تاريخ النشر: 18 تشرين الثاني 2025


دفاتر الأيام
شاعر يُطعم قصائده للسمك
الكاتب: زياد خدّاش

خذني إلى يافا يا ماجد، طلبت منه مراراً، كنت أنا أعرف أن ذلك مستحيل الآن، كان يبتسم، وأقول له: تكفيني ابتسامتك الدخانية وإيقاع عبارتي اللذيذ المؤلم. قلتها كثيراً: اثنان من بلادي ومدينتي يجبرانني على الضحك بأقل الكلمات أو الحركات والنظرات: وضاح وماجد، كان ماجد صاحب مطبعة شهيرة وقوية في التسعينيات، وكان مجرد موافقته على الطباعة لأحد منا نحن جيل ساردي التسعينيات، يجعلنا نطير، ونرقص في الشارع، مرة قال لي، اسمع زوز، قررت أن أطبع لك كتاباً مجاناً، وقع التلفون الأرضي من يدي، لم  أطر من الفرح، صرتُ الطيران والفرح، صرت كتابي. ومرةً غضب مني لنزقي في التعامل أحياناً وحرَمني من طباعة كتاب قدمته له، أرسلت له صالحاً ومالكاً، كواسطة فتمت الطباعة.
من عاش في زمن الانتفاضة الأولى يعرف أن ماجداً كان أحد أبطالها، طورد سنوات، كنت أراه من بعيد وأقول: الله يحميك. لم أعرف أحداً يحب الحياة كماجد، يمجّها مثل سيجارة ويشربها مثل كأس يانسون. كل أسبوع يصور ماجد نفسه وهو يصيد سمكاً، لاحظت أمراً لم يلاحظه أحد، كان يرمي لها غير الحب، ورقاً، يخرجه برفق من عينيه، طلبت من أصحابي أن يركّزوا على يديه، ركّزوا وضحكوا عليّ، ماجد كان يفرك عينيه، هذا ما نراه قالوا.
لم أصدقهم، كان ماجد يرمي لسمك يافا قصائده عن يافا والتي كان يخبئها في عينيه، كان السمك يهب نفسه سعيداً راكضاً إلى موتٍ شعري أنيق في صنّارة ماجد مقابل وجبة الشعر الدسمة.
قالت لي سمكة ضخمة استطعت أن استنطقها بعد محاولات: خذي قصة قصيرة وهبيني لحمَك، أنا جائع.
ضحكت السمكة طويلاً، قالت: لكنني للأسف لا أحب  القصص، أنا أعشق الشعر. انهض يا ماجد واذهب إلى بحرك ومدينتك وسمكك، الكل هناك بانتظارك، يا أجمل واكرم من رأيته.

خذني إلى يافا يا ماجد.