناك تجارب دولية بدأت بالتعاطي مع المخاطر من بوابة المناعة منها من يواجه الفيضانات نتيجة للطبيعة الجغرافية بطمر البحر والبناء كنوع من تلك المواجهة، وهناك من يستخدم أدوات التخطيط الحضري لمواجهة مخاطر أخرى وتحقيق المناعة.
مجموعات العمل والعصف الذهني عبر إشراك مرتبات إدارية متفاوتة لتكون شريكا في هذا الفعل أمر يقود إلى نتائج مناسبة قد لا تكون محكمة، ولكنها تعبير عن إدماج المناعة في جميع القطاعات وإدماج المناعة في ثقافة المؤسسة وجعلها مركزة لدى وظيفة محددة لتسهيل متابعتها وليس لحصرها في هذه الوظيفة.
والاستفادة من خبرات دولية شيء مهم ولكنه ليس بديلا عن جهد كوادر المؤسسة الذين يعتمدون على وثائق وضعوها هم ويطورونها، وتلك ثقافة رسختها بلدية رام الله وهي ليست حصرية في فلسطين ولكنها ملحوظة فيها، وبما أننا نعيش في قرية صغيرة، اليوم، فإن الوصول للمعلومة ميسر والوصول للخبراء والميسرين وأوراق العمل ميسر، ولكنها جميعا مادة خام يجب أن تتحول إلى نكهة تخص المدينة الباحثة عن المناعة.
aya2abd@yahoo.com