
كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام"، نقل مشاهد جديدة ومتنوعة، من قلب الحرب والمعاناة في قطاع غزة، ورصدت مشهداً بعنوان "الشتاء يُغير خارطة انتشار الخيام"، ومشهداً آخر يرصد الارتفاع الكبير على أسعار السلع في الأسواق، ومشهداً ثالثاً يُسلط الضوء على تفاقم أزمة السيولة النقدية في الأسواق.
الشتاء يُغير خارطة انتشار الخيام
يشكل فصل الشتاء بأمطاره، والذي بات على الأبواب، الهاجس الأكبر للنازحين ممن يعيشون في خيام بمناطق المواصي، جنوب قطاع غزة.
وتسببت المخاوف في إعادة توزيع انتشار الخيام في مناطق المواصي الساحلية، إذ انتقلت آلاف الخيام التي كانت موضوعة على شاطئ البحر، باتجاه الشرق، وبات بعض المخيمات أكثر اكتظاظاً بالنازحين، بينما يفرغ الشاطئ تدريجياً.
وأكد النازح محمود الزاملي، أن عدداً من أقاربه كانوا يقيمون على شاطئ البحر مباشرة منذ بداية النزوح من مدينة رفح في شهر أيار الماضي، لكن ومع قرب فصل الشتاء، وارتفاع خطر المد البحري، الذي يتسبب بإغراق الخيام، بدؤوا بتفكيك خيامهم والانتقال لمناطق أخرى، بعيدة عن الشاطئ.
وبيّن الزاملي أن عملية الانتقال لم تكن سهلة، في ظل تكدس المخيمات بالنازحين، فقد اتفق مع جاره على أن يتنازل كل منهما عن مساحة من محيط خيمتيهما، حتى يتركا مجالاً لقريب لهم لكي يضع خيمته، وآخرون اضطروا لاستئجار أراضٍ لوضع خيامهم، والبعض اضطروا للتحرك جنوباً باتجاه مواصي رفح ليضعوا خيامهم، رغم خطورة المناطق المذكورة، التي تتعرض باستمرار للقصف وإطلاق النار.
وأكد أن شكل توزيع الخيام في مخيمات النزوح تغير كلياً مقارنة بما كان عليه الأمر قبل شهرين، فشاطئ البحر الذي كان مكتظاً بالنازحين بدأ يفرغ منهم، والمخيمات الأخرى ازدادت اكتظاظاً، بينما يبحث من تبقى هناك عن مكان ينتقلون إليه.
بينما بدأ الكثير من المناطق المنخفضة التي تقع في مواصي خان يونس تخلو تدريجياً من الخيام، بعد تحذيرات من قبل الجهات المحلية باحتمال تعرضها للغرق، إذ أكد المواطن أحمد الخطيب، أنه اضطر لتفكيك خيمته التي أقامها في منطقة منخفضة في مواصي خان يونس، وانتقل بعيداً باتجاه المنطقة التي تعرف باسم "بئر 19"، وهي منطقة كثبان رملية خالية، لا تتوفر فيها مياه، ولا أي شكل من أشكال الخدمات، لكنه مضطر لذلك.
ولفت إلى أنه سيضطر للإقامة في هذا المكان، لحين توفير بديل، أو انتهاء الشتاء، ليعود إلى المنطقة التي كان يقيم فيها سابقاً، لافتاً إلى أنه لاحظ أن المزيد من النازحين يصلون إلى منطقته الجديدة، ويضعون خياماً هناك.
ووفق نازحين فإن انتقال المواطنين من شاطئ البحر باتجاه المخيمات، تسبب بالمزيد من الاكتظاظ، وزاد من حجم الضغط على الخدمات المحدودة أصلاً، وهذا تسبب بزيادة وتفاقم معاناة النازحين.
أسعار فلكية في الأسواق
باتت أسعار السلع والبضائع المعروضة في أسواق القطاع توصف بأنها فلكية، مع افتقار الأسواق لأصناف عديدة من السلع.
ومع بدء توفر البضائع في أسواق وسط وجنوب القطاع بشكل طفيف، مقارنة بالأسابيع الماضية، كانت الأسعار عالية جداً، إذ استقر ثمن كلغم البطاطا والبصل عند 20 شيكلاً، بعد أن كان وصل إلى 40 شيكلاً في وقت سابق، في حين كان كلغم البندورة يباع مقابل 30 شيكلاً.
أما بخصوص الفواكه فقد توفرت ثلاثة أصناف فقط، وهي: "أفوكادو"، وتفاح، وموز، وكان الكيلوغرام الواحد منها يباع مقابل 40 شيكلاً، أما الأسماك الشحيحة في الأسواق فتراوح ثمن الكيلوغرام منها ما بين 70 - 250 شيكلاً، حسب نوعها وجودتها.
ويقول المواطن محمد عقل، إن الأسعار في الأسواق عالية جداً، والشراء يكاد يكون مقتصراً على فئة قليلة من المواطنين، مشيراً إلى أنه اشترى حبة بطاطا واحدة وبصلتين مقابل 25 شيكلاً.
