اعتادت إسرائيل أن تستخدم أسلوب «الوصمة الحضارية» بحق العرب والفلسطينيين، فهم إما إرهابيون أو إرهابيون محتملون، وهم معادون للسامية ويكرهون اليهود ويريدون إلقاءهم في البحر، وهي كلها اتهامات لا تنطبق على عموم العرب والفلسطينيين، وإن من اضطروا لحمل السلاح كانوا في غالبيتهم العظمى يسعون لتحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلي.
والحقيقة أن عملية سيدني في أستراليا، التي استهدف فيها متطرفون دواعش مواطنين أستراليين يهود أدانها العرب قبل غيرهم واعتبروها عملية إرهابية، ولولا التصرف الشجاع للمواطن الأسترالي ذي الأصول العربية السورية لكانت إسرائيل تتباكى اليوم على عداء العرب والمسلمين لها، وكيف أنهم جميعًا يستهدفون اليهود.
ومع ذلك فإن ظهور المواطن الأسترالي السوري قلب الحسابات الإسرائيلية، وجعل رد فعلها متناقضًا، فقد استدعت خطاب المظلومية والعداء للسامية، وقالت إن اليهود مستهدفون من قبل العرب والمسلمين لأنهم يهود، وإنها مستهدفة من قبل «الإرهاب الإسلامي» (كما يصفه قادة إسرائيل) لأنها دولة يهودية وليس لأنها آخر دولة احتلال استيطاني في العالم.
في حين أن هذا التدخل الشجاع والإنساني للشاب الأسترالي من أصول سورية أحمد الأحمد ضرب في مقتل السردية الإسرائيلية التي تنتظر الفرصة لكي تنشر خطاب الريبة والعداء ضد العرب والمسلمين في كل العالم، وتقول إن بنيتهم الفكرية والدينية تشجع على الإرهاب، وإن الفلسطينيين (وليس فقط حماس) بحكم الفطرة والتكوين «إرهابيون»، وهي تحارب الإرهاب، وتنسى أو تتناسى أنها قوة احتلال استيطاني يرتكب جرائم مخزية بحق المدنيين.
إن ظهور أحمد الأحمد ذي الأصول العربية السورية نسف بالكامل سردية إسرائيل و«حبايبها» من قوى اليمين المتطرف التي تحاول تكريس صورة أن العرب والمسلمين غير قابلين أن يصبحوا جزءاً من العالم المتقدم و«المتحضر» نتيجة إرثهم الحضاري ودينهم الإسلامي وأنهم جميعاً «إرهابيون محتملون»، فظهر أحمد الأحمد ليس فقط في صورة الرجل الذي واجه بصدر عارٍ الإرهاب، وتعامل بإنسانية مع المهاجم لا تعرفها الحكومة الإسرائيلية وأخذ منه السلاح ولم يقتله، وترك مهمة التعامل معه لقوات إنفاذ القانون.
تصرُّف أحمد الأحمد الفطري نسف سردية التعميم والأحكام القيمية على العرب والمسلمين، وكونه الوحيد الذي تحرك ليس صدفة، فهو يعني أيضًا أن الغرب في حاجة إلى هذا الرافد الجديد من الموطنين الغربيين ذوي الأصول العربية، لأنهم أحيوا قيمًا ومبادئ تراجعت في المجتمعات الغربية من شجاعة ومساعدة الغير، وأنهم أيضاً أصحاب فطرة سليمة، فهم يحاربون الإرهاب مثل غيرهم ويدحضون الرواية الإسرائيلية التي تضع العرب والمسلمين في قفص الاتهام الحضاري والديني.
خطاب الوصمة الثقافية أحد الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل بحق العرب والمسلمين، وكانت عملية سيدني فرصة لتكريسه للتغطية على الجرائم الإسرائيلية في غزة لولا تصرف أحمد الأحمد الذي نسف الأسس التي قام عليها خطاب «الوصمة العبري».