
كتب محمد الجمل:
يعيش المواطنون في قطاع غزة أجواء من الترقب والقلق، مع استمرار الخروق والاعتداءات الإسرائيلية، بينما ما زالت المعاناة تتواصل في مخيمات النازحين، والأمراض تتفشى.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من داخل قطاع غزة، منها مشهد بعنوان "14 ساعة دامية"، ومشهد آخر يكشف استمرار تفشي مرض الكبد الوبائي في القطاع، ومشهد ثالث تحت عنوان "الطيور المهاجرة تحلّق بعيداً عن غزة".
14ساعة دامية
عاش المواطنون في قطاع غزة أسوأ الليالي وأكثرها دموية، منذ تطبيق اتفاق التهدئة في العاشر من تشرين الأول الجاري.
وطوال 14 ساعة امتدت من الليلة قبل الماضية وحتى صباح أمس، شنت طائرات الاحتلال عشرات الغارات الجوية، معظمها استهدف منازل، وخياماً مأهولة، ما تسبب بسقوط عشرات الشهداء والجرحى، إضافة إلى مفقودين تحت الركام.
كما شهدت الليلة المذكورة قصفاً مدفعياً، وتحليقاً مكثفاً للطائرات، ما تسبب بحالة من الخوف والقلق في صفوف المواطنين، وحرمهم من النوم.
وقال المواطن إسماعيل صيام: إنه عاش وعائلته أصعب وأقسى ليلة منذ بداية التهدئة الحالية، تخللها الكثير من الغارات، والانفجارات، وإن صافرات سيارات الإسعاف لم تتوقف.
وأوضح أن أصعب ما مر به خلال تلك الليلة، قصف خيمة مجاورة لخيمته في مواصي خان يونس، ما أوقع شهداء وجرحى، وتسبب بحالة ذعر في المخيم.
وأشار صيام إلى أن الاحتلال يتعمد إعادة أجواء الحرب للقطاع كل فترة، فالتهدئة التي لم تتجاوز 20 يوماً، شهدت اختراقين كبيرين راح ضحيتهما أكثر من 150 شهيداً، عدا الخروق اليومية هنا وهناك.
وتساءل المواطن سامي مصباح عن التهدئة الحالية، في ظل استمرار خروق الاحتلال، موضحاً أنه وغيره من المواطنين لم يشعروا بأن الحرب توقفت بالمطلق، والدليل على ذلك ما يحدث يومياً، وما حدث مرتين خلال الفترة الماضية.
وبيّن أن ليلة التصعيد الأخيرة التي عاشها وأسرته كانت من أصعب الليالي، وحتى خلال الحرب نادراً ما مرت ليالي مثلها، مشيراً إلى أن الاحتلال كان يتعمد تكثيف الغارات وتسارعها، فالهجمات كانت متتالية، ويبدو أن الجيش كان معه وقت محدد لتنفيذ الهجمات المعدة مسبقاً، ضمن بنك أهداف جهزه الاحتلال لتلك الجولة.
وأكد أن الجميع باتوا مقتنعين بأن الاحتلال لم ينهِ الحرب على غزة، بل عمل على تغيير شكلها، في محاولة لتخفيف ردود الفعل الدولية الرافضة للحرب، والآن غزة تعيش تجربة لبنان، من حيث استمرار الغارات بين الفينة والأخرى.
ولفت إلى أن الحدث الذي ادعى الاحتلال حدوثه في رفح، وبسببه شن الغارات ما زال موضع شك، فرفح محتلة ومحاصرة، وجيش الاحتلال والمليشيات المتعاونة معه تنتشر في كل شبر وزاوية من المدينة، معتقداً أن الاحتلال يكذب، ويختلق روايات عن هجمات للمقاومة، لتبرير عدوانه.
وفي ساعات الصباح شيّعت العائلات في قطاع غزة عشرات الشهداء، من مختلف مستشفيات القطاع، وسط حالة من الخزن الممزوج بالغضب.
"الكبد الوبائي" يتفشى في القطاع
ما زال مرض التهاب الكبد الوبائي الفيروسي يتفشى في قطاع غزة، وسط تحذيرات من مخاطر كبيرة للمرض، الناتج في الأساس عن تلوث المياه، وانتشار النفايات الصلبة.
ويومياً تُسجل مستشفيات القطاع إصابات جديدة بالمرض، بعضهم يتعافى، وآخرون تتطور لديهم المضاعفات، بشكل يتسبب بتهديد حياتهم.
المواطنة فاطمة يوسف كانت تقف وسط طابور انتظار طويل داخل أحد المستشفيات الميدانية في مواصي خان يونس، بانتظار دورها لتصل للطبيب، في محاولة لعلاج ابنها المصاب باليرقان، مشيرة إلى أنه الثالث بين أبنائها الذي يصاب بالمرض في غضون عدة أسابيع، حيث تبدأ عيناه وجلده بالاصفرار، ثم ترتفع درجات حرارة جسمه، ويصاب بمغص وإسهال.
