أميركا وإسرائيل.. مَن يقود مَن؟ سؤال ظل يردّده كثيرون منذ زرع إسرائيل في المنطقة عنوة عام 1948، لكنه تجدّد أكثر طوال مدة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي بدأ في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ عقب عملية طوفان الأقصى، ولم يتوقف إلا عقب قمة شرم الشيخ في ١٣ تشرين الأول الحالي.
المنطقي والطبيعي أن أميركا هي من تقود إسرائيل؛ لأن الأخيرة في التحليل النهائي مجرد أداة وظيفية للغرب منذ عقود طويلة، وفي كل القضايا المفصلية فإن أميركا هي التي كانت تأمر فتطيع إسرائيل.
لماذا نطرح هذا السؤال الآن؟
ببساطة لأن غالبية كبار المسؤولين الإسرائيليين كانوا يتحدثون طوال الشهور الماضية عن احتمال قرب ضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، وقد أقر الكنيست الإسرائيلي بالفعل القرار في قراءة أولية نهاية الأسبوع الماضي. والخميس الماضي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمجلة «تايم»: إن قرار الضم لن يتم، وإنه وعد الدول العربية والإسلامية بذلك. بعد هذا الحزم والحسم من ترامب ثم نائبه جي دي فانس وكبار المسؤولين الأميركيين تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال: إنه لم يأمر بذلك، بل إن المعارضة وبالشراكة مع بعض قوى الائتلاف الحاكم هي من تقدمت بالاقتراح لإحراجه!!.
هذا التطور الدراماتيكي يجيب بوضوح أن أميركا هي من تدير إسرائيل وليس العكس.
لكن الذين يعتقدون أن إسرائيل هي من تحكم أميركا معذورون تماماً، لأن وقائع وتفاصيل العدوان الإسرائيلي طوال العامَين الماضيَين كانت تشير بنسبة كبيرة إلى أن إسرائيل هي من يحكم أميركا. فالرئيس السابق جو بايدن جاء مهرولاً لإسرائيل بعد أيام قليلة على «طوفان الأقصى» وفتح مخازن السلاح، وخزائن المال، واستخدم الفيتو مرات ومرات لضمان استمرار العدوان.
وذهب نتنياهو إلى الكونغرس أكثر من مرة وكأنه هو من يحكم أميركا وليس مجرد متلقٍ لمساعداتها.
كنا نظن أن بايدن هو أفضل من خدم ودعم وساعد إسرائيل، لكننا اكتشفنا أن ترامب فاق الجميع، وكان يهدد الفلسطينيين ليل نهار بفتح أبواب الجحيم عليهم، بل شارك في العدوان على إيران في حزيران الماضي، وقبل أيام تفاخر بأن كل العمليات العسكرية الإسرائيلية النوعية، خصوصاً البيجر في لبنان، كانت بعلمه ودعمه وموافقته.
لكن ترامب اكتشف أن استمرار العدوان قد يتسبب في الإضرار بالمصالح الأميركية على المدي الطويل، وهكذا طرح خطته المكونة من عشرين بنداً، ورغم انحيازها لإسرائيل، فإنها في النهاية أوقفت العدوان وسمحت بدخول المساعدات وأوقفت مخطط التهجير.
خطة ترامب لم تعجب اليمين المتطرف في إسرائيل؛ لأنها تجهض مخطط تصفية القضية الفلسطينية ـ على الأقل في الوقت الراهن ــ ثم جاء إعلان ترامب برفض ضم إسرائيل للضفة، ليطرح السؤال المهم وهو: مَن يحكم مَن؟
العديد من الكتاب والمسؤولين الإسرائيليين كتبوا معلّقين على تطورات الأيام الأخيرة بأنها تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الولايات المتحدة هي الحاكم الفعلي لإسرائيل، ووجدنا من يشبّه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بأنه «المبعوث السامي الأميركي» الذي يتخذ القرارات الإستراتيجية الكبرى المتعلقة بإسرائيل ومستقبلها.
قد يسأل سائل ويقول: وكيف يمكن تفسير التماهي الأميركي الكامل مع إسرائيل طوال فترة العدوان والدعم المكشوف، بل والمشاركة الكاملة في العدوان؟!
الإجابة ببساطة تتمثل في أن إسرائيل تنجح في مرات كثيرة في جعل مصالحها هي نفس مصالح الولايات المتحدة، وتصوّر لواشنطن أنها تدافع عن المصالح الأميركية. وكانت هذه الطريقة تنجح دائماً، لقوة تأثير اللوبي اليهودي الصهيوني في أميركا وأوروبا أولاً، ولعوامل دينية، ولغياب أي تأثير عربي على القرار الأميركي، رغم وجود مصالح أميركية كبرى في الدول العربية.
لكن وحينما تتعارض المصالح الأميركية مع الإسرائيليين، فإن واشنطن تتدخل دائماً وتجبر إسرائيل على الصمت والطاعة.
هل معنى ما سبق أن ترامب صار نصيراً للحقوق العربية والفلسطينية، وأن إسرائيل سوف تقبل ذلك من دون مقاومة؟
الإجابة هي لا مؤكدة.
والأمر يتوقف فقط على وحدة الصف الفلسطيني واستمرار التنسيق العربي، وإقناع الولايات المتحدة بأن سلوك اليمين المتطرف في إسرائيل سوف يضر المصالح الأميركية على المدى الطويل.