
كتب محمد الجمل:
يُواصل الاحتلال خرق اتفاق التهدئة الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية قطرية أميركية، وبمشاركة عدة دول في المنطقة، عبر شن غارات عنيفة على القطاع، توقع عشرات الشهداء والجرحى، في حين يرفض الاحتلال الدخول في المراحل الأخرى من الاتفاق، وما زال يُصر على استمرار اغلاق معبر رفح.
"الأيام"، رصدت مشاهد جديدة من القطاع، في ظل استمرار خروقات الاحتلال للاتفاق، من بينها مشهد يرصد تحول الأطفال لأبرز ضحايا التصعيد الاسرائيلي المتواصل، ومشهد آخر بعنوان "رفح المعزولة ذريعة للتصعيد"، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "التهدئة تترنح".
الأطفال ضحايا التصعيد المتفرق
على الرغم من التهدئة الحالية، إلا أن الأطفال في القطاع، لم يحظون بالأمان قط، ولم تتوقف عمليات قتلهم، فما زالوا يدفعون الفاتورة الأعلى لعدوان الاحتلال المستمر.
وخلال جولتي التصعيد خلال الأسبوعين الماضي والجاري، استشهد أكثر من 60 طفلاً، بينهم أشقاء، وأغلبهم قضوا وهم نائمون في خيامهم ومنازلهم في ساعات متأخرة من الليل.
وغصت ثلاجات حفظ الموتى، وأقسام الاستقبال في مشافي القطاع بالضحايا، معظمهم من الأطفال، حيث شوهد أطفال منهم رضع، وضعوا في أكفان صغيرة، وآخرون كانوا على أسرة العلاج في المستشفيات.
وأكد أطباء في مشافي القطاع، أن عائلات كاملة وصلت المشافي ما بين شهيد وجرح، والأطفال كانوا يصلون بملابس النوم، أجسادهم ممزقة، ويعانون جروحاً خطيرة.
وأوضح الأطباء أن الاحتلال استخدم في قصف الخيام والمنازل صواريخ وقنابل كبيرة، أدت إلى تفتت وتمزق أجساد الضحايا، وأغلب المصابين ممن وصلوا كانوا يعانون إصابات حرجة للغاية.
وقال المواطن خالد حماد، إنه ساعد في انتشال ضحايا جراء قصف خيمة في مواصي خان يونس فجر أول من أمس، وغالبية الضحايا كانوا أطفال، أحرقتهم الصواريخ ومزقتهم وهم نائمون.
وأكد أن القصف قد يكون قتل وجرح عشرات الأطفال، لكنه في نفس الوقت نشر الخوف والهلع في قلوب عشرات الآلاف منهم، وجعلهم يفقدون الشعور بالأمان، ويعتقدون أن الحرب ما زالت مستمرة، موضحاً أن الأثر النفسي لتلك الغارات ربما يكون أصعب وأشد من أي شيء آخر.
وأكد حماد أن ما يحدث جرائم مستمرة لم تتوقف، ومصطلح التهدئة مجرد أكذوبة اخترعها الاحتلال لتبرير العدوان بطريقة وشكل آخر، موضحاً أن الاحتلال قتل خلال موجة التصعيد الأخيرة عائلات كاملة، عبر قصف منازلهم وخيامهم.
ووفق وزارة الصحة في القطاع فإنه من أصل 104 شهداء سقطوا أول من أمس، هناك 46 طفلًا و20 امرأة، إضافة إلى 253 إصابة، بينهم 78 طفلًا و84 امرأة.
وأشارت الوزارة إلى أنه منذ وقف إطلاق النار في 11 تشرين الأول الجاري، بلغ إجمالي عدد الشهداء 211 شهيدًا، والإصابات 597 إصابة، إضافة إلى انتشال 482 جثمانًا من تحت الأنقاض.
رفح المعزولة ذريعة للتصعيد
للمرة الثانية خلال أقل من أسبوعين، يدعي الاحتلال تعرض قواته العاملة في مدينة رفح، لهجمات من المقاومة، ما يشكل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق، ما يستوجب رداً، وفق زعمه، وبعدها تشن الطائرات موجة من الغارات الجوية العنيفة، تسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى.
لكن مزاعم الاحتلال بشأن تعرض الجيش في رفح لهجمات، بقيت موضع شك كبير حول مصداقيتها، خاصة وأنه لا يوجد شهود، أو أية مصادر مستقلة ممكن أن تؤكد أو تنفي رواية الاحتلال.
ووفق مواطنين ومراقبين فإن الاحتلال يستغل خصوصية رفح، كونها مُحتلة، ومعزولة، ويفبرك أخباراً عن تعرض قواته لهجمات، وقد تكون هذه الأخبار غير صحيحة، ومجرد أحداث مُفبركة، تهدف إلى خلق مبرر للقصف والغارات.
