
كتب محمد الجمل:
يعيش سكان قطاع غزة تحت القصف والحصار المشدد لليوم الـ 402 على التوالي، وتتواصل فصول المعاناة بكافة أشكالها، بينما تتعمق الأزمات.
"الأيام" تنقل مشاهد جديدة من داخل القطاع، منها مشهد يكشف إقامة جيش الاحتلال محوراً ثالثاً شمال القطاع، يفصل مدينة غزة عن محافظة الشمال، ومشهد آخر يرصد تراجع آمال المواطنين بنهاية قريبة للحرب، ومشهد ثالث يسلط الضوء على مرور أكثر من 13 شهراً على انقطاع الكهرباء بشكل كامل عن القطاع.
إنشاء محور فصل جديد
بدأ الاحتلال مؤخراً بإنشاء محور فصل ثالث داخل قطاع غزة، يعمل على فصل مدينة غزة، عن مناطق بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا، حيث يعمل هذا المحور على عزل محافظة شمال قطاع غزة بالكامل عن باقي المناطق، مع استمرار محاولات تهجير من تبقى من سكان هناك، ويقدر عددهم بنحو 80 ألف نسمة.
ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن ضباط كبار في الجيش إن الأخير يعمل على إقامة خط فاصل جديد شبيه بخط "نتساريم" يفصل شمال القطاع عن بقية مناطقه، ويضم مناطق بين حانون، وبيت لاهيا، ووسط وغرب جباليا، وبات قريبا من "تطهير" كل المناطق التي تقع شماله وأنها على وشك إقامة الخط المذكور، وفق ادعاءات جيش الاحتلال.
في حين قال المراسل العسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن ما أسماه الخط الأزرق، هو الخط الفاصل الجديد، ويأتي بعد استكمال إنشاء الأخضر هو الخط القائم، حالياً "محور نتساريم".
في حين قالت صفحة "بن صهيون مكلس"، العبرية إنه تم تسمية محور جباليا الجديد بمحور "ميفلاسيم" الذي يقسم بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا عن مدينة غزة.
وأكدت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، أن الجيش يعمل بهدوء على إحداث تغييرات جذرية في قطاع غزة، عبر إنشاء محاور تقسم القطاع، ووضع منشآت عسكرية ثابتة، مع النية بوجود عسكري دائم.
في حين أكد عيران عتسيون، نائب سابق لرئيس مجلس الأمن القومي (مؤسسة حكومية)، أن الجيش الإسرائيلي أتم إنشاء محور قاطع جديد ثاني (بعد محور نيتساريم) في شمال غزة يفصل الشمال عن بقية القطاع، وينوي الآن البدء بإنشاء محور ثالث هو معبر كيسوفيم في جنوب القطاع بادعاء أنه لإيصال المعونات الانسانية.
وبحسب مصادر محلية وشهود عيان، فإن جيش الاحتلال بدأ فعلياً بإجراءات عزل محافظة شمال القطاع عن مدينة غزة، ونشر قوات كبيرة من الجيش من خط التحديد شرقاً حتى شاطئ البحر غرباً، ويمنع أي تحرك على هذا المحور من الجنوب في اتجاه الشمال، ويشمل ذلك حركة الأفراد والمركبات، والمساعدات، والبضائع، ويُسمح فقط بخروج النازحين من شمال القطاع باتجاه مدينة غزة، سيراً على الأقدام، مع المرور على حواجز للجيش، يتعرضون فيها للتفتيش والتحقق من هوياتهم، وربما الإعدام أو الاعتقال.
ووفق محللين فإن ما يحصل في القطاع، هو تحويل غزة من سجن كبير إلى عدة سجون صغيرة، أشبه بكنتونات معزولة، يسهل من خلالها التحكم في حركة المدنيين، وحدوث اقتحامات مفاجئة لبعض المناطق، على غرار ما يحدث في الضفة الغربية.
تراجع الآمال بنهاية قريبة للحرب
تراجعت آمال المواطنين بنهاية قريبة للحرب، وسط مخاوف من تصعيد كبير وممتد، يتجاوز مناطق شمال قطاع غزة، ورفح، وصولاً لباقي مناطق قطاع غزة.
وأكد مواطنون في أحاديث منفصلة مع "الأيام"، أن المناخ العام يُشير إلى التصعيد، وتعميق الحرب، وربما فتح جبهات جديدة، خاصة بعد اقالة وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت، الذي كان يُطالب باستمرار بإنهاء الحرب على قطاع غزة، وتحول تشكيلة الحكومة الإسرائيلية إلى يمينية مُتطرفة، هدفها تدمير غزة ولبنان، وضرب إيران، وهذا جاء في ظل فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يدعم ضرب إيران.
وأكد المواطن فادي جمعة أن الوضع صعب، والمستقبل لا يحمل نهاية وشيكة للحرب، فكل المُعطيات تُشير إلى أننا على أعتاب تصعيد كبير، ستتجاوز حدوده الجغرافية غزة ولبنان.
