تاريخ النشر: 23 تشرين الثاني 2025


آراء
فـي الـبـحــث الـيــائــس عــن بــديــل للــمـنـظـمــة
الكاتب: عامر بدران

لم يكن مفاجئاً ما قاله عريب الرنتاوي في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، كما لم تكن مفاجئة دعوته، هو وغيره من المشاركين في المؤتمر، لتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية، بل والعمل على استبدالها لصالح جسم جديد يمثل الفلسطينيين داخلياً وخارجياً. فهذه الدعوة، وإن لم تُنطق فيما مضى بالصراحة التي قالها بها، إلا أن الكثير من التيارات والفصائل الفلسطينية كرّست نفسها عبر سنوات طويلة لمزاحمة المنظمة على تمثيل الفلسطينيين، ومحاولة إضعافها بشتى الطرق والأساليب.

لكن المفاجئ حقاً هو سكوت المجتمعين، وعدم اعتراضهم، بل وتصفيقهم على جزء من الخلاصات التي توصّل إليها المتحدث، كما قال في مستهل كلمته، وبالتالي بنى على أساسها دعوته هذه، والتي لخصها، أي الخلاصات، بأن لا دولة فلسطينية ستقوم عبر المفاوضات، وبأن لا حوار ولا مصالحة ولا وحدة وطنية «بوجود عباس وخليفته» كما قال، وبأن الإسلام السياسي الفلسطيني له اليد العليا، وهو الجدير بتمثيل الفلسطينيين.
سنمشي هنا خطوة بخطوة مع خلاصات المتحدث، وصمت جمهوره المستمع والمؤيد، ونحاول تفنيد هذه الخلاصات والطريقة التي تم طرحها بها، علّنا نصل إلى الغاية النهائية التي يراد لنا فهمها، أو على الأقل معرفة الخطوط العامة لسياسة «ممثلنا الجديد» الذي يتم طرحه علينا جزافاً، أو بطريقة المفاضلة المتّبعة في سوق الملابس، بمعنى إن لم يعجبك هذا اللون فلدينا هذا الذي لا بد أن يعجبك.
الخلاصة الأولى، تم طرحها بجملة واحدة ودون أي تعليق أو شرح أو إضافات؛ لا دولة ستتحقق عبر المفاوضات ونقطة. لم يكلف المتحدث خاطره بأن يقول لنا ما هو البديل، أو هو لم يجرؤ ربما لاعتبارات كثيرة، منها أن لا بديل واضحا في رأسه، أو أن البديل تم تجريبه على مدار عامين ورأينا نتائجه على الأرض، أو أن البديل هو عدم المطالبة بالدولة من أساسه.
لا أحد من الحضور سأل عن كيفية الوصول إلى الدولة، أو ما هي الطريقة التي علينا اتباعها كشعب، وليس فقط كمتحدث ومستمعين، لنحقق هدفنا هذا، إن كان هدفنا هو ذاته هدف المؤتمر وهدف المشاركين فيه. من المتفق عليه، أو هكذا أعتقد أنا وغيري من الفلسطينيين، أن نضال الشعب الفلسطيني غايته الوصول إلى دولة فلسطينية، وحتى لو اتفقنا جميعاً على رفض آلية معينة للوصول إلى هذه الدولة، وهذا حق مكفول لأي طرف، فعلينا الاتفاق على الآلية البديلة، هذا هو المنطق البسيط كما أراه ويراه غيري.
لكن المتحدث يرفض آلية معينة ولا يضع لنا بديله الذي يراه مناسباً، أو عملياً، أو مؤكداً، أو قابلاً للدراسة والتفكير. وإذا تجاوزنا التخصيص الذي يسوقه هو وكل من يعادون منظمة التحرير الفلسطينية، ومحاولة حصر نضالها وتاريخها بالمفاوضات وفقط بالمفاوضات، وذلك لتسهيل شيطنتها بالمقارنة مع عدو لا يتقن إلا لغة القتل، فهل علينا استنتاج أن رفض المفاوضات يقود حكماً وبالضرورة إلى القتال؟ ربما. لكن إن كان كذلك فلماذا لا تتم المجاهرة بهذا الخيار وطرحه للنقاش العام، خصوصاً أنه أداة من يريدون تمثيلنا، وليس مجرد فكرة توصلت إليها حلقة نقاش وعصف ذهني، ويقوم أصحابها بإرسالها إلى عناية المسؤولين التنفيذيين.
