تاريخ النشر: 29 كانون الأول 2025

لقاء ترامب - نتنياهو: إنجازات سياسية وأمنية أم أزمة إستراتيجية؟

بقلم: طاقم المعهد برئاسة اللواء المتقاعد البروفيسور عاموس جلعاد

يُمثل الاجتماع المرتقب بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس ترامب منعطفاً بالغ الأهمية. 
ويتعلق الاجتماع، في المقام الأول، بقضية غزة. فـ "حماس" مصممة على الحفاظ على وجودها وسيطرتها الداخلية مهما كلّف الأمر، كأساس لاستعادة قوتها العسكرية والسياسية في المستقبل. 
وقد يُعرقل إصرار إسرائيل على تجنب دمج السلطة الفلسطينية في عمليات إدارة وإعادة إعمار غزة مبادرة الولايات المتحدة لإنشاء قوة متعددة الجنسيات، مهمتها الرئيسة نزع سلاح "حماس".
ولا يمكن للتطبيع مع السعودية أن يتحقق دون إيجاد بديل لنظام "حماس" ورسم أفق سياسي قائم على حل الدولتين. 
وفي ضوء الفراغ الذي نشأ، يبرز محور تعاون غير مسبوق بين الولايات المتحدة ودول الخليج.
أما فيما يتعلق بإيران، فيُبدي الرئيس ترامب اهتماماً بتعزيز اتفاق نووي ثانٍ، ومن الصعب، في الوقت الراهن، افتراض استعداده لإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للهجوم، طالما لا يوجد تهديد نووي ملموس. 
فيما يتعلق بسورية، يسعى ترامب إلى التوصل إلى اتفاق أمني يتضمن انسحاباً إسرائيلياً من الأراضي التي احتلتها بعد الانقلاب الذي وقع قبل نحو العام. 
وتتجلى الفجوات بين إسرائيل والولايات المتحدة أيضاً في موقف الرئيس ترامب المتعاطف مع تركيا وقطر.
أثبتت حرب "السيوف الحديدية"، بما لا يدع مجالاً للشك، أن قوة إسرائيل تعتمد إلى حد كبير على تحالفها مع الولايات المتحدة. 
في ضوء ذلك، تبدو زيارة رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة فرصة تاريخية لاتخاذ قرارات استراتيجية تُكمّل الإنجازات العسكرية وتُتيح تحقيق مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية، بما في ذلك الاستعداد لمواجهة أي صراعات عسكرية مستقبلية مع إيران ووكلائها. 
لذا، ثمة حاجة إلى تغيير في السياسة الإسرائيلية، بما يسمح لها بالاندماج في خطة الرئيس ترامب الشاملة للتسوية. 
وهذا من شأنه أن يمهد الطريق لتعزيز اتفاقيات السلام واتفاقيات إبراهيم، وتوسيعها لتشمل اتفاقية تطبيع تاريخية مع المملكة العربية السعودية.

هل تتعثر خطة ترامب في غزة؟
بعد مرور شهرين تقريباً على التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن بات من الواضح وجود هدوء نسبي في جميع جبهات القتال، نتيجة لإنجازات الجيش الإسرائيلي والضرر الكبير الذي لحق بقدرات إيران و"حزب الله" و"حماس". 
مع ذلك، لم يُتخذ أي قرار نهائي، وتعمل إيران ووكلاؤها في الشرق الأوسط على استعادة قدراتهم استعداداً لأي صراع محتمل. 
ويأتي هذا في الوقت الذي تتجنب فيه الانجرار إلى جولة قتال واسعة النطاق أخرى مع إسرائيل، إدراكاً منها لتفوق إسرائيل ومحدودية قدرتها على إلحاق ضرر كبير بها. 
هذا يعني أن إسرائيل بحاجة إلى خطوة سياسية في هذا الوقت تُترجم النجاحات العسكرية إلى إنجازات استراتيجية. وإلا، فإن هناك خطراً واضحاً من تقويض هذه الإنجازات العسكرية أيضاً.
قد يكون لهذا الأمر تداعيات على منظومة العلاقات مع إدارة ترامب، لا سيما بعد إنجاز الرئيس بتحرير جميع الرهائن الأحياء ومعظم القتلى. 
مع ذلك، من الواضح في الوقت الراهن أن علامات استفهام تُحيط بفرص نجاح خطة ترامب لما بعد الحرب في غزة، لا سيما فيما يتعلق بتشكيل هيئة حكم وقوة متعددة الجنسيات تعمل بحزم على نزع سلاح "حماس" وتشكيل حكومة بديلة. وهذا من شأنه أن يزيد الضغط على إسرائيل لتغيير نهجها.
وتتردد دول عديدة في العالم العربي والإسلامي في إرسال قوات إلى غزة، ويعود ذلك أساساً إلى عدم رغبتها في مواجهة "حماس"، وغياب حل سياسي. 
ويؤثر هذا أيضاً على استعداد السعودية والإمارات لاستثمار الموارد الهائلة، التي تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات، اللازمة لإعادة إعمار القطاع.
ويمنح التباطؤ في تجميع ونشر القوة متعددة الجنسيات "حماس" وقتاً ثميناً لإعادة تنظيم صفوفها، واستعادة قدراتها العسكرية، وتوطيد سيطرتها على القطاع وعلى أغلبية السكان الفلسطينيين فيه. 
في الوقت نفسه، يتفاقم التحدي في الضفة الغربية، نظراً للخطوات الأحادية التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية لضمان ضم المزيد من الأراضي مستقبلاً، مع إضعاف السلطة الفلسطينية، إلى جانب تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية القومية ضد الفلسطينيين. 
وعلى نطاق أوسع، تشير تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بوضوح إلى أنه في غياب رؤية سياسية ملموسة لإقامة دولة فلسطينية، يُتوقع أن تتوقف عملية التطبيع مع السعودية - التي تُعدّ درة تاج رؤية الرئيس ترامب الإقليمية - عن التقدم.

