
بقلم: يوآف زيتون
انتقدت أوساط في الجيش الإسرائيلي القوة التي قصفت بها، يوم الجمعة الماضي، مدرسة في حي الدرج، بعد أن تبين في التحقيق الأولي انه لم يصدر لذلك الإذن اللازم من قائد المنطقة أو رئيس الأركان. بالمقابل، ادعت القوة بأنها شخصت مواقع رصد مشبوهة من المجال القريب من الحدود مع إسرائيل شمال القطاع. نتيجة للهجوم احترق المبنى ومعه بعض سكانه وهم على قيد الحياة. لم تنقضِ بضع ساعات على الحدث حتى انتشرت في الولايات المتحدة صورة مصنّعة عبر الذكاء الاصطناعي عن إدارة ترامب تقارن التدمير الدامي لغزة بمشهد مستقبلي مع أبراج فاخرة، مطار جديد، وفنادق.
الفجوة الهائلة بين التطلعات الطموحة للإدارة الأميركية لمستقبل غزة تصطدم كل يوم بالواقع المتفجر على الأرض والآخذ في التجمد، وأساسا مع لامبالاة باردة من جانب "حماس" ونتنياهو للتقدم إلى المرحلة الثانية، التي ستلزم الطرفين بتنازلات. ستكون إسرائيل ملزمة بمنح سلسلة تسهيلات لمليوني غزي، مثل إدخال مواد ذات استخدام متعدد، بينها الباطون، الإسمنت، والحديد لغرض إعمار حقيقي للقطاع، وفتح معبر رفح في الاتجاهين، وانسحاب إضافي للجيش الإسرائيلي إلى مقربة من السياج الحدودي. "حماس" من جهتها ستكون مطالبة بأن تتنازل عن الحكم في القطاع، لأول مرة منذ استولت عليه بالقوة في العام 2007، ولكن فوق كل شيء ستكون مطالبة بأن تتنازل عن السلاح الكثير الموجود لديها، وأساسا عن الذخر المركزي – قواعد "إرهاب" كبيرة ومتفرعة تحت الأرض، على مدى كيلومترات عديدة لم يكتشفها الجيش الإسرائيلي بعد. بعضها لا يزال موجودا في جانب الجيش الإسرائيلي من الخط الأصفر، رغم التقارير العسكرية المتفائلة، ولكن لم يجدها ولم يدمرها جميعها.
النار فقط عند الخطر الفوري
في هذه الأثناء على الأرض فإن مقاتلي الاحتياط، الذين يتوزعون على الخط الأصفر، يبلغون عن واقع تجريدي: فهم يلاحظون كل يوم نشطاء "حماس" مسلحين في عمق المنطقة، لكن لا يسمح لهم بإطلاق النار عليهم. "نسمع في الأخبار فقط عن القلائل الذين يجتازون الخط الأصفر، وهناك أيضا توجد غير قليل من القيود رغم أنهم يحاولون خلق صورة نار حرة تجاه المشبوهين: القوات على الأرض، مثل المشاة ورجال المدرعات، لا يسمح لهم بإطلاق النار إلا إذا كان هناك خطر فوري وتسلل متواصل بعد أن نكون أطلقنا النار للتحذير، وإذا كان هناك نار فتاكة نحو المجتازين فإنها تنفذ أساسا من سلاح الجو، لضمان الدقة"، هكذا يصف احد الضباط.
عن الحالة في الدرج والتفاح في الأسبوع الماضي مثل النار التي أثارت عاصفة قبل عدة اشهر على المستشفى في خان يونس، تقول مصادر في الجيش الإسرائيلي، إن هذا ثمن الجمود المتواصل في الوضع، الذي يغطي سلوك القوات، ويقيدها في ارض العدو: "تصل هذه الأحداث حتى واشنطن والدوحة مع توثيقات قاسية حتى ترامب يندد بها بنفسه أحيانا، وهي تقلص ما تبقى لنا من شرعية قبيل المرحلة الثانية والمصاعب التي بانتظارنا". وحسب تلك المصادر فإنه لا ينبغي أن تعزى لصمت "حماس" النسبي عن التصفية البارزة قبل تسعة أيام للرقم 2 في المنظمة، رائد سعد، مؤشرات إيجابية: "لن يقع أحد عن كرسيه إذا ما ثأروا بل سينتظرون فقط بصبر ضعفا عملياتيا محليا عندنا كي يقنصوا أو يفجروا ساحة محاذية لقوة من الجيش الإسرائيلي. في "حماس" يعرفون أيضا أننا جاهزون للرد بقوة على ردهم، ولهذا فهم يكبحون جماح أنفسهم حاليا".
مماطلة
مصادر مطلعة على محادثات التخطيط للطواقم الأجنبية في القيادة الأميركية في "كريات غات" تصف إحساس المماطلة من جانب إسرائيل و"حماس". ضباط الجيش الإسرائيلي شركاء كاملون في التخطيطات التي تتبلور في القيادة، من إخلاء أكوام انقاض المباني وحتى الخطط الهيكلية الكاملة لإقامة أحياء فلسطينية جديدة، بداية في الجانب الإسرائيلي من الخط الأصفر. هكذا مثلا بدأت مداولات ليس فقط على الشركات التي ستعمل، على ما يبدو على حساب دافع الضرائب الإسرائيلي، على إخلاء كميات القمامة الهائلة من القطاع، بل أيضا على إخلاء القنابل الكثيرة التي خلفها الجيش الإسرائيلي في المنطقة الواسعة، على ما يبدو من قبل شركة أميركية مختصة بذلك.
