صدر، مؤخراً، القرار بقانون رقم 23 لسنة 2025 بشأن انتخاب مجالس الهيئات المحلية، بناءً على مشروع قرار مقدَّم من مجلس الوزراء، متضمّناً تعديلات جوهرية على النظام الانتخابي وشروط الترشح وتمثيل النساء. ورغم محاولة تقديم التعديلات كخطوة إصلاحية، إلا أن القراءة المتفحّصة للنص تكشف عن مشكلات بنيوية، ومساس مباشر بحقوق التمثيل العادل، وبخاصة تمثيل النساء، إضافة إلى إدخال اشتراطات سياسية غير معهودة في التشريعات الانتخابية.
أولاً: اعتمد القانون في المادة 14 النظام المختلط الذي يتبنى النظام الفردي في المجالس القروية، مقابل تبني نظام القائمة النسبية المفتوحة في المجالس البلدية. هذه المزاوجة بين نظامين مختلفين جذرياً تخلق خللاً في بنية التمثيل، خصوصاً في المناطق الأضعف سياسياً وبالتالي أكثر خضوعاً للعائلية والعشائرية، حيث يُتوقَّع أن يؤدي النظام الفردي إلى ارتفاع المنافسة المبنية على الاعتبارات الشخصية والعائلية على البرامج، علاوة على إضعافها فرض الشباب وبناء القوائم المدنية والمهنية أو الحزبية، وعلى الأرجح فتح الباب أمام تشكيلات مصلحية تخلط الحزبي بالعشائري.
في المجالس البلدية، يُطلب من الناخب التصويت للقائمة كاملة، ثم منحه خمسة أصوات تفضيلية من داخلها، وهي آلية معقدة ستؤدي حكماً إلى ارتفاع نسبة الأوراق الباطلة، وتفكيك القوائم من الداخل، والأهم تحويلها المرشحين إلى متنافسين في داخل القائمة ذاتها ما يؤدي إلى الخلاف والاحتقان الشخصي وإقصاء الأبعاد الأخرى.
ثانياً: حسنا، نصّ القانون في المادة 21 على تخفيض سن الترشح إلى 23 عاماً، لكن الخطوة الإيجابية قد لا تجد أثرها المنتظر بمعزل عن توفير بيئة سياسية تسمح للشباب بالترشح الحرّ، وبنظام انتخابي لا يعيد إنتاج السلطة العائلية والمحلية التقليدية.
ثالثاً: يُحْسَب للقانون في المادة 15 تطويره مشاركة المرأة في الحكم المحلي، رغم المفارقة في استمرار صاحب القرار في قَضْم قرار المجلسين الوطني والمركزي القاضي بتخصيص 30% من عدد مقاعد جميع هياكل بنى الدولة الفلسطينية، وكأن الحكومة لم تبلع القرار وما زالت تساوم على حقوق النساء عدا خلقها نوعا جديدا من التمييز في التفرقة بين النساء أنفسهن بين الأرياف والمدن كما يلي: فالمجالس المشكلة من 9 أعضاء المخصص لها عضوتان فلا تتجاوز نسبة مشاركتهما 22%، والمجالس المشكلة من 11 فلا تزيد على 3 نساء بمعدل 27%، أما المجالس المشكلة من 13 عضواً فقد خصص القانون لها 4 نساء بنسبة 31% تقريباً، وخصص للمجالس البلدية المشكلة من 15 عضواً أربعة مقاعد وبمعدل 26.6%، وبالإجمال الصيغة المعتمدة نكوص عن تطبيق قرار المجلسين، الوطني والمركزي، وإنشاء تمييز فعلي بين امرأة وأخرى حسب حجم المجلس! إن هذه الهندسة العددية لا تعكس أي التزام حقيقي بمبدأ المشاركة السياسية للنساء، بل تُضعف ما راكمته الحركة النسوية والمجتمع المدني خلال عقود.
رابعاً: تنص المادة 16 من القرار بقانون رقم 23 على إدخال شرط سياسي غير مسبوق في الانتخابات المحلية، يقضي بإلزام مرشحي القوائم بتقديم إقرار يؤكد على التزامهم ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتزاماتها الدولية، وقرارات الشرعية الدولية.
هذا النص أخطر ما ورد في القانون الجديد واختراق للأعراف التشريعية الفلسطينية والمقارنة على حد سواء. فالقوانين الانتخابية لا تشترط على المرشح اعتناق موقف سياسي محدد، ولا تربط حقه في الترشح بنص سياسي بعينه. وإقحام الشرط المخل بحقوق المواطنة وحرية الرأي في قانون للهيئات المحلية، ذات الطبيعة الخدماتية والإدارية، كما يقصي ويقمع الخيارات السياسية الديمقراطية والتعددية للمواطن، ويُسهم في تسييس المجالس البلدية بطريقة غير مبرّرة وغير ديمقراطية.
خامساً: جرى تعديل القانون دون حوار مجتمعي أو نسوي، ودون تقييم للأنظمة السابقة، رغم أن النظام الانتخابي غُيّر مرتين منذ العام 2004 مرفقاً بالتبريرات والمسوغات، ما يطرح الأسئلة المشروعة حول دوافع التعديل وارتباطها بالمصالح السياسية للحزب الحاكم، وكذلك حول غياب إرادة سياسية لتعزيز المشاركة الأوسع.
بالنتيجة، بدل أن يفتح القانون الطريق نحو توسيع المشاركة وتعزيز الثقة في مرحلة وطنية حرجة، أعاد إنتاج التسييس والتقييد، وأضعف فرص بناء مجالس محلية ديمقراطية تمثل التعددية السياسية ويحميها فعلياً، بينما المطلوب، اليوم، نهج تشريعي جديد يقوم على الحوار الوطني الواسع، وإعادة بناء العقد الاجتماعي الفلسطيني على أسس المشاركة والشفافية والحقوق المتساوية.