
كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام" نقل مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة في يومه الـ355 على التوالي، ورصدت أبرز القصص التي توثق المعاناة الإنسانية، وتسلّط الضوء على جرائم الاحتلال في غزة.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يوثق تكثيف الغارات الجوية على المنازل المأهولة خلال الساعات الماضية، ومشهد آخر يرصد زحف آلة الدمار الإسرائيلية باتجاه شمال محافظة رفح، ومشهد ثالث تحت عنوان: "الجثامين المجهولة تربك الجميع".
استهداف المنازل المأهولة
شهدت الساعات القليلة الماضية تصاعداً كبيراً في استهداف المنازل المأهولة بالسكان في مختلف مناطق قطاع غزة، خاصة جنوب ووسط القطاع.
وصعّد الاحتلال غاراته الجوية بصورة ملحوظة في الساعات الماضية، إذ جرى رصد عدد كبير من الغارات الجوية، معظمها استهدفت منازل مأهولة بالسكان.
ووفق المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، فإن جيش الاحتلال استهدف 8 منازل سكنية في قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية فقط، أدت إلى استشهاد 52 مواطناً، غالبيتهم من النساء والأطفال.
وتسببت الغارات الأخيرة في محو العديد العائلات من السجل المدني تماماً، إضافة إلى تدمير عشرات المنازل في القطاع.
واستقبلت مستشفيات القطاع، خاصة مستشفيي شهداء الأقصى والعودة، عشرات الضحايا ما بين شهيد وجريح، وقد غصت أروقة المستشفيين بالجرحى، بينما شيّع ذوو الضحايا العشرات من أبنائهم الشهداء، خلال الساعات الماضية.
وقال المواطن محمود أبو جزر إن أقاربه كانوا من بين ضحايا الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، إذ استشهدت أم وأطفالها الأربعة في غارة على حيّ النصر شمال محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، حيث استهدفتهم طائرة إسرائيلية وهم داخل منزلهم، وجميع مَن كانوا في المنزل، هم نساء وأطفال، وهذه جريمة واضحة.
وبيّن أبو جزر أن المجازر التي يوقعها الاحتلال في لبنان تزامنت مع مجازر وجرائم إسرائيلية في قطاع غزة، وكأن العدوان الإسرائيلي عاد إلى أسابيعه الأولى من حيث كثافة الغارات وارتكاب مجازر واسعة.
وحسب أبو جزر وغيره من المواطنين فإن الاحتلال استغل انشغال العالم بما يحدث في لبنان، وعاد إلى تكثيف جرائمه في غزة، وسط مخاوف من توسيع رقعة العدوان وتصاعد المجازر.
بينما قال المواطن عبد الله عايش، وقد نزح مؤخراً من مخيم النصيرات، إن تصاعد المجازر التي نجمت عن غارات جوية في عموم قطاع غزة، ومخيم النصيرات على وجه الخصوص، لا يمكن أن يكون صدفة، وقد يكون توطئة لهجوم بري على المخيم، خاصة أنه تزامن مع قصف مدفعي عنيف شمال المخيم، ورصد تحركات وحشود على طول محور "نتساريم"، شمال المخيم.
وأشار إلى أن الغارات التي تصاعدت مؤخراً تسببت بحالة خوف وهلع في صفوف سكان المخيم، والجميع يخشون الأسوأ في الأيام والساعات المقبلة.
يذكر أن أكثر من نصف مناطق وسط قطاع غزة، بما فيها وسط وجنوب مخيم النصيرات، لم تتعرض لعمليات برية إسرائيلية، وقد هدد الاحتلال أكثر من مرة بالوصول إلى تلك المناطق.
آلة الدمار تزحف نحو شمال رفح
لم يكتفِ جيش الاحتلال بتدمير مناطق غرب ووسط وشرق وجنوب محافظة رفح، خلال أكثر من 140 يوماً من العدوان المتواصل على المحافظة، إذ بدأت آلة الدمار والخراب تزحف نحو المناطق الشمالية من المحافظة، متسببة بتدمير المنازل والشوارع، ومرافق البنية التحتية.
فقد شهدت الأيام الماضية توغلات إسرائيلية واسعة، شملت مناطق جديدة شمال مدينة رفح، منها منطقة "البركسات"، ومنطقة "مدارس العرب"، وأجزاء من بلدتي خربة العدس، ومصبح، مع استمرار عمليات التدمير في مناطق شرق المحافظة.
