
كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من قطاع غزة، ونقلت أبرز القصص التي تُوثق معاناة المواطنين.
ومن أبرز المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام" مشهد بعنوان "الأمطار فصل جديد من معاناة النازحين"، ومشهد آخر يرصد تصاعد وتيرة التدمير داخل الخط الأصفر، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "المدفعية والمُسيّرات تفرض الخط الأصفر بالنار".
الأمطار تفاقم معاناة النازحين
كانت الأمطار التي هطلت مؤخراً على قطاع غزة، بمثابة كابوس كان يخشاه النازحون، لما سببته من غرق آلاف الخيام.
وأكد نازحون أن الأمطار الأخيرة هي بداية لفصل جديد من المعاناة التي ستواجههم لأشهر قادمة، لتضاف للمعاناة التي يعيشونها.
وقال النازح إبراهيم عامر، إن أكثر من 18 شهراً مضت على نزوحه من رفح والإقامة في خيمته، وقد تعرضت الأخيرة للتلف والتمزق، ومنذ أكثر من شهر يحاول صيانتها، ووضع "شوادر" وغيرها من الأمور، لكن الخيمة تحتاج للكثير، وفي ظل الأوضاع الحالية، لم يستطع فعل ذلك.
وأشار إلى أن الأمطار دخلت للخيمة، وتسببت بغرق الفراش والأغطية، موضحاً أنه يستعد لأشهر من المعاناة الطويلة، بسبب فصل الشتاء والأمطار.
وأكد أن مشكلة الرياح تعتبر أكبر من الأمطار، فالرياح القوية التي ستهب خلال فصل الشتاء، قد تتسبب في اقتلاع خيمته وغيرها من خيام النازحين، التي باتت بالية ولم تعد تحتمل الأمطار والعواصف.
بينما اشتكى نازحون من وعورة الأرض في مناطق المواصي، فهي أرض غير مستوية، أمتار مرتفعة وأمتار منخفضة، وهذا يسبّب الكارثة، فلا المطر يسير في طريقه، ولا الناس يمتلكون وسائل لمواجهة الفيضانات القادمة.
وبيّن آلاف النازحين الذين يعيشون في مناطق منخفضة، بعضها تشبه الوديان، أن خيامهم تواجه خطر الغرق الكامل، في حال هطلت أمطار بكميات كبيرة في المستقبل القريب، مناشدين العمل على نقلهم إلى مناطق أفضل.
وسبق أن أكد منسق "مركز غزة لحقوق الإنسان" محمد خيري، أنه لم تتم تلبية سوى 23% من احتياجات المأوى الشتوي، ما يعني أن نحو 945,000 شخص يعيشون دون حماية كافية.
ولفت إلى أنه وفق تقديرات الأمم المتحدة فإن هناك 1.5 مليون شخص معرّضون للبرد والأمطار، نتيجة تأخر دخول مواد الإيواء، وأن نحو 74% من الخيام الحالية غير صالحة للسكن بسبب التآكل وسوء الجودة.
وأكد المركز أن هذا الواقع القاسي يعيشه مئات آلاف النازحين، في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال فرض سيطرتها على أكثر من 50% من مساحة قطاع غزة، مانعة حركة المدنيين وباحثي الإغاثة، ومقيدة أي إمكانية للانتقال إلى أماكن أكثر أماناً أو مناسبة للسكن.
من جهته، قال جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، إن آلاف الخيام تعرضت للغرق في القطاع، داعياً النازحين في الخيام ومراكز الإيواء في كافة مناطق القطاع إلى أخذ التدابير الوقائية اللازمة لتجنب أضرار المنخفض الجوي.
تصاعد وتيرة التدمير داخل "الخط الأصفر"
شهدت وتيرة التدمير داخل مناطق "الخط الأصفر" في قطاع غزة تصاعداً كبيراً في الأيام الماضية، خاصة داخل مدينة رفح، وشرق خان يونس، وشرق مدينة غزة، ومناطق شمال القطاع.
ويومياً تنفذ قوات الاحتلال عشرات الغارات الجوية، التي تستهدف منازل ومباني داخل المناطق المذكورة، ما يتسبب بتدميرها كلياً، كما يُسمع صوت تفجيرات تنتج عن عمليات نسف لمنازل ومربعات سكنية، تنفذها قوات الاحتلال داخل المناطق المذكورة.
في حين أكد مواطنون وصلوا إلى مناطق شرق القطاع، خاصة الأحياء الشرقية لمدينة خان يونس، أن جيش الاحتلال دفع بعدد كبير من الجرافات، غالبيتها تابعة لشركات مدنية متخصصة بعمليات الهدم، حيث تقوم هذه الجرافات بتدمير عشرات المنازل بصورة يومية، كما تدمّر بنية تحتية مدنية، ويومياً تختفي مناطق جديدة عن الخارطة بفعل عمليات التدمير المتواصلة.
