تاريخ النشر: 29 كانون الأول 2025


دفاتر الأيام
كشجرة برتقال في حرش سرو
الكاتب: غسان زقطان

 

 

كلفني العزيز رامي مهداوي كتابة ما يشبه مقدمة لآخر أعمال الراحل العزيز ماجد أبو غوش، عمل نثري أقرب إلى لقطات سريعة بعدسة ذكية لحيوات ومصائر صغيرة، شهادة تكتسب عمقها من بساطتها، عين ماجد التي كانت تلتقط هموم الناس وأحلامهم وتحولاتهم، ولكنها تضع قوة الحياة وقسوتها كمعيار في النسيج المتشابك للمشهد.
يشرف رامي على إصدار العمل الذي يحمل عنوان "رائحة البحر"، ويشاركني في التقديم الشاعر خالد جمعة والقاص زياد خداش.
أضع هذه المساهمة هنا بانتظار صدور العمل قريباً:
تصدر هذه النصوص بعد رحيل ماجد بأسابيع، يبدو العنوان ملائماً ويكاد يكون من اختياره. يصعب تصنيف هذا الكتاب، ولكنه في عشوائيته الخارجة عن التصنيف يكاد يكون صورة لماجد، صورة حقيقية وهو يمشي في شارع جانبي، يهبط من شارع ركب نحو قلب رام الله القديمة، يقطع شارع الإرسال بتمهل في طريقه إلى عمله الجديد، أو وهو يحرك يديه كمن يهش سوء الفهم أو لتوضيح أمر طرأ على باله في مقهى رام الله، أو وهو يلوح بصنارة صيد أمام صخرة على شاطئ، يافا غالباً،... يصعب تخيّل ماجد في مشهد ساكن.
في النصوص طرق وعناوين وأسماء وأماكن وأشخاص ينبعون من الحقائق، أشخاص لم يجرِ تزويرهم، لا يحجب الإنشاء ملامحهم ولا تخفي البلاغة مشقتهم ولا يسرق اليأس أحلامهم.
أشخاص لم يحدث اقتطاعهم في مشاهد مقصودة، أو تنظيفهم من شوائب المشقة ليظهروا في النص حكماء ومحصنين من الخسارة، يخرجون إلى حياتهم كما يذهبون إلى كمين، ولكنهم يخوضون في كل لحظة حياتهم كاملة، حين تتداخل الذكريات بالواقع والأخطاء بالصواب ويتحول كل شيء إلى ما يشبه سؤالاً مفتوحاً على البحر والتجارب.
أفكر أن ماجد كان يشبه كل هذا، يخرج إلى حياته كاملة ويضعها مثل طائر على كتفه وفي حركات يديه وكرم ذاكرته.
أبحث عن ماجد الذي أجده صافياً في هذه النصوص، كما كان دائماً، ولكنني أعود في كل مرّة إلى الصورة المؤلمة لصديق رسمه في أحد نصوص هذا الكتاب، أعيد ترتيب الصورة وأستبدلُ أمكنة الأشجار وأضع ماجد في الضوء.. كشجرة برتقال في حرش سرو.