بالتوازي، لا تبدي "حماس" بوادر خطة لنزع سلاحها، حتى ولو رمزيا أمام عيون الكاميرات. بل إن المنظمة تعرقل جولة استئناف التفتيشات عن الضحية المخطوف الأخير، ران غوئيلي، والذي كان يفترض أن تتم هذه الأيام مع صفو حالة الجو. حقيقة أن الغالبية الساحقة من المخطوفين، وأساسا الأحياء منهم، باتوا في الديار، خففت الضغط الشديد على الطرفين للتنازل والتقدم إلى مستقبل غزي بلا "حماس".
تلاحظ محافل استخبارات في إسرائيل أن مسؤولي منظمة "الإرهاب" يتصرفون كمطلوبين، ويديرون "حماس" من الأنفاق، بينما المستويات الصغرى تعمل فوق الأرض، ولكن تحت غطاء مدني وفي مهام داخلية اكثر. في كل أسبوع، يضاف المزيد فالمزيد من حواجز "حماس" في أرجاء المناطق الواسعة الواقعة تحت سيطرة "حماس"، من جباليا وحتى أجزاء من رفح، وتجري شرطة "حماس" الدوريات على أساس يومي لإظهار الحوكمة، بل إن أقساما في البلديات في القطاع تعود للعمل، رغم الأضرار الهائلة للبنى التحتية التي خلفتها الحرب.
"(حماس) تحكم بالفعل"
كما أن "حماس" بدأت تضخ أموالاً كثيرة بعشرات بل بمئات آلاف الشواكل كل يوم لصندوق المالية المنتعش لديها بسبب المساعدات الإنسانية المتزايدة التي تسمح إسرائيل بإدخالها إلى القطاع كل يوم – بحجم 4.200 شاحنة في الأسبوع بين 600 – 800 في كل يوم، بعضها من القطاع الخاص. يدور الحديث عن بضائع وأغذية تستغل "حماس" التجارة الخاصة بها كي تفرض الضريبة عليها، وهكذا تجبي المال من الجمهور. "هذه فترة جيدة لـ(حماس) التي لا تسارع إلى أي مكان. هي تستثمر في السكان، وتفعّل مديري أقسام في البلديات لصالح إخلاء القمامة والأنقاض، وتقديم الخدمات للمواطن، وان كان بالحد الأدنى. أما السكان من جانبهم فمشغولون بأنفسهم وبمصاعب الشتاء. صعب على "حماس" التعاظم عسكرياً، وهي لن تعود أبدا إلى القوة التي كانت لها في 7 تشرين الأول، لكن الآن أيضا تحاول أن تهرب السلاح، ولا تتنازل عن كونها منظمة "إرهاب". كل محافل الحكم المدنية، الوزارات الحكومية، الموظفين، المعلمين، الأطباء، عاملي البلديات، كلهم "حماس" في غزة، ولا يوجد واقع معروف آخر، على حد وصف محافل الأمن، "حماس" يمكنها أن تتنازل عن لجنة سلطوية "تكنوقراطية" تأخذ من يديها بالتدريج الحكم المدني على غزة وتعمل تحت قيادة مجلس السلام الدولي. لكن من الواضح منذ الآن أن أعضاء هذه اللجنة سيكونون من "حماس" ومن السلطة الفلسطينية، أو ممن يتماثلون مع كليهما، وبالتالي لم يعد يهم كيف تسوق هذه الفكرة. لن يسقط أحد عن كرسيه إذا كانت لجان الحكم هذه ومجلس السلام مسرحيات لإرضاء ترامب فيما ستواصل بالفعل محافل "حماس" الحكم في القطاع بالفعل.
في الجيش، يشخصون كم هي السيطرة المطلقة لـ"حماس" على السكان في قطاع غزة على مدى عقد ونصف العقد تنفعها الآن. فهؤلاء ليس فقط لا يتمردون عليها، رغم الخراب الذي وقع عليهم بسبب اجتياح "حماس" لإسرائيل، بل حتى عن 300 ألف خيمة أدخلتها إسرائيل للنازحين في القطاع، بسبب الشتاء، وسيطر نشطاء "حماس" عليها ويوزعونها على المواطنين. في "حماس" أيضا بدؤوا يقيمون روضات ومدارس عشوائية ويسمحون بمناسبات عائلية كالأعراس في ظل وقف النار مع إسرائيل. "لا ينقص الماء في غزة وبالتأكيد لا ينقص الغذاء، كما يوجد ما يكفي من الوقود والكهرباء التي تضخ بعد أن أصلحت الخطوط في الأسابيع الأخيرة"، كما يصفون في جهاز الأمن. "من الواضح منذ الآن انه إذا ما كانت هناك قوة استقرار أجنبية، فإنها لن تعمل إلا من الجانب الإسرائيلي من الخط الأصفر، ولن تدخل للصدام مع (حماس)".
بالنسبة للحدث في الدرج عقب الناطق العسكري الإسرائيلي: "أثناء نشاط عملياتي لقوات الجيش الإسرائيلي لترسيم الخط الأصفر لوحظ عدد من المشبوهين. شعرت القوات بتهديد، وبعد تنفيذ نار للإبعاد، نفذت نار بهدف إزالة التهديد. الحدث قيد التحقيق ودروسه ستستخلص. يأسف الجيش لكل إصابة لغير المشاركين، ويعمل قدر الإمكان على تقليص إصابتهم".
عن "يديعوت"