
كتب محمد الجمل:
ما زال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة متواصلاً بوتيرة متصاعدة لليوم الـ348 على التوالي، مُترافقاً مع تصاعد الهجمات البرية والجوية، وارتكاب المزيد من المجازر، مع زيادة الضغط على النازحين، الذين باتوا يعانون أزمات لا تنتهي.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب الحرب والمعاناة، منها مشهد يرصد تفاصيل مجزرة مخيم البريج، وسط القطاع، وكيف منع الاحتلال إنقاذ الجرحى والعالقين تحت الأنقاض، ومشهد آخر تحت عنوان "أمراض الشتاء تصل مبكراً وتفتك بالنازحين"، ومشهد ثالث يُوثق ظاهرة تبخّر جثامين الشهداء، وتلاشيها كلياً.
مجزرة مخيم البريج
لم يتوقف الاحتلال عن ارتكاب المجازر والمذابح في قطاع غزة طوال الأشهر الـ11 الماضية، تارة عبر قصف مراكز إيواء، وأخرى عبر استهداف مربعات سكنية، أو مارة، أو حتى خيام، وكثيراً ما يستهدف مركبات مأهولة.
وكانت المجزرة الأخيرة شرق مخيم البريج، وسط قطاع غزة، التي استهدفت منازل تعود ملكيتها لعائلات "الترتوري"، و"أبو شرقة"، و"البطران"، وغيرها، من أبشع المجازر وأكثرها وحشية، ليس من حيث عدد الشهداء فحسب، بل في سلوك جيش الاحتلال الذي تبع ارتكاب المجزرة.
وفق جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، فإن الاحتلال فرض "طوقاً نارياً" على محيط منطقة المجزرة، وأطلقت دباباته وطائراته النار والقذائف بكثافة، ومنعت فرق الإنقاذ من الوصول إلى المنطقة لانتشال الضحايا وإنقاذ الجرحى والعالقين.
وأكد الدفاع المدني أنه تلقى عشرات نداءات الاستغاثة، بعضها خرج من تحت الركام من محاصرين تمكنوا من إجراء اتصالات هاتفية، وكلما حاولت الفرق الوصول إلى موقع القصف، تعرضت لإطلاق نار وقذائف من دبابات متمركزة على خط التحديد شرق مخيم البريج، ومن طائرات مُسيّرة كانت تُحلّق في الأجواء.
وحسب الدفاع المدني، فإن التقديرات تشير إلى وجود نحو 50 شخصاً في المنازل المستهدفة شرق مخيم البريج، وقد طالب الدفاع المدني اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بضرورة المساعدة لإجراء تنسيق فوري يسمح بدخول طواقم الإنقاذ إلى المنطقة، لإنقاذ الأحياء قبل فوات الأوان.
بينما أكد مواطنون وشهود عيان أن مجزرة البريج كانت مروّعة، إذ شنت طائرات الاحتلال ثلاث غارات متزامنة، استهدفت المنازل المذكورة في نفس اللحظة، فانهارت البيوت، وسقط الشهداء، وحُوصر الجرحى تحت الأنقاض.
ووفق شهود عيان، فقد غامر مواطنون ووصلوا إلى الموقع المُستهدف، وانتشلوا عدداً من الشهداء من تحت الأنقاض رغم خطورة الوضع، بينما هناك صعوبة في انتشال العالقين بسبب أكوام الركام، وهناك حاجة إلى معدات ثقيلة لإتمام الأمر.
ووصف مواطنون وشهود عيان ما حدث بالجريمة المُركّبة، فلم يكتفِ جيش الاحتلال بقتل المدنيين العُزل داخل بيوتهم وحصارهم تحت الركام، بل منع كل محاولات إنقاذهم، وكأنه أصدر حكماً بالإعدام حتى على الناجين من المجزرة المروّعة.
أمراض الشتاء تصل مبكراً
اجتاحت موجة من أمراض الشتاء مخيمات النزوح في قطاع غزة، خلال الفترة الماضية، وعانى آلاف النازحين، خاصة الأطفال، من فيروس الإنفلونزا، والرشح، والالتهابات الصدرية، وهي عادة أمراض مرتبطة بقدوم فصل الشتاء، لكنها وصلت مبكراً هذا العام.
وقال المواطن إسماعيل جراد: إن ابنه الذي يتوجّه يومياً لجلب الطعام من "تكية" خيرية قرب مخيم النزوح الذي يقيم فيه، غرب خان يوس، جنوب قطاع غزة، أصيب بصداع وارتفاع درجات حرارة جسمه، وقشعريرة، ولا يعرف إن كان أصيب بداء الإنفلونزا، أو "كورونا"، لكن المرض انتشر سريعاً بين جميع أفراد الأسرة، ففي غضون أقل من 72 ساعة كان الجميع طريحي الفراش يعانون أعراض أمراض الشتاء.
وبيّن جراد أنه اعتاد على أن يُصاب أبناؤه بأمراض الشتاء في شهري تشرين الثاني وكانون الأول من كل عام، لكن لم يسبق أن يُصابوا في هذا الوقت المبكر، والمشكلة أن هناك نقصاً حاداً في الأدوية والمسكنات، فحتى الليمون الذي يُساعد على سرعة الشفاء شحيح وأسعاره عالية.