وقال المواطن أيمن شاهين إن ما يحدث هو عملية مسح شاملة لكل الكتل العمرانية داخل "الخط الأصفر"، بدءاً من مدينة رفح جنوباً وحتى بيت لاهيا وبيت حانون أقصى شمال القطاع، وأن أكثر المناطق تدميراً تقع في مدينة رفح.
وأوضح شاهين الذي يقطن جنوب خان يونس، أنه يُشاهد بعد كل انفجار سحابة من الدخان الرمادي تتصاعد في الأجواء، وهذا دليل على تدمير مبنى، حيث يُشاهد غبار الإسمنت والخرسانة بوضوح، إضافة إلى غبار يتصاعد بسبب عمليات الهدم التي تنفذها جرافات الاحتلال.
ووفق تحليل صور أقمار صناعية أجرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن جيش الاحتلال دمّر أكثر من 1500 مبنى في المناطق التي ظلت تحت سيطرته بقطاع غزة منذ بدء وقف إطلاق النار في 10 تشرين الأول الماضي.
وأظهرت الصور الحديثة للأقمار الصناعية أن أحياء بأكملها خاضعة لسيطرة قوات الاحتلال سُوّيت بالأرض في أقل من شهر، والمباني التي دُمرت تقع في المناطق الشرقية لجباليا وغزة وخان يونس ورفح.
ووفق ما أكدته هيئة الإذاعة البريطانية، فقد يكون العدد الفعلي للمباني المدمرة أعلى بكثير لأن صور الأقمار الصناعية لبعض المناطق غير متاحة.
بينما أكد خبراء أن عمليات الهدم تُشكل انتهاكاً لبنود وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا.
فرض "الخط الأصفر" بالنار
بات سلاحا المدفعية والطيران المسيّر التابعان لجيش الاحتلال، هما وسيلة الاحتلال لترسيخ وفرض "الخط الأصفر" بالنار، والذي يفصل المناطق السكنية في القطاع عن أماكن وجود قوات الاحتلال.
وتُطلق مدفعية الاحتلال يومياً عشرات القذائف في المناطق المحاذية للخط الأصفر، وأحياناً تسقط القذائف غرب الخط المذكور، في رسالة تحذير متجددة للمواطنين، لمنعهم من الوصول للخط الأصفر أو اختراقه.
كما تُحلّق مُسيرات إسرائيلية محمّلة بالصواريخ والقنابل والرشاشات فوق الخط المذكور مباشرة، وتطلق النار باتجاه أي شخص يقترب منه، حيث يقع ضحايا يومياً جراء ذلك، بينهم نساء وأطفال، حاولوا الوصول إلى المناطق التي يقطنون فيها، لجلب بعض الحاجيات.
وذكر المواطن محمود أبو مصطفى، أن الاحتلال لم يكتفِ بوضع مكعبات وإشارات صفراء على طول الخط الأصفر، بل بات يستخدم النار لفرض وجوده، ويقتل أي شخص يقترب من الخط المذكور.
وأشار أبو مصطفى إلى أنه ومنذ وقف إطلاق النار، استشهد وجُرح العشرات من سكان بلدات شرق مدينة خان يونس حيث يقطن، رغم أن الضحايا هم مدنيون، كانوا يحاولون الوصول إلى منازلهم، لافتاً إلى أن الاحتلال يحاول من خلال ممارساته إيصال رسالة للجميع، بأن الوصول للخط الأصفر أو اختراقه يعني موتاً محتّماً.
بينما أكد المواطن نضال عيسى، أن ما يحدث على طول الخط الأصفر لا يشير إلى أن هناك مرحلة انتقالية، أو انسحاباً وشيكاً من مناطق أخرى في قطاع غزة، فكل شيء يحدث يؤكد أن الاحتلال باقٍ في نصف مساحة القطاع، وأنه يعمل على تحويل الخط الأصفر إلى خط فصل وعزل دائم، يشبه "جدار برلين" في أوروبا، وهذا أمر بالغ الخطورة.
وأشار إلى أن الاحتلال يعزز وجوده ونقاطه العسكرية، ويقيم مواقع حصينة، ويجهز بنية تحتية على طول الخط المذكور، وهذا كله يدعم فكرة أن إسرائيل لا تنوي أبداً مغادرة هذا الخط في المنظور القريب على الأقل، وهذا يضع الوسطاء في موقف المسؤولية، فهم من رعوا الاتفاق وضمنوه، وعليهم الضغط لضمان تنفيذ بنوده، بما فيها الانسحاب الثاني من القطاع.
ومنذ وقف إطلاق النار في 10 تشرين الأول الماضي، بلغ إجمالي الشهداء 261 شهيداً، و635 مصاباً، بينما بلغ عدد جثامين الشهداء التي جرى انتشالها منذ التاريخ المذكور 533 على الأقل.