
كتب خليل الشيخ:
"منمناش طول الليل وقضينا طيلة الوقت ونحن نحتمي خلف سور حديدي من شدة الرياح والبرد"، هكذا قالت النازحة صابرين الصعيدي (46 عاماً) وهي تصف ليلة شتاء قاسية بعدما انهارت خيمتها فوق رؤوس أبنائها.
تنزح صابرين وأسرتها المكونة من ستة أفراد بينهم الفتاة نورهان (19 عاماً) التي تعاني من الشلل الدماغي، وأصغرهم آدم الذي لم يتعد عشرة أعوام، في خيمة أقامتها في منطقة "القرعان" عند شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة، كانت قد تسلمتها من أحد المبادرين، لكنها تحولت إلى كومة من القماش بعد تحطمها وانهيارها تحت المطر الشديد.
وبدت العائلة المكلومة، التي فقدت المعيل "أمجد" شهيداً في قصف جوي في العام 2024، مشردة بلا مأوى بعد انقضاء ليلة صاخبة بالرياح الشديدة والأمطار الغزيرة، تبحث عمّا يمنحها الدفء ومقومات الإيواء.
وقالت صابرين إنها خسرت كل فرشاتها وملابس أبنائها التي تطايرت، وبالكاد استطاعت لملمة بعض الأغطية لتحمي جسدها وجسد ابنتها المعاقة طريحة الفراش من البرد الشديد، في انتظار صباح اليوم التالي.
وأضافت: "لا أعرف كيف سأتصرف وناشدت كل قرايبي لمساعدتي لكن دون فائدة، فهنا غالبية الناس مشردون، فقد انهارت الخيام فوق رؤوسنا وهربنا خلف الأسوار الإسمنتية والحديدية لنحتمي على الأقل من شدة الرياح".
وشهد قطاع غزة الليلة قبل الماضية هبوب رياح شديدة وهطول أمطار غزيرة تسببت بتلف آلاف الخيام، حسب مصادر رسمية من المكتب الإعلامي.
وأوضحت صابرين أنها أصبحت مشتتة الذهن والتفكير بين الاهتمام بمعاقة تبحث عن الدفء وتحتاج للمتابعة والرعاية، وابن جريح يتلقى العلاج في المستشفى بسبب إصابة قديمة تعرض لها من قصف إسرائيلي قبل عدة أشهر.
وقالت: "لدي ابني ماجد في السادسة عشرة من عمره يقضي شهره الخامس في مستشفى الشفاء، ويحتاج هو الآخر للرعاية مني، واعتدت على متابعته بشكل أسبوعي، حيث أذهب إليه من دير البلح إلى مدينة غزة".
ولم يكن مشهد أسرة المواطنة الصعيدي معزولاً عن باقي المشاهد في منطقة شاطئ دير البلح، فقد شوهد عدد من الأسر التي تعاني من ظروف مشابهة لها، ولسان حال الجميع يطلب المساعدة ويندد بواقع حاله الذي قد يوصلهم إلى الموت البطيء من التشرد في عز البرد.
على الجهة الشرقية من دير البلح تحدث شهود عيان عن حال عشرات الأسر التي تطايرت خيامها تحت جنح الظلام، الليلة قبل الماضية، وبقيت في العراء تحت المطر الشديد.
وذكر "أبو جمال" أحد النازحين على طريق صلاح الدين، أن الخيام انهارت على أصحابها، وبعضها تطايرت في الجو وسقطت في مكان بعيد، مشيراً إلى أن لا أحد يعرف مكان سقوط خيمته، وإن عرف فهو لا يستطيع إرجاعها ونصبها.
وقال: "المشهد كان قاسياً عندما تسمع صراخ الأطفال والنساء وهم يبكون من شدة البرد، ومن ضياع خيامهم وبقائهم في العراء"، مشيراً إلى أن بعضهم توجه إلى الخيام غير المنهارة للاحتماء فيها، وأن آخرين بقوا بجوار جدران المباني المقصوفة، وقضوا ما تبقى من الليل انتظاراً لصباح اليوم التالي.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أمس، إن الجهات الحكومية وبالتنسيق مع المؤسسات الشريكة، نفذت إمدادات طارئة للأسر المتضررة من المنخفض الأخير، وقامت بإيواء عدد منها وفق الإمكانات المتاحة.
وأوضح المكتب أن الإيواء كان في ظل محدودية الإمكانات نتيجة شح الموارد، وحالة الدمار الواسعة، مؤكداً أن أوضاع المتضررين لا تزال صعبة ومعقدة.