وبيّن أنه لم يستطع شراء معظم السلع، فحتى معلبات التونة، التي كانت في السابق تباع الواحدة منها مقابل 2 شيكل، وصلت حالياً إلى 8 شواكل.
وأشار عقل إلى أنه يبحث عن شوال طحين ولم يجد، فثمن الشوال وزن 25 كلغم حالياً تجاوز 220 شيكلاً، وهو أكثر من 20 ضعف ثمنه قبل شهرين فقط.
بينما قال البائع أحمد صلاح، إن ارتفاع الأسعار يعود لشح السلع وانخفاض العرض، بسبب التضييق الإسرائيلي على المنفذ التجاري منذ بداية شهر تشرين الأول الماضي.
وأشار صلاح إلى أن اللحوم بجميع أنواعها لا تزال مختفية من الأسواق، وكذلك الفواكه، والخضراوات شحيحة، كما أن هناك قيوداً على إدخال المواد التموينية الأساسية، والمعلبات، والسكر، والطحين، والزيت وغيرها.
وأكد أن الأيام المقبلة ستحدد طبيعة الأسواق في الفترات القادمة، خاصة مع وعود إسرائيلية بزيادة دخول البضائع والمساعدات، وحال حدث ستنخفض الأسعار، والجميع ينتظر حدوث ذلك، لكن يبدو أن الاحتلال ينتهج أسلوباً جديداً للتجويع، عبر تعمد تقطير السلع، وإبقاء الأسواق في حالة تعطيش، بهدف استمرار غلاء الأسعار، وبالتالي حرمان الغالبية العظمى من المواطنين منها.
أزمة السيولة تتعمق
مع دخول العدوان الإسرائيلي المُتصاعد على قطاع غزة شهره الرابع عشر على التوالي، واستمرار تشديد الحصار بمختلف أشكاله، خاصة الحصار المالي، تعمقت أزمة السيولة داخل القطاع، وبات النقد المتوفر شحيحاً جداً، وأغلب العملات تالفة.
ووصلت عُمولات السحب من قبل الصيارفة إلى أكثر من 27%، وسط مناشدات بضرورة اعتماد المشتريات عبر التطبيق البنكي، أو المحافظ الإلكترونية المعتمدة من قبل سلطة النقد، على اعتبار أنها وسيلة مضمونة وآمنة للتبادل التجاري.
ويقول المواطن عبد الله طلال، إنه اضطر لسحب مبلغ 3000 شيكل من حسابه البنكي، حتى يتمكن من تلبية مختلف احتياجاته، وتوجه لبعض الصيارفة العاملين في مناطق جنوب القطاع، لكنه فوجئ بارتفاع عمولات السحب لتتجاوز 30%، ما يعني أن المبلغ الذي يريد سحبه سينقص منه 900 شيكل، وهذه خسارة كبيرة.
وأكد أن الصيارفة ممن يمتلكون النقد لا يكتفون بذلك، بل يشترطون على المستفيد أخذ عملات من فئة 10 شواكل، وأوراق نقدية بالية، وهي غير قابلة للتداول في أسواق غزة، ما يعني المزيد من الخسارة.
وأشار إلى أن موضوع السحوبات البنكية من أكثر القطاعات التي يحدث فيها استغلال لحاجة الناس، ويجب أن تعمل الجهات المعنية على ضبط الأمر، أو توفير حلول خلاقة، تريح المواطنين، وتوفر لهم بديلاً مناسب.
أما المواطن خالد عبد الله، فأكد أنه وبصعوبة بالغة، استطاع شقيقه المقيم في الخارج إرسال مبلغ من المال لعائلته التي تعاني الفقر والجوع، حيث تم إرساله من أوروبا إلى مصر، ومن هناك جرى تحويله إلكترونياً، وحين توجه لمحال الصرافة من أجل صرفه فوجئ بالعمولات العالية، وتحويلات من عملة لأخرى، ستسمح له بأخذ نصف المبلغ فقط، والباقي سيذهب عُمولات، وفوارق تحويل من عملة لأخرى، وهذا يُمثل قمة الظلم والاستغلال.
وأكد أنه وبعد أن جال أكثر من محل صرافة، لم يجد بديلاً عن صرف المبلغ، ووجد نفسه مضطراً للانصياع لاستغلال الصيارفة، في ظل غياب البديل، رغم أنه شعر بضيق وظلم كبيرين.
بينما أكد المواطن علاء رمضان، أن أزمة السيولة النقدية في القطاع باتت تتطلب من سلطة النقد التدخل بشكل فاعل، وفرض التعاملات الإلكترونية، داعياً إلى أن يترافق ذلك مع حملات توعية، وترغيب من التجار، فعدد كبير جداً من المواطنين خاصة الموظفين، يمتلكون مبالغ مالية في حساباتهم البنكية، ولا يستطيعون صرفها، فبالإمكان استخدام هذه المبالغ في عمليات الشراء، مستهجناً عدم حدوث ذلك حتى الآن، رغم أنها الطريقة الأكثر شيوعاً في العالم.