تاريخ النشر: 21 تشرين الثاني 2025

"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من غزة في اليوم الأربعين للتهدئة

 

كتب محمد الجمل:

 

رصدت "الأيام" مجموعة جديدة من المشاهد من قطاع غزة، في ظل التهدئة الحالية التي تتخللها خروق إسرائيلية يومية، منها مشهد تحت عنوان: "التصعيد المفاجئ ينشر الرعب"، ومشهد آخر يوثق إقدام الاحتلال على خرق اتفاق التهدئة أكثر من 400 مرة في 40 يوماً، ومشهد ثالث يوثق مخاطر آلاف القنابل الكامنة تحت الركام.

 

التصعيد المفاجئ ينشر الرعب
للمرة الثالثة منذ بدء اتفاق التهدئة الحالي قبل 40 يوماً، يشن طيران الاحتلال غارات جوية عنيفة في قلب المناطق المأهولة بقطاع غزة، متذرعاً بتعرض قواته لإطلاق نار داخل ما يُسمى "الخط الأصفر".
وتسبب التصعيد الأخير، الذي استمر حتى ساعات فجر أمس، في وقوع عشرات الشهداء والجرحى، ونشر الرعب والخوف على نحو واسع في القطاع.
ومع إطلاق موجة الغارات المذكورة، بدأت الشوارع تخلو من المتسوقين والمارة، والتزم المواطنون والنازحون منازلهم وخيامهم.
وقال المواطن أحمد سلطان إنه فوجئ بسماع دوي انفجارات قوية في قلب منطقة المواصي غرب خان يونس، جنوب القطاع، وهذا أمر غير معهود منذ أسابيع، فقام بجمع أفراد عائلته، والتزموا خيمتهم، موضحاً أن مشاعر الخوف والقلق سيطرت على أبنائه لبعض الوقت.
وأشار إلى أنه تابع الأخبار وعلم أن الأمر لا يتعلق بمحافظة خان يونس وحدها، وأن هناك غارات وشهداء في مدينة غزة أيضا، لافتاً إلى أن التصعيد الإسرائيلي في قلب المناطق السكنية، يكون له أثر نفسي سيئ، خاصة أنه يأتي بعد فترة من الهدوء، وأن المواطنين تابعوا الأمر بقلق بالغ.
وأكد أن الاحتلال يخلق ذرائع لتنفيذ الغارات في قلب المناطق السكنية في قطاع غزة، وهو يسعى لنقل تجربة لبنان إلى غزة، ويخرق الاتفاق بشكل فاضح.
ولفت إلى أن "هناك مسؤولية كبيرة تقع على الوسطاء، خاصة أميركا، التي ظهرت في الفترة الماضية كطرف إلى جانب إسرائيل، ولم تبدُ كوسيط نزيه بالمطلق، فهي التي تدعم إسرائيل، وتعطي الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر لخرق الاتفاق".
بينما قال المواطن عمر طه إن تكرار التصعيد الإسرائيلي كل فترة أمر مقصود ومتعمد، يهدف الاحتلال من ورائه إلى تبديد الشعور بالأمن، وإشعار المواطنين بأن الحرب لم تنتهِ، كما يمكّن الاحتلال من ضرب بنك الأهداف الذي أعده طوال الأسابيع الماضية.
وبيّن أن استهداف الخيام، والمارة، والمركبات، تسبب بنشر الخوف في صفوف المواطنين، وأعاد للأذهان ذكريات الحرب الأليمة، التي لم ينسها المواطنون بعد.
وتساءل طه عن مصداقية مزاعم وادعاءات الاحتلال بتعرض قواته لإطلاق نار، موضحاً أنها مزاعم مشكوك فيها، خاصة أن فصائل المقاومة أكدت مراراً وتكراراً التزامها الكامل باتفاق التهدئة مع الاحتلال.
وأسفرت جولة التصعيد الأخيرة، التي تعتبر الثالثة منذ توقيع اتفاق التهدئة الحالي، عن سقوط نحو 27 شهيداً، وأكثر من 80 جريحاً، غالبيتهم من النساء والأطفال.

 