وتسبب الزحف الإسرائيلي الجديد في سقوط عشرات الشهداء والجرحى، إذ قصفت الدبابات التي وصلت إلى منطقة "البركسات"، خيام النازحين في مواصي رفح، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى في صفوفهم، بينما تصاعدت الغارات الجوية على مناطق مصبح وخربة العدس، واستهدفت مسيّرات الاحتلال عدداً من المارة، ومنازل مأهولة، موقعة المزيد من الضحايا.
وذكر المواطن رائد صلاح، أنه حاول الوصول إلى منزله في مناطق شمال مخيم الشابورة، من المدخل الشمالي لمحافظة رفح، وحين وصل إلى منطقة "موراج"، نصحه مواطنون بعدم دخول رفح، لصعوبة الوضع فيها، وقد وقف هناك لنحو ساعة، وسمع أصوات التفجيرات، وشاهد سُحب الدخان الكثيف تتصاعد من المناطق الشمالية والشرقية لمحافظة رفح، والتي نجمت عن تدمير مربعات سكنية. كما سمع أصوات الجرافات تعمل داخل رفح، وتقوم بهدم المنازل وتدمر مرافق البنية التحتية.
بينما أكد مواطنون استطاعوا دخول رفح، أن مناطق شرق رفح، وشمالها باتت مناطق تشمل ثقل العمليات العسكرية الإسرائيلية في الوقت الحالي، وأن سيناريو الدمار في حي تل السلطان، يتكرر في المناطق الأخرى.
وقال المواطن محمود العرجا، إن الاحتلال فجّر في الأيام الماضية حاويات ممتلئة بالمتفجرات في قلب حي الجنينة، ومناطق شمال مخيم الشابورة، وحي التنور، والدمار في تلك المناطق يتصاعد على نحو غير مسبوق.
وأكد أن الاحتلال عازم على تدمير رفح بالكامل، وهو ينقل رقعة التدمير من مكان إلى آخر، وكأنه يسير وفق خطة تدمير معدّة مسبقاً، والهدف ترك سكان رفح بلا مأوى، وتعميق معاناتهم لسنوات قادمة، وربما يهدف إلى دفعهم للهجرة خارج القطاع، سواء أكان ذلك طوعاً أم قسراً.
وأشار إلى أن امتداد العمليات شمال رفح، جعل من كامل المحافظة مناطق عمليات، وحوّلها إلى مناطق قتال خطيرة، وزاد من مخاطر دخول رفح.
جثامين مجهولة تُربك الجميع
باتت الجثامين مجهولة الهوية التي كرر الاحتلال تسليمها لوزارة الصحة في قطاع غزة، واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الجميع، كونها جثامين متحللة، مجهولة المعالم، ويرفض الاحتلال تسليم جهات الاختصاص أي معلومات عنها، أو عن أصحابها، ولا حتى عن أماكن أخذ الجثامين من قطاع غزة.
ووفق أكثر من مصدر فإن الوزارة تتسلم أكياساً بها رفات وعظام، وأحياناً جثامين غير مكتملة، وعادة ما تقوم جهات الاختصاص بجمعها ودفنها في مقابر جماعية، ويبقى أصحابها مسجلين كمفقودين لدى جهات الاختصاص.
وأوضحت مصادر مطلعة أن الاحتلال سلّم مئات الجثامين بذات الطريقة، وفي كل مرة يرفض بشكل قاطع تقديم أي معلومات عن أصحاب هذه الجثامين، ويتوافد في كل مرة يتم تسليم الجثامين فيها ذوو المفقودين، ويتفحصون الجثامين دون أن يتعرفوا على ذويهم، نظراً لأن غالبية الجثامين لا توجد معالم يمكن الاستدلال على أصحابها منها.
وأمس رفضت وزارة الصحة تسلم الجثامين، حتى يعطي الاحتلال معلومات كاملة عن أصحابها، وأماكن انتشالهم.
وقالت وزارة الصحة في غزة في أحدث تصريح صدر عنها بالخصوص: "مع وصول حاوية كونتينر تحتوي على ما يقارب الـ88 جثة من طرف الاحتلال، دون أي بيانات أو معلومات تدل على معرفة أصحابها وأماكن انتشالها، فإن الوزارة أوقفت إجراءات استلام الكونتينر لحين استكمال كامل البيانات والمعلومات حول هذه الجثث، ليتمكن ذووهم من التعرف عليهم".
وطالبت وزارة الصحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقيام بمهامها وفق البروتوكول المعمول به دولياً، بخصوص استلام وتسليم الجثامين، مع إحضار بيانات وتفاصيل كل جثمان، من حيث الأسماء والأعمار والمناطق التي أُخذت منها هذه الجثامين، مشددة على ضرورة استلام الجثث حسب المعايير الإنسانية والدولية، وبما يحفظ الحقوق للحفاظ على كرامة هذه الجثث.