تاريخ النشر: 20 أيلول 2024

"السبع موجات".. فيلم سبق حرب الإبادة بشهرٍ واحدٍ فقط!


كتب يوسف الشايب:

لعلّ ممّا يميّز الفيلم الوثائقي "السبع موجات" للمخرجة أسماء بسيسو، أنه ربّما يكون الوثيقة البصرية الأخيرة المُنتجة من قطاع غزة الذي يُباد منذ قرابة العام، بحيث صدر في أيلول 2023، ولكن بعد شهر من ذلك، انقلبت غزة بسبب العدوان الإسرائيلي الأصعب في تاريخها، وهو ما دفع المخرجة التي هي مُنتجة العمل أيضاً لإهدائه إلى روح رشدي السرّاج، الذي استشهد في تشرين الأول 2023 بصاروخ استهدف منزله في غزة، لافتة إلى أنه رحل، و"بقيت كاميرته التي وثقت أحداث هذا الفيلم أيضاً"، وكذلك إلى الدكتور هاني بسيسو، وابنة أخيه "الشجاعة" عهد، حيث اضطر لبتر رجلها على طاولة المطبخ دون تخدير، تحت القصف، في بيتهم بغزة.
والفيلم الذي دشّن عروض الدورة العاشرة والاستثنائية من مهرجان أيام فلسطين السينمائية الدولي، في المسرح البلدي بدار بلدية رام الله، مساء أول من أمس، يسلط الضوء على جوانب من واقع غزة، قبيل الحرب، عبر شخصيتي بيسان رائد زغزة بكر، ومحمد عزام بكر، ورثة أسرة عاشقة للبحر، تتوارث الشغف بكل ما يحمله من ألم وأمل، وصراع مع الحياة والمجهول، وقبل كل شيء مع الاحتلال الذي يحرمهم حتى من المغامرة في أمواج بحرهم، بحر غزة.
فعبر محمد، يتناول الفيلم واقع الشباب الغزي، الذي كان يعاني، منذ ما قبل الحرب، البطالة والفقر وفقدان الأمل، وايضاً لا عدالة توزيع الوظائف في ظل حكومة الأمر الواقع هناك، علاوة على الهجرة غير الشرعية، والرغبة المتصاعدة فيها، وهو ما لا يقتصر على الذكور فحسب، تبعاً لشيء من روايات بيسان، التي تتحدث عن النظرة المجتمعية القاسية تجاه الإناث، وعدم دعم الموهوبين في غزة من الراغبين برفع اسم فلسطين عالياً، وهي إحداهن في مجال الرياضات البحرية، علاوة على ما يظهره عبر الشخصيتين ومحيطهما الاجتماعي الضيق والأكثر اتساعاً من شغف وتعلق وحبّ للحياة كأي كائنات بشرية في العالم.
واستعادت بسيسو بشكل أو بآخر، فيلماً سابقاً بعنوان "عروس البحر" عن الشخصية المحورية في فيلمها، أي بيسان زغرة بكر، التي كانت تعيش في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، عبر عرض مقاطع منه، ضمن توثيق جلسة للحديث عن معاناة النساء المتفاقمة في غزة قبل الإبادة المتواصلة وغير المسبوقة، تشارك فيها بيسان رفقة والدتها وشقيقها.
واسم الفيلم مُشتق من أساطير فلسطينية عتيقة، حول "السبع موجات"، ودورها في الاستشفاء النفسي والجسدي، وحتى كطقس ديني بشكل ما، في أوقات بعينها من العام، سواء للتخلص من تلبّس الجان، أو لطرد الشياطين، أو لعلاج العقم، والعمى، والبرص، وغيرها من الأمراض!
فنيّاً، لم ترتقِ الصورة للمأمول، فكانت مُشتتة، كما النص المرتبك، الذي انحاز في أجزاء ليست بسيطة من مدة الفيلم الذي تجاوزت الساعة، لما هو ليس هامشياً، فالهامشيّ قد يكون غاية في الأهمية أحياناً، بل لتفاصيل لا تضيف إلا المزيد من الملل للمُشاهد، فالمخرجة غير الممتلكة لأدواتها تماماً، نزحت كما عادة غالبية المخرجين الفلسطينيين نحو "سينما المؤلف"، التي تتطلب خبرة عالية قلّما تتوفر في جلّ الإنتاجات السينمائية بما فيها "السبع موجات"، علاوة على كونها لم تكن قادرة على القبض على المتلقي فيما تقدم من مضمون لم يكن فائق الجودة كنصّها وصورتها وأدواتها البصرية والسينوغرافية في الفيلم.
ويحيلنا "السبع موجات"، بشكل أو بآخر، لفيلم "نادي غزة لركوب الأمواج" للمخرجين فيليب جنات وميكي يمين، والذي عالج حكايات قريبة من تلك التي يطرحها فيلم بسيسو، مع فارق كبير لجهة الإخراج، والصورة، والبصريّات، وحتى تسلسل النص، وبالتالي مغناطيسية الفيلم، رغم أن كليهما صُوّر في القطاع المحاصر، لكن مع اختلاف الخبرة الفنيّة بالأساس، وكذلك الإمكانيّات ربّما.
وفيلم "السبع موجات"، أُنتج بدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان في إنتاجه عبر منحة "حراكات" للعام 2022، و(IMS)، فيما شاركت "فيلم لاب – فلسطين" بالإنتاج.