400 خرق للاتفاق في 40 يوماً
مضى 40 يوماً على بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومازال الاحتلال يرتكب خروقاً يومية للاتفاق، إضافة إلى تعطيل دخول المرحلة الثانية منه.
وجراء الخروق المذكورة يسقط شهداء وجرحى بشكل يومي، ويتم تدمير منازل، ونسف مربعات سكنية، وفرض إجراءات على الأرض. كما منعت الخروق المذكورة مئات الآلاف من المواطنين من العودة إلى بيوتهم وأحيائهم التي أجبروا على النزوح منها في وقت سابق، وخلقت واقعاً ديمغرافياً جديداً وقاسياً في القطاع.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن هناك أكثر من 400 خرق لقرار وقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ، وهذا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، وللبروتوكول الإنساني الملحق بالاتفاق.
وقد أسفرت هذه الخروق المتواصلة عن وقوع أكثر من 300 شهيد من المدنيين، بينهم أطفال ونساء وكبار سن، إضافة إلى 700 مصاب بجروح متفاوتة، فضلاً عن 35 مواطناً جرى اعتقالهم بشكل تعسفي خلال عمليات التوغل والاقتحام، ما يؤكد إصرار الاحتلال على تقويض الاتفاق، وخلق واقع ميداني دموي يهدد الأمن والاستقرار في القطاع.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي، فقد تنوّعت اعتداءات الاحتلال بين 113 عملية إطلاق نار مباشر على المواطنين والمنازل والأحياء السكنية وخيام النازحين، و17 عملية توغل نفّذتها آليات الاحتلال داخل المناطق السكنية والزراعية حيث تجاوزت الخط الأصفر المؤقت، و174 عملية قصف واستهداف بري وجوي ومدفعي، إلى جانب 85 عملية نسف لمنازل ومنشآت مدنية، في جريمة ممنهجة تهدف إلى توسيع الدمار ومعاقبة السكان جماعياً، بما يرقى إلى خرق جسيم لأحكام اتفاقيات جنيف.
وحمل المكتب الإعلامي حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن جميع التداعيات الإنسانية والأمنية الناجمة عن هذه الانتهاكات، مؤكداً أن استمرارها في هذا النهج العدواني سيُفشل أي جهود دولية للحفاظ على التهدئة، وطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والدول الوسطاء، والأطراف الضامنة للاتفاق، ومجلس الأمن الدولي بالتحرك الجاد والفاعل لوقف هذه الاعتداءات، ولجم الاحتلال، وإرغامه على الالتزام الصارم ببنود اتفاق وقف إطلاق النار والبروتوكول الإنساني، بما يضمن حماية المدنيين، ويضع حداً للانتهاكات المتصاعدة.

 

آلاف القنابل الكامنة
رغم إزالة آلاف القنابل والأجسام الخطرة من الشوارع ومحيط المنازل خلال شهر تشرين الأول الماضي، إلا أن هناك أخطاراً أخرى ما زالت كامنة تحت الركام. فهناك آلاف الصواريخ والقنابل، والذخائر غير المنفجرة ما زالت قابعة تحت ركام البيوت المدمرة، تعتبر بمثابة قنابل موقوتة، خطرها كبير لكنه مؤجّل، إذ من الممكن أن تنفجر خلال عمليات إزالة الركام، أو من خلال محاولات المواطنين تنظيف بعض الركام من محيط منازلهم.
وأكد مواطنون أنهم يخشون العمل في محيط منازلهم المدمرة، أو محاولة استخراج بعض الأثاث والحاجيات من تحت الركام، بسبب الخطر القابع تحتها.
وقال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، إن التقييمات الرسمية الأولية تُشير إلى وجود نحو 20,000 قطعة من صواريخ وقنابل وذخائر ضخمة بين الأنقاض وعلى السطح وفي التربة.
وأشار إلى أن هذا الخطر الكبير يحول كل منطقة مدمّرة إلى "حقل ألغام غير مرسوم" يُهدّد المدنيين وعملية الإغاثة وإعادة الإعمار.
وأضاف الثوابتة: "هناك عشرات الآلاف من بقايا القذائف والصواريخ والقنابل الجوية والعنقودية والذخائر المدفعية وأجزاء من منظومات توجيهية وأجسام متفجرة ضخمة، قابعة تحت الركام، وداخل التربة، من الممكن أن تُسبب خسائر بشرية مستمرة".
وأكد أن الذخائر غير المنفجرة تُشكّل أخطاراً فورية وطويلة الأمد، منها حدوث انفجارات مفاجئة عند اللمس أو التحريك، وانتشار شظايا قاتلة، وتدمير ممتلكات، وتعطيل وصول الفرق الطبية والإغاثية، وحرمان السكان من العودة الآمنة، والتنقل والعمل والزراعة، مشدداً على أن الأطفال والنازحين والعُمّال الباحثين عن احتياجاتهم اليومية هم الفئة الأكثر عرضة للخطر.
ولفت إلى أن هذه المخلفات تُسبّب شللاً اقتصادياً واجتماعياً يُعيق إعادة الإعمار وخدمات الصحة والتعليم وكافة الخدمات الإنسانية، مبيناً أن حجم وكثافة القنابل والذخائر المبعثرة داخل الأبنية المدمّرة كبير جداً، واختلاطها بحطام المباني ووجود ذخائر مدفونة أو مخفية، يصعّب كشفها، والحاجة لإجراءات فنية دقيقة لتفكيك الذخائر الآمنة ونقص الموارد والقدرات المتخصصة المحلية، هذا كله يشكل تهديداً حقيقياً لحياة المدنيين.
وبيّن أن عمليات المسح و"التطهير الإخمادي" تتطلب معدات متقدمة وفرق خبراء مدرّبة، واستراتيجيات إزالة آمنة وبرامج تدريب محلية وخرائط ومسحاً جغرافياً دقيقاً وتمويلاً طويل الأمد.