وأشار إلى أن الاحتلال قد يُعمق عدوانه على قطاع غزة، خاصة مُخيم النصيرات، ويزيد من احتلال بعض المناطق، ويوسع حالة النزوح والتهجير.
وبيّن أن طائرات الاستطلاع تُحلق بشكل مُكثف في أجواء مواصي خان يونس وعموم المحافظة، وكأن هذا يبدو كمقدمة لتنفيذ عمليات جديدة في تلك المناطق.
وأشار جمعة وهو نازح من مدينة رفح، إلى أن العودة لرفح في ظل المُعطيات الجديدة لن تكون قريبة، فاحتلال المدينة سيطول، وتدميرها سيتعمق.
بينما يعتقد المواطن سامي ربيع، بأن فرص الهدوء وانهاء الحرب تلاشت تماماً، وأن المرحلة المقبلة هي مرحلة تصعيد وحرب شعواء، وغزة والضفة ستواجهان عدواناً لا يتوقف، والدليل أن قطر أكبر وأهم وسيط للتهدئة أعلنت انسحابها من الملف، ليقينها بأن الاحتلال لا يريد هدنة، ويستخدم المفاوضات كوسيلة للمماطلة وكسب الوقت.
وأشار إلى أنه وأمام المعطيات الجديدة، يجب على الفلسطينيين التوحد، والصمود في الميدان، فهذا يُمثل طوق النجاة الوحيد لمواجهة مُخططات الاحتلال، وإفشال محاولات تصفية القضية الفلسطينية، التي ستحاول إسرائيل وأميركا فرضها في المُستقبل، مع تصعيد محاولات تهجير الفلسطينيين.
في حين يقول الكاتب والمُحلل السياسي محمد القيق معلقاً على آخر التطورات: .. نتنياهو حلمه ضرب إيران، وترامب حلمه تدمير الصين، التقت المصالح والأمنيات، والمشهد تصعيدي بعكس ما يروَّج له من هدوء، متوقعاً تصعيدا كبيرا في الفترة المقبلة، والأمور متجهة للمجهول".
13 شهراً على انقطاع الكهرباء
مر أكثر من عام كامل على قطع إسرائيل جميع إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة بشكل متعمد، حيث عاش أكثر من 2 مليون نسمة دون كهرباء، عدا كميات محدودة جداً، يتم انتاجها بواسطة ألواح طاقة شمسية، ما زالت متوفرة لدى بعض المواطنين.
وتسبب الانقطاع الطويل والمُستمر للكهرباء في تفاقم معاناة المواطنين، وعودتهم للحياة البدائية، بعد أن باتوا مُجبرين على التخلي عن الأجهزة الحديثة، التي صُنعت من أجل تسهيل الحياة، مثل الغسالات، والثلاجات، وغيرها من الأجهزة.
وقال المواطن عبد الرحمن أبو موسى، إنه وبعد أن كان التيار الكهربائي من ضروريات الحياة، ويعتمد الجميع عليه في شتى تفاصيل حياتهم، بات هذا الأمر غير متوفر، والناس اعتادت العيش بدونه، وعادوا إلى تفاصيل الحياة القديمة.
وأكد أبو موسى أن الناس حالياً لا يحتاجون من الكهرباء سوى شحن هواتفهم النقالة، وشحن بطارية صغيرة للإنارة ليلاً، وهذا الأمر غالباً ما يلجؤون إليه في نقاط شحن بمقابل مادي.
بينما قال المواطن محمد فرج، إنه أدرك بأن أزمة الكهرباء في غزة ستكون طويلة، حتى إذا ما توقفت الحرب فلن تعود الكهرباء للقطاع في وقت قريب، بسبب تدمير الشبكات، وأعمدة الكهرباء، لذلك اشترى قبل نزوحه من مدينة رفح خلية شمسية، لتوليد الكهرباء من أشعة الشمس مباشرة.
وأوضح أنه يستخدم الخلية في توليد كهرباء يقوم بتخزينها في بطارية، ثم يقوم بتشغيل جهاز "يو بي أس"، يمنحه قدرا محدودا من الطاقة يكفي لشحن الهواتف النقالة، ويقوم بشحن هواتف جيرانه في الخيام، قبل أن يعيد شحن البطارية مجدداً قبل مغيب الشمس، لتكفيه لإنارة الخيمة ليلاً.
ولفت فرج إلى أن الناس وبعد عام كامل من الأزمة، نسوا الكهرباء، وتعايشوا مع الأزمة، ولم يعد يعنيهم سوى شحن هواتفهم وبطارياتهم، والجميع اعتاد على الأمر.
وبسبب أزمة الكهرباء، باتت الآلاف من الأجهزة الكهربائية تُعرض على البسطات في السوق، وأغلبها أجهزة سُرقت من منازل المواطنين، ولا تجد في الغالب من يشتريها، فالناس لم يعودوا بحاجتها في هذا الوقت.