
كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام" نقل مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة في يومه الـ349 على التوالي، حيث رصدت أبرز القصص التي تُوثق المعاناة الإنسانية، وتُظهر مآسي المواطنين ومعاناتهم المتفاقمة، خاصة في ظل تصاعد تواصل مأساة النزوح، وحياة الخيام القاسية.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يُوثق تجدد أزمة الحفاضات والفوط النسائية في قطاع غزة، بسبب منع إدخالها من قبل الاحتلال، ومشهد آخر تحت عنوان: "ضحايا حوادث الطرق في الحرب.. حقوق ضائعة"، ومشهد ثالث يرصد الفساد السريع للطحين والحبوب في الخيام.
نقص حاد في الحفاضات
عادت سلطات الاحتلال ومنعت دخول حفاضات الأطفال والفوط النسائية من جديد إلى قطاع غزة، إذ شهد الصنفان المذكوران اختفاء شبه كلي من الأسواق، وارتفعت أسعارهما على نحو كبير، حتى بات مغلف حفاضات الأطفال الذي كان يُباع قبل الحرب مقابل 20 شيكلاً، يباع حالياً مقابل 140 شيكلاً، فيما ارتفعت أسعار "الفوط النسائية الصحية"، بنسبة تزيد على 800%.
وأكد مواطنون أن انقطاع حفاضات الأطفال في قطاع غزة شكّل أزمة كبيرة لهم، خاصة مع الحاجة الشديدة لها، في ظل عدم وجود بدائل أخرى.
وأوضح المواطن محمود حلس، وهو نازح من مدينة غزة ويقيم في مواصي خان يونس، أن ابنه الرضيع بحاجة إلى بين 3 و4 قطع من الحفاضات يومياً، والآن الواحدة منها تُباع مقابل 6 شواكل، ولا يستطيع توفيرها، ولا يعلم ماذا يفعل.
وبيّن أنه فكر باستخدام قطع القماش كبديل للحفاضات، لكن هي غير متوفرة، ففي ظل منع دخول الملابس، بات المواطنون يرتدون ملابس قديمة، ولا أحد يستغني عن أي قطعة قماش، حتى لو كانت مُهترئة.
وأشار إلى أن زوجته تضطر أن تترك الطفل بلا حفاضة، وإذ ما قام بالتبول أو التبرز في ملابسه، تقوم بغسلها، وتقتصر على إلباسه حفاضة واحدة في الليل.
من جهته، قال البائع خالد فروانة، إن الأسواق في الحرب غير مُستقرة، فالسلعة التي تتوفر اليوم قد تختفي غداً، وتقريباً هناك سلع مفقودة على الدوام.
ولفت إلى أزمة الحفاضات سادت بداية العدوان، ثم حدثت انفراجة بعد دخول كميات جديدة، وها هي عادت الأزمة مرة أخرى، ورافقها أزمة كبيرة في الفوط النسائية.
وأكد أن كميات الحفاضات المعروضة في السوق حالياً هي قديمة، كانت متواجدة لدى بعض التجار، أو كميات دخلت كمساعدات إنسانية، وجرى سرقتها من قبل العصابات المُسلحة على شارع صلاح الدين، لذلك هناك شح كبير في الكميات المعروضة، وزيادة على الطلب وهذا أدى إلى ارتفاع الأسعار، وعدم قدرة الكثير من العائلات على شرائها.
وقال فروانة إن الاحتلال يتعمّد خلق الأزمات في قطاع غزة، من أجل التضييق على المواطنين وخنقهم، فهو المتحكم الرئيسي في عملية دخول السلع الى غزة.
وحذر أطباء ومختصون من المخاطر الكبيرة المترتبة على نفاد الفوط النسائية الصحية، وكذلك مواد النظافة الشخصية على صحة النساء، وما قد يُخلّفه ذلك من انتشار واسع للأمراض في صفوفهن.
ضحايا حوادث الطرق.. حقوق ضائعة
يُشكل الازدحام الشديد في ما يسمى "المناطق الإنسانية"، وما يُصاحب ذلك من فوضى في قطاع المواصلات، مشكلة كبيرة، ما يتسبب بحوادث سير يومية، ضحاياها من المارة.
لكن ضحايا الحوادث المذكورة الذين يفارقوا الحياة، أو يصابون بكسور أو عاهات مستدامة، في الغالب يفقدون حقهم، سواء في التعويضات، أو حتى في متابعة العلاج، بسبب انتهاء تأمين المركبات دون تجديد، وكذلك توقف عمل شركات التأمين، بسبب ظروف العدوان.
ويُضطر ضحايا حوادث الطرق وذووهم إلى متابعة علاجهم في مشافي وعيادات على نفقتهم الخاصة، لاسيما إذا ما كان المُتسبب بالحادث سائق عربة "كارو" طفلاً أو فتى، أو سائق مركبة من دون لوحات تسجيل، هرب بعد صدم الشخص.
