
كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام" رصد مشاهد جديدة ومتنوعة من قلب المعاناة في القطاع، منها مشهد يرصد هجمات المُسيرات الإسرائيلية ضد المواطنين شرق مدينة غزة، ومشهد آخر يوثق تحول بركة الشيخ رضوان لمكرهة صحية وبؤرة للتلوث، ومشهد ثالث بعنوان: " ناقوس خطر".
المُسيرات تلاحق النازحين شرق مدينة غزة
صعّد الاحتلال عدوانه على مناطق شرق مدينة غزة بصورة ملحوظة خلال الأيام الماضية، وباتت المُسيرات تلاحق المواطنين والنازحين في أحياء الدرج، والتفاح، والشجاعية، والزيتون.
ومنذ مطلع الأسبوع الجاري باتت مستشفيات مدينة غزة تستقبل يومياً أعداداً من الضحايا من شهداء وجرحى، جميعهم سقطوا بنيران المُسيرات.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن جيش الاحتلال ينشر عشرات المُسيرات الصغيرة، التي تحمل قنابل ورشاشات، وتطلق النار، وتسقط القنابل تجاه أهداف جلها مدنية.
وكان أكبر حصيلة للضحايا ما حدث ليل الاثنين الماضي، حيث أصيب 16 مواطناً على الأقل بينهم أطفال، بعضهم بجروح بالغة الخطورة، جراء إلقاء طائرة إسرائيلية مُسيرة قنابل تجاه تجمع للمواطنين قرب بوابة مدرسة في حي الدرج شرق مدينة غزة، بالتزامن مع إصابة 5 مواطنين بجروح، جراء اسقاط قنابل وإطلاق نار تجاه بوابة مدرسة "أسعد الصفطاوي"، في حي التفاح شمال شرق مدينة غزة.
وأكد شهود عيان أن الحادثتين كانتا مقصودتين، وهدف الاحتلال من ورائهما لإيقاع أكبر قدر من الضحايا في صفوف المدنيين.
وقال المواطن يحيى رمضان إن ما يحدث شرق القطاع بصفة عامة وشرق مدينة غزة على وجه الخصوص أمر مقلق، فالعدوان يتصاعد على الأرض، بينما وتيرة تهديدات الاحتلال تزيد بشكل ملحوظ.
وأكد أن الاحتلال يعمد إلى رفع وتيرة الاستهدافات، ويحاول إيقاع أكبر عدد من الضحايا في مناطق شرق القطاع، لاسيما مدينة غزة.
وأشار إلى أنه يخشى أن يكون ما يحدث مقدمة لتجدد العدوان، خاصة أن الاحتلال يعزز وجود قواته على طول الخط الأصفر شرق القطاع.
في حين أكدت مصادر أن طائرات الاحتلال المُسيرة تنفذ عملية إطباق جوي كاملة على مناطق شرق القطاع، ويتركز تحليقها فوق مناطق شرق مدينتي غزة وخان يونس.
وأشارت المصادر ذاتها الى أن الطائرات المذكورة لا تتردد في استهداف أي شخص يحاول الوصول للخط الأصفر، ومؤخراً باتت تستهدف مواطنين خارج نطاق الخط المذكور، كما حدث مؤخراً في حي الدرج.
ومنذ وقف إطلاق النار في 11 تشرين الأول الماضي، بلغ إجمالي الشهداء أكثر من 270 شهيداً، ونحو 650 مصاباً، بينما بلغ عدد الشهداء ممن جرى انتشالهم منذ التاريخ المذكور 548 جثمان على الأقل.
بركة الشيخ رضوان تتحول لمكرهة صحية
باتت بركة تجميع الأمطار غرب مدينة غزة، والتي يطلق عليها اسم "بركة الشيخ رضوان"، واحدة من أكبر المخاطر البيئية، التي تهدد بنشر الأمراض في المحيط المحلي.
وقد تحولت البركة المذكورة من مكان لتجميع مياه الأمطار، لبركة يتجمع فيها الصرف الصحي، وتختلط فيها مياه الأمطار بالمياه العادمة، وتعيش فيها الحشرات الضارة والمؤذية مثل البعوض، والذباب، وغيرها.
وقال المتحدث باسم بلدية غزة حسني مهنا إن 85% من البنية التحتية للمدينة دُمرت خلال الحرب، محذرًا من أن واقع "بركة الشيخ رضوان أصبح بالغ الخطورة.
وأوضح مهنا أن امتلاء البركة بالمياه المختلطة فيها بمياه الأمطار والصرف الصحي والنفايات التي جرفتها السيول من مختلف المناطق المحيطة، حوّلها لمصدر خطر حقيقي وتهديد للسكان والمنطقة المحيطة بها.
وأشار إلى أن البركة كانت على مدار سنوات طويلة مخصصة للاستفادة من مياه الأمطار وتصريفها باتجاه البحر وتخفيف الضغط عن شبكات التصريف من المناطق المحيطة.