ولفت إلى أن معظم جيرانه في الخيام يعانون بسبب انتشار فيروسات الشتاء المُعدية، وهناك تهافت كبير على المراكز الطبية، سواء عيادات وكالة الغوث "الأونروا"، أو بعض المشافي الميدانية طلباً للعلاج.
وتساءل جراد: إذا كان هذا الحال في شهر أيلول، وما زال الجو دافئاً بل حار، فكيف سيكون الوضع في ذروة الشتاء، والأمطار؟ متوقعاً أن يواجه النازحون في المخيمات وضعاً كارثياً في الفترة المقبلة.
من جهته، ذكر النازح يوسف عثمان أن هناك الكثير من المسببات التي تجعل أمراض الشتاء تصل مبكراً، وتنتشر بشكل واسع، وتكون أعراضها أشد، ومن بين هذه المسببات الفرق الكبير في درجة الحرارة بين الليل والنهار، ففي النهار يكون الجو حاراً جداً داخل الخيمة، وتتجاوز درجات الحرارة 35، وفي الليل، ونظراً لوجود معظم النازحين على شاطئ البحر مباشرة، تكون درجات الحرارة منخفضة بشكل لافت، وهذا الاختلاف الكبير، مع وجود هواء بارد، أدى إلى إصابة المواطنين، خاصة الأطفال، بنزلات برد.
ونوّه إلى أن بيئة النزوح ممرضة، وتُساهم في انتشار العدوى بشكل سريع، بسبب التزاحم في الخيام، والطوابير الطويلة أمام المياه و"تكايا" الطعام، وتزاحم الأسواق، وانتشار النفايات ومياه الصرف الصحي في محيط الخيام، وهذا يتسبب بانتشار واسع وسريع للأمراض المعدية.
تبخّر الجثامين
كشفت تحقيقات ومعاينات جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، عن تبخّر 22 جثماناً من ضحايا مجزرة مواصي خان يونس، التي ارتكبها جيش الاحتلال منتصف الأسبوع الماضي.
وأكد مدير دائرة الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني، محمد المغير، أن المجزرة نجم عنها 41 شهيداً، استطاعت فرق الإنقاذ انتشال جثامين 19 منهم، فيما بقي 22 جثماناً لم يعثر على أي أثر لها.
ووفق المغير، فإن انفجار القنابل الضخمة في منطقة المواصي نتجت عنه درجات حرارة عالية جداً وصلت إلى 7000 درجة مئوية، مصحوبة بضغط جوي مرتفع، وبؤرة انفجارية كبيرة، وعادة ما ينتج عن ذلك تولد مواد كيميائية خطيرة، نتيجة اختلاط مكونات القنبلة لحظة الانفجار، موضحاً أن العوامل المذكورة مجتمعة، أدت إلى تفتت وتبخّر الجثامين، وعدم العثور عليها مطلقاً.
وأوضح أنه بعد إجراء تحقيقات ميدانية، ومعاينة بؤرة الانفجارات، اتضح أن جميع مَن كانوا في مركز سقوط القنابل تبخرت جثامينهم تماماً، وأصبحت رذاذاً غير مرئي بالمطلق، وما يدلل على ذلك وجود جثامين أخرى مفقود منها بعض الأجزاء، ليس نتيجة البتر، وإنما بسبب تآكلها وذوبانها.
وأشار المغير إلى أنه منذ بدء العدوان على غزة في السابع من تشرين الأول الماضي، تم رصد تبخّر 1760 جثماناً بسبب الأسلحة المحرمة دولياً، وعدم تمكن جهاز الدفاع المدني من تسجيل بيانات أصحاب الجثامين في السجلات الحكومية المختصة.
وأكد منقذون ومسعفون أن المنطقة المُستهدفة اختفت عن وجه الأرض، بفعل استهداف الاحتلال مجمّع خيام نازحين فيه حوالى 20 خيمة، يسكنها نحو 115 شخصاً، جميعهم مدنيون من عائلات فوجو، وماضي، وطعيمة، والشاعر، والعاجز، وهناك عدد من العائلات الأخرى في المكان.
في حين قال الدفاع المدني: إن الغارات الإسرائيلية على خيام النازحين في مواصي خان يونس خلّفت 3 حفر كبيرة، ابتلعت الخيام وردمتها بمن فيها داخل الأرض، وإن جيش الاحتلال استخدم صواريخ ارتجاجية ثقيلة في الغارات على خيام النازحين.
ووفق شهادات مواطنين شاركوا في عمليات البحث عن مفقودين في مواصي خان يونس، فإن كل الدلائل كانت تشير إلى وجود خيام مأهولة قبل قصفها، لكن لم يعثر لا على الخيام، ولا على قاطنيها، وقد حفروا الأرض بأيديهم ولم يجدوا شيئاً، لكنهم كانوا يشتمون رائحة أشلاء محترقة ومتفحمة ولا يجدون لها أي أثر.