وقال المواطن ابراهيم جراد، إن ما يحدث في رفح لا يخرج عن واحد من سيناريوهين، الأول أن الاحتلال يكذب، ويختلق أحداثاً وهمية لبرير قصف وغارات، بعد تجهيز بنك أهداف على مدار فترة، وهو ما يبرر النشاط الاستخباراتي من المُسيرات، وعمليات التصنت وغيرها، فكلما جهز لدى الاحتلال بنك أهداف، اختلق ذريعة لقصفه، وهذا السيناريو هو الأقرب للصواب وفق تقدير جراد.
أما السيناريو الثاني بحسب جراد، ويتمثل في وجود مجموعات من المقاومين في رفح، ربما تهاجم الجيش الإسرائيلي، وفي هذه الحالة المقاومة والفصائل لا تتحمل المسؤولية، لأنه ربما تكون هذه المجموعات معزولة، ولا يتم التواصل معها، والاحتلال هو من يتحمل المسؤولية الأكبر، فهو المُسيطر على رفح، وتنتشر قواته والمليشيات المتعاونة معه في المدينة، وتُحلق مُسيراته فوقها على الدوام، وهي مدينة مُحتلة، ومعزولة، ومبانيها مُدمرة، وإن صح صدق الهجمات، فهي دليل على فشل الاحتلال في حماية جنوده في مدينة خضعت لسيطرته الكاملة منذ أشهر طويلة.
وشدد جراد على وجوب التشكيك دائماً في رواية الاحتلال بشأن رفح، فهي روايات من مصدر واحد، لا يوجد أي دليل على صدقها، لذلك على الوسطاء التحرك، ووقف هذه المهزلة، وتطبيق وقف إطلاق النار بصورة أكثر دقة، وإجبار الاحتلال عن وقف خروقاته اليومية، والعمل على حماية المدنيين، لا سيما أن غالبية ضحايا الغارات الأخيرة هم من النساء والأطفال.
التهدئة تترنح
يعتقد غالبية المواطنين أن اتفاق التهدئة الهش الذي تم اختراقه أكثر من مرة من قبل الاحتلال، قد يُمهد العودة للعدوان والتصعيد الشامل، خاصة مع زيادة وتيرة التهديدات الإسرائيلية، وتلويح الاحتلال بالسيطرة على مزيد من الأراضي في القطاع.
ويرى غالبية المواطنين، أن الاحتلال يسعى لتقويض الاتفاق بشكل تدريجي، متذرعاً بعدم عودة جثامين الاسرى الإسرائيليين، معتبرين أن هذه الذرائع ما هي إلا محاولة للانقلاب على الاتفاق، كما حدث مع اتفاق كانون الثاني الماضي.
ويقول المواطن عبد الرحمن عطا الله، إن كل ما يحدث يشير إلى أن الأمور تسير نحو خرق الاتفاق وتجدد العدوان، فالاحتلال لم ينفذ شيئاً تقريباً من بنود الاتفاق، فلا المعابر فتحت كما هو مقرر، ولا الانسحاب حدث كما نص عليه الاتفاق، ولم تبدأ المرحلة الثانية بعد، وفوق كل ذلك هناك خروقات يومية للاتفاق، ينتج عنها ضحايا من المدنيين.
وأكد أنه سمع مؤخراً نغمة جديدة من التصعيد الإسرائيلي تتمثل في تهديدات بفرض عقوبات على غزة، متسائلاً عن موقف الوسطاء من ضامني الاتفاق، ولماذا يُسمح لإسرائيل بخرقه بشكل يومي، دون أن يتم إلزامها بالبنود.
وأوضح أن حاله كحال سكان القطاع، لم يفرح للتهدئة يوماً، ولم يشعر بانتهاء الحرب، وما زال يراوده شعور بإمكانية تجدد العدوان في أية لحظة، ويشعر أن الاتفاق لم يكن سوى خديعة من إسرائيل وأميركا، لاسترداد الأسرى الإسرائيليين، ثم تجدد الحرب.
بينما أكد المواطن ياسر جمعة، أن الوضع في القطاع بات متوتراً ويشبه إلى حد كبير فترة ما قبل التهدئة، مع فارق بسيط بتراجع القصف في المناطق المأهولة في بعض الأيام.
وأشار إلى أنه لا يوجد أي ضامن أو شيء يمكن أن يمنع إسرائيل من شن غارات جديدة على الخيام أو الأسواق، كما حدث مرتين مؤخراً، فهو يعتقد أن إسرائيل حصلت على كل ما تريد من الاتفاق، وهو أسراها، لذلك قد تنقلب عليه في أي وقت.
ولفت إلى أنه دون انسحاب واضح للاحتلال من قلب القطاع، وفتح المعابر بشكل كامل، وإعادة تأهيل الخدمات، لا يمكن أن يثق بأن ثمة اتفاقاً، متسائلاً أي تهدئة تلك والدبابات تتوقف على بعد مئات الأمتار من تجمعات المواطنين، والطائرات تُحلق فوق رؤوسهم طوال اليوم.