تاريخ النشر: 27 كانون الأول 2025


آراء
الناس تريد اليوم التالي
الكاتب: صلاح هنية

في أرجاء البلد المقطّع أوصاله، وفي ضوء إمكانية لدى مستوطن أن يغلق شارعاً ويرعى أغنامه في موقع لا يجيز لفلسطيني أن يكون حوله، يطلق البلد العنان لحلقات تفكير، ويصبغها بمصطلح إستراتيجي، وفي دائرة أُخرى يبحث المجتمعون عن خطة للطوارئ، وآخرون يناقشون الإغاثة.
في خلفية المشهد تجلس مجموعة على رصيف المقهى أيضاً يفكرون بشكل مختلف، غالباً يرون أن الإستراتيجية والطوارئ والإغاثة غائبة، ونحن بحاجة لشيء إبداعي، ولا بد أن يقول أحدهم (خليني ناصت أحسن) على قاعدة أن الباحثين والأكاديميين والسياسيين وممثلي المجتمع الأهلي لن يتمكنوا من الخروج بأي منها!!!!!، فنعود لإنتاج خلطة جديدة سعى الكل لإيجادها معتبراً أن الكل معيق.
مشكلتنا أننا أغفلنا كل الجهد البحثي في البلد منذ 1993 الى اليوم، وقد يكون قبل ذلك، ولكن قبل كان الأمل يركض أمامنا وخلفنا ومعنا في كل شارع وزقاق ومكتب ومتجر وجامعة وكلية، وبتنا نقول: شو بدهم يعملوا، يعني حتى أن بعض المؤتمرات استضافت قامات علمية وبحثية فلسطينية من كبرى الجامعات الأميركية والأوروبية ولم يسلموا من ذات الموجة التقييمية، وعندما توفاهم الله سميت مؤسسات بأسمائهم، وقد يكون جزء كبير لم يقرأ لهم كتاباً ولا مقالاً ودافعَ عن التسمية.
لم يترك الباحث باباً الا طرقه، ولكن الباحث والمنتج يحتاجان الى رافعة تحمل هذا المنتج وتجسده واقعاً، إن كان يستحق فهو بحاجة الى مؤسسة قوية ناضجة قادرة على تغيير النمط وآلية اتخاذ القرار والرؤيا الإستراتيجية استناداً للبحث، وليس ترسيخ العجز ومهاجمة الباحث والمنتج البحثي، بحيث يتحول الباحث الى نجم (بودكاست) يقول حاولت وما قدرت، وبدي أكشف المستور، فيخرج عن ضوابط البحث العلمي والتفكير الرايق اللي كان ضمنه ليسمعوا صوته بشكل أوضح.
أذكر مثلاً وليس حصراً قبل ثلاثة أعوام ويزيد، عقد المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) مؤتمراً في رام الله بحضور ممثلي القوى ومراكز الأبحاث والجامعات والنقابات والمرأة والشباب، وسلط باحثو المركز الضوء على رؤية حكومة نتنياهو ومكوناتها وتوجهاتها، وأوضحوا تماماً ما يحدث اليوم من الاستيطان الرعوي وشبيبة التلال، والتوجهات المالية والاقتصادية للتعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وغادر الكل ولم يهتم بالأمر لا صناعُ القرار ولا المجتمع، رغم أن الأمر يطال الجميع كما يقع اليوم.
قبل ثلاثة أيام عقد مركز الأبحاث الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية مؤتمره بعنوان (الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية في إقليم متغير)، وفي جزء تطرّق إلى الإستراتيجية، وفي جزء إلى خطة طوارئ، وهناك من عاد للتاريخ متحصناً به، وخرجت الاستخلاصات ونُشرت، وحتماً ستُرفع للمستويات القيادية الأعلى، وستُعمَّم بأشكال مختلفة، والأمل كبير ألا تمر عليه مرّ الكرام، رغم أن العقل الفلسطيني السياسي والتنظيمي لن يكون مختلفاً في نمط التعامل معه، وأتمنى أن أكون مخطئاً.
بمجرد إشاعة او تعليق مكرر على وسائل التواصل الاجتماعي يوضح هشاشتنا، بحيث نصبح المستجيب ونضخ الأمر ونكرره، حتى يترسخ حقيقةً، ولأن الرسالة الرسمية ضعيفة.
كل القضايا المفصلية فيها إشكاليات، الاقتصاد والمالية العامة والمصارف والصحة والتعليم إذا بقي لدينا تعليم وإغاثة، ويبوح القطاع الخاص بمشاكله التي يعاني منها على الأرض ولا يجد إسعافاً: المعبر التجاري عبر معبر الكرامة مغلق، والخطاب الحكومي يتحدث عن منظومة قوانين وتشريعات تعين الاقتصاد والمال والمصارف والقطاع الخاص، وعند أول اختبار في أول حاجز احتلالي أو إجراء لسموترييش أو لعنة مستوطن علينا تظهر الصورة بجلاء.
والمجتمع المدني يدق ناقوس الخطر، ويقول إننا لم نأتِ للبلد جمع شمل بل نحن من البلد ولها، فيطرحون منبهات تتعلق بمعالجة قضايا مفصلية تؤثر سلبياً على المجتمع وتعمق الهشاشة.
بالمجمل، كل حياتنا بحاجه إلى تقوية واستنهاض ومجموعة قوانين ناظمة وتعزيز شراكة الشركاء.
الناس تريد أن تسمع عن اليوم التالي وتفكر به.
الجميع يريد الشباب حاضراً في صناعة القرار ومؤثراً به. هذا كلام لكن الخطوة الصحيحة تأهيلهم ودمجهم، وتهيئة البيئة الحاضنة لإبداعات الشباب، وتغييب خطاب الوصاية: نريد الشباب ولكنهم لا يريدون!!!!