وأوضحت أن اثنين من أبنائها تعافيا بعد عدة أسابيع، فيما الثالث ما زال يعاني من مضاعفات المرض، وفقدَ جزءاً من وزنه، وأصبح طريح الفراش لا يقوى على الحركة.
وبينت أنها المرة الثالثة التي تتوجه فيها إلى المستشفى، آملة بأن تتمكن من علاجه ليتعافى من المرض، وأعربت عن خشيتها على حياته حيث ما زال يعاني منذ 4 أسابيع.
وأكدت أنها ومنذ نزوحها من مدينة رفح قبل أكثر من عام ونصف العام، وهي وعائلتها يعانون من المشاكل الصحية والأمراض، خاصة في فصل الشتاء، لكن اليرقان هو أخطرها وأصعبها، ورغم كل الإجراءات التي اتخذتها، إلا أن المرض نجح في الانتقال بين أبنائها واحداً تلو الآخر.
وقال المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى في القطاع، خليل الدقران: إن هناك أكثر من 70 ألف إصابة بالتهاب الكبد الوبائي في قطاع غزة، بعضها يحتاج إلى علاج عاجل خارج القطاع.
ولفت الدقران إلى أن تفشي المرض يتزامن مع استمرار تدهور الوضع الصحي في القطاع، فهناك 67% من المستلزمات الطبية مفقودة بالكامل داخل المنظومة الصحية.
وأوضح أن عدم التزام الاحتلال بإدخال المساعدات الطبية أدى إلى تفشي الأمراض في القطاع، مبيناً أن الأمر لم يتوقف عند مرض الكبد الوبائي، فهناك أكثر من 41% من مرضى الكلى توفوا خلال العدوان على القطاع، بسبب نقص المعدات وتدمير الاحتلال أقسام غسيل الكلى.
وأشار إلى أن الاحتلال أدخل 9 شاحنات فقط من المساعدات الطبية للقطاع، لا تكفي لسد العجز الكبير في الأدوية والمستلزمات الطبية.
الطيور تحلّق بعيداً عن غزة
للعام الثالث على التوالي، لم تصل الطيور المهاجرة إلى قطاع غزة، وتجاوزت أسرابها القطاع، دون أن تحط فيه كما كان يحدث سابقاً.
ولم يرصد هواة الطبيعة ومحبوها وصول الطيور المهاجرة بمختلف أنواعها، عدا أعداد قليلة جداً، سواء البحرية منها، أو تلك التي تحط في البساتين والحقول.
ووفق الهاوي ومحب الطبيعة شريف تيسير، فإنه يتابع منذ نهاية أيلول الماضي البيئة المحيطة، ولم يرصد وصول طيور مهاجرة إلى قطاع غزة، خاصة منطقة المواصي، التي تعاني من اكتظاظ كبير بالنازحين.
وأوضح تيسير أنه في مثل هذا الوقت من كل عام، كانت تصل ملايين الطيور المهاجرة بأنواع وأشكال مختلفة، وتحط في قطاع غزة، وتزيّن حقولها وأشجارها، لكن منذ بداية العدوان لم تعد تلك الطيور تصل.
وأرجع تيسير وغيره من المهتمين والهواة سبب عدم وصول الطيور المهاجرة إلى ثلاثة أسباب، الأول إبادة الغطاء النباتي بالكامل من قطاع غزة، وبالتالي عدم وجود مكان يمكن أن تحط فيه الطيور، والثاني اكتظاظ الشاطئ بالنازحين، فرماله تحولت إلى أكبر مخيم يضم عشرات آلاف الخيام، لهذا تفر الطيور المائية بعيداً، بحثاً عن شواطئ خالية يمكن أن تحط عليها، أما السبب الثالث فيتمثل بالنشاط العسكري المتواصل في قطاع غزة، ودوي الدبابات والجرافات، وأصوات الانفجارات، وتحليق الطائرات، فكلها أصوات مخيفة، تفر منها الطيور.
وأعرب تيسير عن حزنه لتحول قطاع غزة إلى بيئة طاردة للطيور والحياة البرية بشكل عام، بعد أن كانت بيئة جذب للطيور المهاجرة، خاصة في محيط وادي غزة، الذي كان على وشك أن يصبح محمية طبيعية للطيور.
بينما قال المواطن محمد أبو طه: إنه كان يحب فصل الخريف، ويعتبره من أجمل فصول العام، فهو الفصل الذي تعتدل فيه الحرارة بعد ارتفاعها في الصيف، ويشهد وصول الطيور الزائرة الجميلة، وفيه تنضج أفضل الفواكه وألذها طعماً، سواء البلح، أو الجوافة، أو الحمضيات، وغيرها.
وأكد أبو طه أن الخريف حالياً لم يعد يحمل أياً من الأشياء الجميلة، فحتى الطيور المهاجرة قاطعت قطاع غزة، ولم تعد تصل إليه كما في السابق.