تعزيز العلاقات الأمنية بين
 الدول العربية والولايات المتحدة
تستغل دول المنطقة الفراغ السياسي المتزايد لتعميق علاقاتها الثنائية مع إدارة ترامب، دون الحاجة إلى دفع تكاليف توسيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
ويتماشى هذا مع مفهوم الرئيس ترامب العام المتمثل في تعزيز الاتفاقيات الاقتصادية والتكنولوجية ذات العائد المادي المرتفع مع دول المنطقة، كما يتضح في وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي نُشرت مؤخراً.
وتتجلى مظاهر هذا التوجه، من بين أمور أخرى، في ازدياد التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية وقطر وتركيا، وفي استعداد الرئيس ترامب لبيع هذه الدول أسلحة حديثة ومتطورة، بما في ذلك طائرات إف - 35 المقاتلة، وحتى في العلاقات الناشئة بين ترامب والرئيس السوري، أحمد الشرع. ومع ازدياد زخم هذا التوجه، قد تكون له تداعيات سلبية على مكانة إسرائيل الإقليمية، بل قد يؤثر على أسس التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.

جهود إيران لإعادة الإعمار
بعد مرور نحو ستة أشهر على عملية "الأسد الصاعد"، بات من الواضح بشكل متزايد أنه على الرغم من الضرر البالغ الذي لحق بجميع مكونات القوة الإيرانية، فإن المرشد الأعلى مصمم على استعادة القدرات الدفاعية والهجومية لإيران، مع التركيز على أنظمة الصواريخ والدفاع الجوي. ويأتي هذا إلى جانب استمرار الدعم العسكري والمالي لـ "حزب الله" وغيره من الوكلاء الإيرانيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط. 
وينبغي إيلاء اهتمام خاص للنشاط الإيراني في الأردن، باعتباره نقطة ضعف إسرائيل. 
وفي هذا السياق، تتجلى جهود إيران لتقويض الاستقرار الداخلي واستغلال الحدود الطويلة (308 كيلومترات) مع إسرائيل لتحويل الأردن إلى منطلق لتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية ولأنشطة "إرهابية".
أما في لبنان، فمن الواضح أن الحكم برئاسة الرئيس جوزيف عون يسعى جاهداً لإثبات سيادته وتفكيك القدرات العسكرية لـ "حزب الله"، إلا أن الجيش اللبناني، عملياً، يفتقر إلى القدرات اللازمة لتحقيق ذلك، لأسباب منها كونه يتألف من عدد كبير من العناصر الشيعية. نتيجةً لذلك، يمر "حزب الله" بمرحلة إعادة بناء، ولا يُرجّح أن توقف هذه العملية إلا عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق.

سورية ساحة للمواجهة الإقليمية
أصبحت سورية ساحة للتنافس بين القوى الإقليمية - إسرائيل والسعودية وتركيا وقطر - بينما تواصل إيران إثارة الاضطرابات على الساحة الداخلية. 
يخلق الواقع الجديد في البلاد، ولا سيما عداء الشرع لإيران وعلاقاته بالرئيس ترامب، فرصة لإسرائيل لتغيير الوضع، من خلال تعزيز ترتيبات أمنية جديدة برعاية الولايات المتحدة. 
ويبدو الرئيس ترامب، من جانبه، مصمماً على مساعدة أحمد الشرع على توطيد حكمه.
ويتجلى ذلك في العمل العسكري الأميركي ضد قواعد "داعش" في البلاد، رداً على مقتل جنديين أميركيين، وفي انتقاد ترامب الضمني لأهمية عدم تدخل إسرائيل في التطورات في سورية.

صفقة الغاز مع مصر
تُعدّ مصر ركيزةً أساسيةً في بنية الأمن الإقليمي لدولة إسرائيل. يشير هذا إلى أن مصلحة إسرائيل العليا تكمن في الحفاظ على اتفاقية السلام، بل تعميق التعاون الثنائي مع القاهرة. 
إن الاتفاقية الاستراتيجية لتصدير الغاز إلى مصر هي في المقام الأول اتفاقية اقتصادية، وتكمن أهميتها السياسية في قدرتها على وقف تدهور العلاقات. 
في الوقت نفسه، لا ينبغي التوهم بأن مصر ستتخلى عن خطوطها الحمراء المتعلقة بأمنها القومي، وعلى رأسها معارضتها الشديدة لنقل سكان غزة إلى سيناء وفتح معبر رفح من جانب واحد. 
على أي حال، من المهم التذكير بأن تنفيذ أي اتفاقية تُصاغ في غزة يعتمد إلى حد كبير على تعاون مصر.
خلاصة القول، إن زيارة رئيس الوزراء إلى الولايات المتحدة تُمثل فرصة تاريخية لتعزيز مكانة دولة إسرائيل وقوتها الاستراتيجية الشاملة. 
في المقابل، قد يؤدي اختتام الزيارة بخلافات حول قضايا جوهرية مع الولايات المتحدة إلى الإضرار بنسيج العلاقات بين البلدين، بما في ذلك في الرأي العام الأميركي، كما قد ينعكس سلباً على منظومة العلاقات مع الدول العربية، التي تُعدّ ركيزة أساسية لقوة دولة إسرائيل.

عن موقع "معهد السياسة والإستراتيجية"