تاريخ النشر: 25 كانون الأول 2025


آراء
في معنى المقاومة!
الكاتب: عبد المنعم سعيد

اختلط الحابل بالنابل في معنى «المقاومة» منذ دخلت التنظيمات «الميليشياوية» و«الإسلاموية» إلى ساحة النضال الوطني والقومي في منطقتنا الفريدة من نوعها. «المقاومة» حق لكل الشعوب في القوانين الدولية المعتبرة في التحرر من قيد الاستعمار والاحتلال والحصول على حق تقرير المصير بكافة الوسائل بما فيها القوة المسلحة. هي في الجوهر «استراتيجية» للتحرير ولكنها لا تنطوى على نسف أبراج نيويورك في غرب العالم أو الاعتداء على المصيفين على شاطئ أستراليا في أقصى شرقه. الأولى ترتب عليها احتلال أفغانستان والعراق لسنوات؛ والثانية باتت صفة الإرهاب لصيقة بالإسلام والمسلمين يطاردون بها في العالم. إستراتيجية التحرير تبدأ دائماً بتحقيق الوحدة الوطنية والتماسك الشعبي حول هدف نبيل؛ ولكنها لا تبدأ بالقسمة بين أهل الوطن كما فعلت حماس عندما فصلت غزة عن الضفة الغربية، خارجةً بذلك على الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؛ ولا تقبل التواطؤ مع العدو من أجل بناء دولة بديلة كما كان الفعل في القطاع. هي استراتيجية محسوبة لا تورط الشعوب المراد تحريرها في مجزرة هائلة لم يحسب لها ملاجئ ولا طعام ولا شراب ولا دواء؛ ولا معرفة بما سوف يلي الضربة الأولى من خطوات. لم يكن لدى حماس أي معرفة بما سوف تفعله في اليوم التالي بعد غارتها الأولى والأخيرة على مدنيين في 7 أكتوبر 2023.
الفارق كبير ما بين الاستراتيجية التي تستخدم فيها الأدوات الدبلوماسية والإعلامية والعسكرية لتحقيق هدف التحرير ودفع العدو إلى مائدة التفاوض من أجل الجلاء الكامل أو التسوية السياسية. هي لا تبدأ بتعريض الشعب للتطهير العرقي عبر المعابر أو الدفع به للخروج من مطار للعدو عبر الحدود؛ وفي نفس الوقت تؤدي تحالفاتها إلى جر دول عربية للانهيار أو تعريضها لخيار صعب بين الاستحواذ على السلاح أو الحرب الأهلية. كان ذلك هو ما فعلته حماس عبر «وحدة الساحات» إلى تدمير اليمن وفي قلبها صنعاء؛ وباتت لبنان واقعة في خيارات صعبة بين «حزب الله» وبقاء الدولة اللبنانية بعيدة عن الحرب الأهلية والتدمير الشامل، كما حدث في غزة. العجب هو أن حركة التحرر الوطني الفلسطينية لم تحصل على فرصة للدولة إلا عندما وقعت على اتفاق أوسلو الذي كان تتويجاً للانتفاضة السلمية والنضال المسلح العادل والدبلوماسية الرشيدة؛ ومع ذلك فإن قرارات الحرب والسلام جرى اغتصابها من مشروع الدولة حتى قبل أن تقوم.
عبر أربع حروب، والحالية هي حرب غزة الخامسة، عرضت حماس الشعب الفلسطيني لنكبات إضافية كان فيها الإجرام الإسرائيلي مندفعًا بكل قوة العنصرية لتدمير غزة وقتل سبعين ألفاً أغلبهم من النساء والأطفال. ومع ذلك، وفى عجب آخر، بات بقاء حماس هو عنوان نصر قائم على البكاء. التواطؤ بين حماس وإسرائيل حول المشهد المروع دفع إلى دفع العالم للتعاطف مع الفلسطينيين، ولكن التعاطف واعتراف 157 دولة بالدولة الفلسطينية لم يكن تصريحًا لحماس بإجهاض فرصة إضافية للشعب الفلسطيني.