لا نريد هنا طرح الأسئلة حول المفاوضات الجارية حالياً، والتي ستجري وستستمر، دون أن يعارضها المؤتمر ودون أن يشرح لنا منجزاتها، ولا آلياتها ومطالبها، ولا أهدافها النهائية، لأن ذلك سيقودنا حكماً إلى أن مشكلة المتحدث ليست في المفاوضات بحد ذاتها، بل فيمن يقومون بها، ولا نقول بأهدافها.
أما لماذا أصرُّ، كفرد من هذا الشعب، على حقي في سماع البديل؟ فلأن الخلاصة الثانية تم الإسهاب فيها وحولها، وإشباعها بالأمثلة من تايوان إلى فنزويلا، وكان المتحدث يستطيع أن يسهب في الأولى، والتي هي برأيي أهم بكثير، خصوصاً أنها تتعلق بالهدف النهائي لنضالنا، سواء أكان هذا النضال بوحدة وطنية أم بغيرها كما يقترح المتحدث.
فيما يخص الخلاصة الثانية التي تم شرحها باستفاضة، فإن الأمثلة التوضيحية التي تمت الاستعانة بها لا تقول شيئاً مختلفاً عن الدعوة إلى الحرب الأهلية، أو على الأقل إلى صرف النظر عن العدو الخارجي وهو الاحتلال، والانشغال بتنقية الساحة من كل من يحمل توجهاً مختلفاً، بعد تصنيفه صراحة كعميل أو متعاون، أو كما قيل بالحرف «المتماهي مع مخرجات المشروع الأميركي الإسرائيلي»، أو فيتنام نصهم كانوا عملاء «مثل خلّان عيني» بإشارة إلى السلطة والمنظمة.
في الخلاصة الثالثة والمتعلقة بخلق قطب فلسطيني يزاحم على الشرعية والتمثيل، كان المتحدث واضحاً بأن «حماس» وحدها غير قادرة، ولا مسموح لها أن تقوم بهذا الدور، وكنا نتمنى من حضرته أن يشرح لنا لماذا هي غير قادرة أو غير مسموح لها، ومن هو الذي يقرر عدم السماح في شأن من المفترض أن يكون فلسطينياً خالصاً، أو هكذا يحاول أصحاب البرامج النقيضة لبرنامج المنظمة أن يصوروه لنا.
هل ينتظر أصحاب هذا البرنامج من إسرائيل مثلاً أن تسمح لهذا الطرف أو ذاك، أم من أميركا، أم من المجتمع الدولي والإقليم؟ من هو المخوّل بالسماح لنا أن نختار ممثلنا الجديد، وهل يتعلق ذلك ببرنامج هذا الممثل، أم بأسلوبه، أم بالقدرة على تطويعه ليتوافق مع متطلبات الشرعية الدولية، أم متطلبات الحل الأميركي؟
لقد فرضت المنظمة رؤيتها لحل الصراع. فرضتها على القريب والبعيد، وعلى الصديق والعدو عبر سنوات من التجربة والخطأ، وعبر عقود من العمل السياسي الذي يحاول الموازنة بين المطالب وبين اعتبارات الشرعية الدولية. وأقول فرضت لأن العالم هو مَن كان يأتي تباعاً للاعتراف بها.
وهنا من واجب المتحدث أن يجيبنا عن السؤال الذي يطرحه كل عاقل: هل علينا أن نعيد الكرّة من جديد ونبدأ من الصفر لنصل إلى ما وصلنا إليه، اليوم؟ إن كان الجواب نعم فهذه قمة العبث بمصير القضية وأصحابها، أما إن كان لا، فعليه أن يشرح لنا رؤيته ورؤية مؤتمره، والنتائج المتوقعة لهذه الرؤية وكيفية الوصول إليها، والضمانات التي يعتقدها موجودة ومناسبة. غير ذلك فلا يمكن أخذ الكلام على محمل الجد، إلا من باب الهجوم القديم الجديد على الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.