
كتب محمد الجمل:
ما زال سكان قطاع غزة يواجهون المجازر والتهجير والجوع بشكل يومي، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على جميع مناطق القطاع دون توقف لليوم الـ404 على التوالي، خاصة شمال القطاع.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة من العدوان، منها مشهد تحت عنوان: "خدعة فتح المعابر"، ومشهد آخر يُوثق تحول النساء إلى الضحايا الأبرز لعدوان الاحتلال شمال القطاع، ومشهد ثالث يوثق كيف تسبب نقل "جالونات" المياه من قبل المواطنين على مدار أكثر من عام، في إمراضهم، والتسبب بمتاعب صحية كبيرة لهم.
خدعة فتح المعابر
يُواصل الاحتلال ممارسة الخداع والمراوغة، بادعاء فتح منافذ جديدة باتجاه مناطق جنوب ووسط قطاع غزة.
فقد روّجت وسائل إعلام عبرية أخباراً عن فتح معبر "كيسوفيم"، الواقع قبالة مناطق وسط قطاع غزة، بهدف توسيع دخول المساعدات للقطاع، غير أن الواقع على الأرض لا يُشير إلى حدوث أي تغيير، فالمساعدات شحيحة، وشبح المجاعة ما زال متواصلاً.
ووفق مصادر مطلعة، فإن الأيام الماضية لم تشهد أي تحسن في إدخال المساعدات للقطاع، خلافاً لما حاول ويحاول الاحتلال ترويجه، وما يحدث هو خداع للعالم، بأخبار غير حقيقية.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الاحتلال ما زال يحمي ويرعى عصابات اللصوص، التي تعيث في الأرض فساداً، وتسرق المساعدات.
وقال المواطن محمود رضوان، إنه يبحث منذ يومين عن كيس طحين لعائلته، وحين سمع بفتح الاحتلال معبر "كيسوفيم"، توجه إلى مقر وكالة الغوث "الأونروا" للاستفسار عن موعد تسليم الطحين، فأخبروه بأنه لا يوجد موعد مُحدد، وأن الأمر مُرتبط بوصول كميات الطحين اللازمة من المعابر، حيث الأخيرة مكدسة بالمساعدات، والاحتلال ما زال يمنع وصولها.
ولفت رضوان إلى أنه توجه للسوق، ليرى تأثير فتح المعبر المذكور، فوجد الخضراوات شحيحة جداً، واللحوم بنوعيها البيضاء والحمراء مفقودة بالكامل، وعشرات الأصناف الأخرى غير متوفرة، والأسعار عالية.
وأكد أن الاحتلال يسعى إلى خداع العالم، بتصدير أخبار لا تمت للواقع بصلة، ويواصل فرض التجويع على سكان قطاع غزة، ولا شيء تغير مطلقاً على الأرض، والناس يبحثون عن الطعام، ويلهثون خلف فتات المساعدات الشحيحة.
وأجمع مواطنون على أن تسليم المساعدات الغذائية ما زال شحيحاً جداً، فحتى "تكايا الطعام" متوقفة، بسبب عدم توفر المواد الغذائية التي يتم تجهيز الوجبات من خلالها مثل الأرز، وغيره.
وأوضح المواطن يوسف هلال، أنه منذ 4 أشهر لم يتسلم أي طرد غذائي سوى طرد واحد من برنامج الأغذية العالمي يحتوي على معلبات، بينما وكالة الغوث ما زالت متوقفة عن تسليمهم الطحين منذ أكثر من ستة أشهر.
وأشار إلى أن أغلب المؤسسات الدولية متوقفة عن تسليم المساعدات، وهناك شح كبير في السلع في الأسواق، وكل ما يدور على الأرض يؤكد أن الاحتلال ماضٍ في سياسة التجويع، ولم يقم بأي خطوات فعلية لتحسين الوضع في قطاع غزة.
وشدد على أن الوضع في قطاع غزة يزداد سوءاً، والناس باتوا يتسولون الطعام، فحتى طائرات المساعدات لم تعد تصل وتلقي الفتات على النازحين كما كانت في السابق.
النساء الضحايا الأبرز للعدوان
ما زالت النساء والأطفال يتصدرون قوائم الضحايا اليومية، جراء المجازر البشعة التي ينفذها جيش الاحتلال في مناطق شمال قطاع غزة، منذ أكثر من شهر.
فيومياً يتم قتل وجرح العشرات من السيدات بينهن طفلات، ونساء حوامل، كما تتعرض النساء للتجويع، والتنكيل على الحواجز.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن جيش الاحتلال أعدم سيدات في الشوارع، واعتقل عدداً غير مُحدد من النساء خلال نزوحهن من مناطق شمال القطاع، ونقلهن إلى مراكز توقيف.