وقال المواطن عماد عبد العظيم، إن ابنته كانت تستقل عربة "كارو" برفقة والدتها، وصدمها سائق دراجة "توك توك"، بعد أن اقترب من عربة "الكارو"، وأكمل طريقه، ورفض التوقف رغم أنه شاهد البنت تصرخ، والدم يسيل من قدمها.
ولفت إلى أنه نقل ابنته إلى المستشفى، واكتشف أن قدمها مكسورة، وقام الطبيب بتجبيرها، وعاد بها إلى الخيمة، وهو يتكفل بكامل علاجها، ومصروفاتها، وبحاجة إلى نحو 45 يوماً على الأقل حتى يلتئم الكسر وفق ما أكده الطبيب، وحتى الآن لا يعرف من هو السائق المتسبب في مثل هذا الحادث.
وبيّن عبد العظيم أن هذا الأمر ما كان له ليحدث لو كانت الأمور مستقرة، فلو حدث يتم ضبط السائق بالرجوع لكاميرات المراقبة المنتشرة في كل مكان، ويحصل الضحية على حقه من التعويض الملائم، والعلاج المجاني، سواء بواسطة شركة التأمين، أو على نفقة المُتسبب بالحادث.
بينما قال المواطن سامي رأفت، الذي يعمل سائق مركبة عمومية، إن حوادث السير تضاعفت عشرات المرات خلال الحرب، وأن المتسببين فيها غالباً غير مؤهلين للقيادة، وعند كل حادث يقع يتصرف السائق بطريقة من اثنتين؛ إما ترك الضحية والفرار من المكان، أو النزول وإسعاف المصاب، والتكفل بعلاجه، ويرسل لأهله لمراضاتهم، وهذا الأمر يرجع إلى أخلاق السائق، فلا يوجد قانون في الوقت الحالي يمكن أن يُجبر أحداً أن يفعل شيئاً بعينه.
فساد سريع للطحين والحبوب
انعكس حر الخيام الشديد، وانتشار الحشرات فيها، سلباً على كل حياة النازحين في قطاع غزة، وبات هذا الأمر يتسبب بسرعة تلف الطحين، والمواد الغذائية داخل كل خيمة، لاسيما البقوليات، والحبوب، والتي عادة ما يُخزنها النازحون خشية انقطاعها فجأة، كما حدث في السابق.
وذكر المواطن عبد الله رشيد، أنه حين نزح من محافظة رفح، وأقام خيمة في مواصي خان يونس، نقل معه 8 أكياس من لطحين، وكمية من الحبوب، والبقوليات والمعلبات، وكان التاريخ المُدون على الطحين يُشير إلى صلاحيته حتى نهاية العام الجاري، لكنه فوجئ بتلفه بشكل سريع، عبر امتلائه بالحشرات والدود.
وأشار رشيد إلى أنه يعتقد أن سبب تلف الطحين والبقوليات والحبوب التي نخرها السوس، يعود إلى درجات الحرارة المرتفعة، ووجود التراب تحته، وانعدام التهوية في الخيمة، مبيناً أنه هذا الأمر ما كان ليحدث في السابق حين كان يقيم في البيت، ويُخزن الطحين والحبوب في غرفة باردة، على أرض نظيفة.
بدوره، قال المواطن عمر ماضي، إنه وبعد أكثر من 4 أشهر من العيش في خيمة، وصل إلى قناعة بأن الخيمة غير صالحة مطلقاً لإقامة البشر، وهي بيئة مُلوثة ومُمرضة، وتتسبب بمشكلات لا حصر لها، أبرزها سرعة فساد الأطعمة، سواء المطهوة، أو غير المطهوة، لاسيما في ظل غياب الثلاجات.
وأوضح أنه عادة ما يشتري حاجة أسرته من الطعام وتطهوها زوجته في نفس اللحظة، فأي تأخير قد يتسبب بفسادها، كما أن أية كمية تزيد عن الغذاء لا يمكن رفعها للوجبة التالية، لذلك يهدونها للجيران، لأن بقاءها في الخيمة يتسبب في تلفها بسبب الحر الشديد.
ولفت إلى أنه بحث عن أقراص خاصة توضع بين أكياس الطحين، ووسط الحبوب، تقوم بطرد الحشرات وتحفظ المواد الغذائية لفترة طويلة، لكنه لم يجدها، وهم الآن في حيرة من أمرهم، ففي حال لو خزنوا كمية من المواد الغذائية يمكن أن تتلف، وفي حال لم يخزنوا يمكن أن تنقطع في ظل عدم انتظام دخولها إلى قطاع غزة، لذلك على كل الجهات هناك مشكلة.