تاريخ النشر: 25 كانون الأول 2025

رياح الحرب ضد إيران نابعة من اعتبارات إسرائيلية داخلية

بقلم: عوفر شيلح

مع كل الاحترام للتحليلات المتعمقة بشأن العدد الدقيق لمنصات الإطلاق المتنقلة والخلاطات الكوكبية (التي تُستخدم لإنتاج مواد صلبة) التي ما زالت في حيازة إيران، بعد الهجوم الإسرائيلي، يبدو أن رياح الحرب التي تهبّ في الإعلام الإسرائيلي نابعة من اعتباراتٍ داخلية أكثر من كونها نابعة من خطر واضح وفوري قادم من الشرق.
فالنظام الإيراني لم يتخلَّ عن طموحاته الإقليمية، ولا عن عدائه الشديد لوجود إسرائيل، لكن الوضع الراهن هو الأسوأ بالنسبة إليه، في حال كان يطمح إلى خوض حرب ضدنا، وبالضرورة أيضاً ضد الولايات المتحدة: فالاقتصاد الإيراني ينهار، والعملة تتدهور، وتكاليف المعيشة والبطالة في ارتفاع حاد، وهناك أزمة حقيقية في المياه. ومَن يسعى لزعزعته كان عليه العمل بهدوء على تعزيز المعارضة الداخلية داخل إيران نفسها، لا أن يقرع طبول الحرب التي تميل في العادة إلى توحيد الخصم في مواجهة التهديد الخارجي، على غرار ما حدث أيضاً خلال عملية "شعب كالأسد".
كذلك يبدو أن إسرائيل تراهن على الرئيس ترامب، الذي أوقف - حسبما يُذكر - بشكل فظّ وعلني، سرباً من سلاح الجو كان انطلق فعلياً في اليوم الثالث عشر من العملية؛ لأن استمرار القتال يتناقض مع إعلانه أن الإنجازات مذهلة، وأنه يمكن إعلان السلام في الشرق الأوسط، والافتراض هو أن رئيس الوزراء سيسافر إلى الولايات المتحدة، ويعرض على ترامب الأخطار المقبلة من إيران، وأن ردّ الرئيس الأميركي يمكن تفسيره بأنه منع لعمل عسكري إسرائيلي واسع.
هناك قوى نافذة داخل الإدارة الأميركية تعارض التورط في الشرق الأوسط، وشعبية ترامب في إسرائيل، إلى جانب انضمامه العلني إلى مسعى منح عفو قضائي لنتنياهو، حوّلت العلاقة الحساسة بين واشنطن والقدس إلى علاقة علنية، أحادية الجانب، ومصوغة بلغة أوامر.
أمّا الأمور المثيرة للاهتمام حقاً في النقاش بشأن الحرب، فتتعلق بقضايا داخلية إسرائيلية: ثقة الجمهور بالقيادة السياسية، وبالجيش، والعلاقات بين المستويات المتعددة للسلطة، والسؤال الأهم الذي يستحق نقاشاً مهنياً ومتزناً أكثر كثيراً: ما هي العقيدة الأمنية الإسرائيلية بعد السابع من تشرين الأول؟
لنبدأ بالعلاقة بين المستوى المهني - أي قادة الأجهزة الأمنية - وبين المستوى المنتخب والمعيّن، يوجد توتر بنيوي في هذه العلاقة يمكن أن يكون صحياً ومثمراً في ظروف أُخرى، لكن ما يحدث في هذه الأيام غير مسبوق، فرئيس الوزراء يكسر كل الأعراف والآليات في التعيينات التي تقع ضمن مسؤوليته، ويبعث رسالة علنية، مفادها أن المعيار الوحيد المهم بالنسبة إليه هو الولاء الشخصي، وبصمته يمنح الغطاء للتهجم على الجيش من أقرب دوائره، فوزير الدفاع منشغل، تقريباً فقط، باستفزاز المنظومة التي يتولى الإشراف عليها، فيؤخر تعيينات حيوية، ويهاجم شخصياً القيادة العسكرية العليا، وهناك وزراء وأعضاء كنيست وأبواق للسلطة حوّلوا، منذ زمن، الجيش وبقية أجهزة الأمن إلى أكياس ملاكمة.
