
كتبت بديعة زيدان:
تُوّج كتاب "بوابة القدس الخفية" للكاتبة والشاعرة الفلسطينية ابتسام بركات، الصادر عن دار السلوى في العاصمة الأردنية عمّان، مؤخراً، بالجائزة العالمية لأدب الطفل العربي 2025، عن فئة "الكتاب المصور"، وهي جائزة سنوية يشرف عليها المجلس الإماراتي لكتب اليافعين وترعاها شركة "إي آند" (المعروفة سابقاً بمجموعة اتصالات)، وتُعد من أرفع الجوائز المخصصة لأدب الأطفال واليافعين في المنطقة العربية.
والكتاب عبارة عن قصة مصورة للأطفال واليافعين، تدور حول أطفال فلسطينيين (كريم، وأمجد، ونورا) يتأملون لوحة الفنان الفلسطيني الشهير سليمان منصور المعروفة بـ"جمل المحامل"، بحيث تدبّ الحياة في اللوحة، ويُدّلي العجوز حبلاً للأطفال ليدخلوا إلى مدينة القدس عبر "بوابة خفيّة".
وتُعالج القصة واقع حرمان معظم أطفال فلسطين من زيارة القدس بسبب الحواجز والاحتلال، وتمنحهم زيارة خيالية "افتراضية" عبر الفن والخيال، ليتجولوا في أسواقها ويشموا روائحها ويحملوا ذكرياتها في قلوبهم، ما يجعل "الحِمل" أخف على العجوز في اللوحة.
وقالت الأكاديمية والناقدة العُمانية د. وفاء الشامسي، عضوة لجنة التحكيم: حين يقوّم كتابٌ مُصوّر بجائزة كبرى في أدب الطفل، فذلك يعني أنه تجاوز الشكل إلى الجوهر، والرسوم إلى الرؤية.. "بوابة القدس الخفية" عملٌ يشهد على هذا التجاوز، إذ يقدّم تجربة فنيّة متكاملة، تتداخل فيها الكلمة بالصورة، والفن بالوجدان، والخيال بالذاكرة، لتصوغ لوحة أدبية بصرية تليق بمقام القدس، ومكانتها في القلب الإنساني.
والفنانة شارلوت شاما، وهي فنانة ورسامة كتب أطفال فرنسية الجنسية، تمتلك ارتباطاً وثيقاً بفلسطين والثقافة العربية، هي من أنجزت رسومات الكتاب، ونجحت في "بوابة القدس الخفية" بالعمل في تحويل معالم القدس الحجرية إلى مشهد حي ودافئ يتفاعل معه الأطفال، ما جعل "القدس" تبدو كشخصية في القصة وليست مجرد مكان، فالرسومات لم تكن مجرد تزيين للنص، بل كانت جزءاً أساسياً من السرد، حيث ساعدت في توضيح كيف تحولت لوحة "جمل المحامل" إلى بوابة حيّة يعبر منها الأطفال.
وكان ذات الكتاب فاز بجائزة "وايت ريفن" العالمية، وهي واحدة من أرقى "قوائم التوصية" العالمية في مجال أدب الطفل واليافعين، فهي قائمة سنوية مختارة (كتالوج) تصدرها مكتبة الشباب الدولية، ومقرها في ميونيخ بألمانيا، وتضم في كل عام حوالى 200 كتاب، يتم اختيارها بعناية فائقة من بين آلاف الكتب التي تصل للمكتبة من جميع أنحاء العالم (أكثر من 50 دولة وأكثر من 30 لغة)، وباعتبار الكتاب من ضمن "وايت ريفن" هو بمثابة شهادة جودة عالمية.
وكشف بركات في حديثها مع "الأيام": قبل أن أرسل الكتاب للنشر قمت بزيارة الفنان سليمان منصور في الاستوديو الخاص به بمنطقة الإرسال في رام الله، ذلك حين كنت في زيارة من أميركا إلى فلسطين، وتحدثنا طويلاً، وأخبرته عن القصة التي أنوي نشرها، وأحب الفكرة، ثم أرسلت له بالنص وتناقشنا فيه، خاصة أنه لرأيه ورؤيته أهمية كبيرة، علاوة على كونه فناناً كبيراً ملهماً، ولأنّي رغبت ألا أوظف لوحة "جمل المحامل" بطريقة لا يحبها مبدعها الأصلي.. واصلنا الحديث والنقاش هاتفياً وكتابياً حتى تم نشر الكتاب وفوزه بالجائزة.. الفنان القدير سليمان منصور أحب الكتاب وعبّر لي عن ذلك.
وعن الجائزة والجوائز عامة، قالت: حين أكتب لا أفكر في الجوائز، فالكتابة بالنسبة لي مقاومة للجراح وسعي إلى تحويل القبح إلى جمال، هي محاولة كي يتكلم الفن بلغة الروح، لكنها تشبّه الجوائز بفعل "الطبطبة" على المبدع، باعتبارها لمسة تقدير تُعيد إليه الإيمان وسط زمن قاسٍ. وتضيف بابتسامتها المضيئة، مضيفة: نحن الفلسطينيين لا نتوقع الفوز، بل الجراح، لكننا نعيد إعمار أنفسنا بالأمل.. حين أعلنوا فوزي بالجائزة لبست ثوبي الفلسطيني وزغردت، أردت أن أحتفل بالنور كما أحتفل بالفرح.
ولفتت بركات إلى أن "الكتاب المصور يمزج بين اللغة والصورة"، وأن "الصورة هي الطريقة الأساسية التي يواجه بها الإنسان المعلومات ويفهم المعلومات، فالصورة تأتي قبل اللغة حقيقةً، حيث إن الطفل يتعلم عن الحياة عبر الصورة قبل أن يتعلم الأبجديات واللغات، فعندما نمزج الصورة مع اللغة، فإننا ننقل عالم الطفل المبكر، الذي يقوم على الصورة، إلى العالم الجديد، أو العالم المجرد أو الرمزي، أي أننا نخلق جسراً للطفل بين ما هو طبيعي لديه، وهو القدرة على التصور والخيال، وبين قدرته على التعبير عن نفسه من خلال اللغة".
وختمت حديثها مع "الأيام"، بالقول: لأني أُحبُّ فنون اللغة وأحب جميع الفنون وهي أيضاً تحبني، فقد نادت عليّ بصوت عالٍ أن ألعب معها منذ طفولتي، وبالفعل صرنا أصدقاء حياة.. الفنون هي طرق تعبير الإنسان عن حريته وعن نفسه، وهي طرق غير معبدة لأن لا علاقة لها بالعبودية.. لا شيء آخر غير الفن يتحرر عبره الإنسان.. اللغة فن، والحركة فن، والرياضة فن، والعلاقات فن، والزراعة فن.. كل شيء يحررنا فن، وكل شيء يستعبدنا فَناء، لا تهملوا الفن ولا تحصروه في الرقص والرسم والنحت، فحتى حين يتنفس الإنسان بفنيّة ما، فإنه يغني للسلام والسعادة للجميع.