بينما تواصل النساء اللواتي بقين في شمال القطاع، التعرض للخوف، والجوع، وخطر الموت بنيران الاحتلال، وسط تجاهل لحقوقهن من قبل المؤسسات الدولية والأممية.
ووفق مصادر طبية في مناطق شمال قطاع غزة، فإن استهداف منازل مأهولة على رؤوس ساكنيها، وقصف مراكز إيواء بشكل متعمد، تسبب بسقوط المئات من النساء بين شهيدات وجريحات منذ بداية الحملة العسكرية الأخيرة على مناطق شمال القطاع.
وأكدت المقررة الأممية لمكافحة العنف ضد النساء، أن السيدات في غزة يتعرضن لمعاملة غير إنسانية ومهينة من قبل الاحتلال، وأن 70% من الضحايا في غزة هم من النساء والأطفال، وأصغر الضحايا رضيع عمره يوم واحد.
وبينت المقررة الأممية أن إسرائيل استهدفت المدنيين، ولم تتخذ أي احتياطات لحماية أرواحهم، و94% منهم قتلوا في منازلهم، موضحة أن إسرائيل مُستمرة في جرائمها الوحشية دون مساءلة، وتكرر الأمر حالياً في لبنان.
وشددت على أن هناك نساء يجبرن على الولادة دون تخدير، بعد تدمير جزء كبير من القطاع الطبي، قائلة: "من غير المقبول السماح باستمرار الإبادة الجماعية ضد النساء والأطفال الفلسطينيين".
وكان عدد من جنود الاحتلال ظهروا في مقاطع فيديو وهم يتحدثون بتفاخر بأنهم قتلوا أطفالاً في غزة، مدعين أنهم يقتلونهم قبل أن يكبروا ويصبحوا "إرهابيين"، حسب زعمهم.
نقل المياه يُمرض النازحين
تضطر نحو نصف مليون عائلة نازحة في قطاع غزة، إلى نقل مئات الآلاف من "جالونات" المياه يومياً من مصادر متعددة، باتجاه الخيام وأماكن النزوح، لتوفير احتياجات الأسرة.
فخلافاً لما كان سائداً قبل الحرب، حين كانت تصل المياه عبر أنابيب للمنازل، ويتم رفعها بواسطة مضخات للخزانات العلوية، ومن ثم استخدامها بواسطة الصنبور، بات النازحون يضطرون لحمل "الجالونات" والتوجه إلى مصادر المياه المتاحة، وهي إما شاحنات تحمل صهاريج تتوقف إلى جانب المخيمات، أو صنابير موصولة بآبار زراعية، أو خزانات عمومية وضعت في المخيمات، ثم حمل "الجالونات" المملوءة مسافات طويلة، حتى الوصول إلى الخيمة.
وتسبب هذا الأمر، الذي يتكرر كل يوم، في متاعب صحية ونفسية كبيرة لدى النازحين، إذ يعاني الكثيرون من آلام في الظهر والمفاصل، والرقبة، وشكوى دائمة من عدم الراحة في النوم.
وذكر المواطن خالد النجار، أن عائلته بحاجة إلى أكثر من 120 لتر مياه يومياً لأغراض مختلفة، وهذا يتطلب نقل 8 "جالونات" مسافة تزيد على 120 متراً، في كل مرة ينقل "جالونين"، يصل وزنهما إلى حوالى 35 كيلوغراماً.
وبيّن أنه وبخلاف الزحام، والوقوف في طابور طويل، فإن الوزن الثقيل الذي يحمله كل يوم، تسبب في إرهاقه، وبات يكره قدوم الصباح من شدة التعب الذي يلاقيه.
ولفت إلى أنه توجه إلى طبيب بعد أن عانى من آلام في قاع الظهر ممتدة إلى قدمه اليسرى، فأخبره الطبيب أنه بحاجة لصورة رنين مغناطيسي، وفحوص متقدمة، وهي غير متوفرة حالياً في قطاع غزة، وكتب له بعض المسكنات والأدوية، لكنه لم يجدها في الصيدليات، ورغم كل ذلك يواصل حمل "الجالونات" بشكل يومي، فلا يوجد حل آخر، وإلا فقدت عائلته المياه كلياً.
بينما قالت المواطنة "أم حسام"، إن أبناءها الثلاثة وهم شبان وفتية تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاماً، باتوا يشتكون من آلام في العظام والمفاصل بعد عام كامل من النزوح ومتاعب حمل المياه مسافات طويلة.
وأشارت إلى أنهم يضطرون لنقل المياه من بئر زراعية تبعد 130 متراً عن مكان الخيمة، حتى يملؤوا خزاناً سعة 500 لتر بشكل يومي، عدا نقل المياه العذبة من شاحنات تصل إلى المخيم، وجميعهم سئموا وتعبوا ويتمنون العودة إلى حياتهم القديمة، حين كانت تصل المياه من البلدية دون عناء.