وأضاف مهنا الى إن "الدمار الكبير الذي لحق بشبكات الصرف الصحي بسبب الحرب حوّل البركة إلى نقطة تجميع ضخمة للمياه غير المعالجة ومياه الأمطار، ما جعلها مكرهة حقيقية في تلك المنطقة".
وأردف قائلاً "منطقة البركة تعرضت لاستهدافات كبيرة مما جعل المباني السكنية المحيطة بها آيلة للسقوط".
ونوه مهنا إلى أن "الجدران الخرسانية للبركة تضررت وحدث انهيارات داخلها، فضلًا عن خروج منظومة الكهرباء البديلة فيها عن الخدمة عدة مرات بسبب استهداف الاحتلال لها".
وأضاف إن القصف الإسرائيلي للبركة ألحق ضررًا كبيرًا على مضخاتها، إذ تمكنت البلدية من إعادة تشغيل مضخة واحدة فقط من أصل 5 موجودة فيها وهي تعمل على ضخ المياه بشكل بطيء جدًا تجاه البحر لتخفيف الضغط الموجود عن البركة".
وبيّن مهنا أن "منسوب البركة وصل ارتفاعه اليوم إلى 4.5 متر مما يشكل خطرًا حقيقيًّا حال شهدت مدينة غزة تساقطًا كبيرًا لمياه الأمطار، وحينها سنكون أمام خطر ارتفاع منسوبها بشكل أكبر وقد يؤدي إلى طفح المياه العادمة".
وأكد أن الخروج من الأزمة يتطلب تدخلاً عاجلاً من المؤسسات الدولية والأممية، والدول الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، والوسطاء لفتح المعابر وإدخال كل ما يلزم من مواد ومعدات وأدوات خاصة للعمل، وتزويد البلدية بمضخات عالية القدرة.
ناقوس خطر
لم تكن الأمطار الأخيرة التي هطلت على قطاع غزة، واستمرت بضع ساعات فقط، سوى ناقوس خطر، للتحذير من موسم الأمطار القادم، الذي ما زال في بدايته.
وتسود المخاوف لدى الجميع، من وصول منخفضات قوية تستمر أياما وربما أسبوعا كاملا، يتخللها أمطار قوية ورياح عاتية، لما قد تسببه مثل هذه الأمطار من كوارث كبيرة للنازحين.
وحذر جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، من تسجيل حالات وفاة وحدوث أضرار كبيرة، حال اشتداد فصل الشتاء وتعمق المنخفضات الجوية في القطاع، في ظل الدمار الكبير الناجم عن حرب الإبادة الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم الجهاز محمود بصل "إن الواقع في قطاع غزة صعب للغاية بعد هطول الأمطار الأخيرة"، موضحاً أن الأمطار تسببت بغرق خيام في مناطق بأكملها، كما حدث في مناطق "الزرقاء، واليرموك، وخلف مستشفى المعمداني" بمدينة غزة.
وأكد أن "هذه المناطق التي تضم مخيمات إيواء للنازحين، غرقت بشكل كبير، حتى أن المياه دخلت على الناس وتعرضوا إلى ضرر بالغ، وهم الآن في مرحلة صعبة".
وأضاف بصل "أن ما تساقط على قطاع غزة من الأمطار اليوم هو شيء قليل".
وقال بصل متسائلا "مقارنة بما جرى اليوم ماذا سيحدث لقطاع غزة والنازحين فيه لو تحدثنا عن منخفض عميق أو قطبي لمدة أسبوع؟".
وأكد أنه حال حدث ذلك فإن القطاع سيتضرر بشكل كبير وواسع، وربما نسجل حالات وفاة، وربما نسجل حالات غرق وأضرار تصيب خيام مواطنين لا يستطيعون فعل شيء، لأنه لا يوجد لديهم مقومات عيش بشكل قطعي".
ونوه بصل إلى أن "الخيمة لا تقي من الشتاء ولا من الأمطار، ولا يمكن أن تكون مكانًا آمنًا يعيش فيه المواطن وأسرته".
وطالب العالم بأن يدرك خطورة ما يجري في القطاع، من انتهاكات تمس الإنسانية بشكل واضح، مشدداً على أهمية وصول معدات الإيواء، والخيام والكرفانات، نظراً لأهميتها الكبيرة.
ودعا المتحدث باسم الدفاع المدني المنظمات الدولية إلى الوقوف أمام مسؤولياتها، متسائلًا متى تريدون أن تُدخلوا الخيام ومتى ستتحركون، هل بعد انتهاء فصل الشتاء، بينما طالب نازحون بضرورة العمل على نقلهم من المناطق المنخفضة التي يعيشون فيها، ومن شاطئ البحر، إلى أماكن أكثر أمناً.