من ناحية أُخرى، فإن الجيش الذي لديه، هو أيضاً، أبواقه الموالية في الإعلام، يردّ بتسريبات وإحاطات إعلامية خاصة به، وهو يعلم أنه حتى بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لا يزال يتمتع بهيبة وثقة أعلى كثيراً من أي سياسي - وأيضاً لأنه، بعكس القيادة المنتخَبة، أنهى بشكل فعلي عمليات التحقيق والتنظيف الداخلي على المستوى الشخصي.
تكمن مشكلة الجيش في أنه ليس لدى السياسيين ما يخسرونه فيما يتعلق بالهيبة والصدقية، بينما لدى الجيش كثير مما يخسره؛ فليس فقط أن التراشق بالوحل يوسّخ الجميع، والسياسي يُعتبر وسخاً أصلاً، بل إن مجرد النقاش بشأن هجوم على إيران، أو العودة إلى القتال في الشمال، يقوّض الإجماع على إنجازات المعركة في هاتين الساحتين (والتي كانت منذ البداية، في رأيي، حقيقية وقابلة للاستمرار في مواجهة "حزب الله"، أكثر كثيراً مما هي عليه في مواجهة إيران)، أيضاً هذا النقاش يزعزع ثقة الجمهور بتصريحات المستوى العسكري بأن أهداف الحرب تحققت، وأن سكان الشمال يمكنهم العودة إلى منازلهم بأمان، وأن الردع الإسرائيلي استعاد قوته، وأن الجيش استعاد القدرة على حمايتهم. هذا الأمر لا مفرّ منه، بعد أشهر قليلة فقط على تقديم ما وُصف بأنه نصر ساحق، عندما يظهر فجأة - ظاهرياً - أن هناك حاجة إلى العودة إلى القتال والخسائر والملاجئ.
والأهم أن هذا كله ما هو إلا سياسة الأمن الإسرائيلية بعد السابع من تشرين الأول والحرب على الجبهات السبع التي أعقبته. وهنا من الجدير توجيه النظر إلى غزة تحديداً، فالشعور المبرَّر بأنه لم يعد مسموحاً نشوء أي تهديدات من دون التصدي لها، والذي يترافق مع رفض أي مسار سياسي، من دونه، لا تكون العملية العسكرية سوى ضربة بهراوة لا تنتج إنجازاً طويل الأمد؛ هذا كله حوّل إسرائيل إلى أداةٍ كليلة، قادرة على القصف والتدمير، لكنها ليست شريكة حقيقية في صوغ ما يأتي بعد ذلك. لقد حصل كلٌّ من تركيا وقطر، وهما دولتان إشكاليتان جداً من المنظور الإسرائيلي، على مقعد على الطاولة في الرؤية الأميركية والعالمية، بينما يُنظر إلى إسرائيل على أنها طرف ربما يُحبط أي محاولة للتسوية.
إن غياب النقاش الحقيقي بشأن عقيدة الأمن المحدّثة، إلى جانب نقاش إعلامي يكاد يقتصر بالكامل على اقتباسات مباشرة من مصادر ذات مصلحة، أو على تفسيرات للأحداث، وفقاً للتموضع مع أحد جانبَي الاستقطاب السياسي - مع بيبي، أو ضد بيبي - يكرّس هذا الفارق المقلق؛ أمّا المواطن القَلِق، الذي لم يعُد يعرف بمن يثق، فلا يبقى له سوى شراء المياه المعبأة والانتظار إلى أن يعلن ترامب لنا ما الذي سيحدث.

عن "N12"