أي قارئ للأدبيات الفلسطينية بعد العام ١٩٦٧ سيقرأ عبارة «افتخ باب»، يوردها صاحب النص على لسان جندي إسرائيلي يخاطب أهل البيت المطلوب تفتيشه أو اعتقال أحد أفراده، وقد يرد بالعبرية كما في قصيدة فدوى طوقان «كوابيس الليل والنهار»:
«الجند على بابي ويلاه!
حتى الله تخلى عني حتى الله
خبئ رأسك!
خبئ صوتك!
وبنو عبس طعنوا ظهري
في ليلة غدر ظلماء
Open the Door!
Ouvre Ia Porte
افتخ إت هاديليت
افتخ باب!
وبكل لغات الأرض على بابي يتلاطم
صوت الجند
يا عبلة إني...
يا ويلي!»
ودقة الجند على الباب تختلف عن دقة الفلسطيني كما في أغنية أبو عرب «دقة أحبابنا»:
يا يمة في دقة ع بابنا/ يا يمة هاي دقة حبابنا/ ي يمة هاي دقة قوية/ دقة فدائية....
وقبل أن تكتب فدوى عن دقات الجنود يقتحمون البيوت، كانت زارت يافا وكتبت قصيدتها التي أهدتها إلى شعراء الأرض المحتلة، وجعلت عنوانها «لن أبكي» وافتتحتها بقولها:
«على أبواب يافا يا أحبائي/ وفي فوضى حطام الدور/ بين الردم والشوك/ وقفت وقلت للعينين: يا عينين/ قفا نبك/
على أطلال من رحلوا وفاتوها/ تنادي من بناها الدار...».
هل تغيب عن ذهننا عناوين روايات فلسطينية حملت أحد هذه الدوال؟
هنا أشير إلى رواية سحر خليفة «باب الساحة» (١٩٩٠).
تبدو الكتابة عن الأبواب لافتة في كتابات أدباء المخيمات الفلسطينية التي وصفوا فيها بيوتهم في بدايات نشأة المخيمات، ومع أنه ينقصني مسرد إحصائي بها، فإنني سوف أكتفي بالتوقف أمام مثالين لكاتبين استرجعا طفولتهما في المخيم، الأول هو الشاعر راشد عيسى في روايته/ سيرته «مفتاح الباب المخلوع» (٢٠١٧) وثانيهما هو الكاتب زياد أبو لبن في مجموعته القصصية «سقف الزينكو» (٢٠٢٥).
يصف الأول باب بيته في المخيم في خمسينيات القرن العشرين:
«ليس في حجرتنا الوحيدة يا نبهون أثاث يلفت الانتباه سوى سراج مغلق باستمرار فوق أعلى الباب بقليل.. الباب ينغلق حتى لا يكشف أحد أسرار الحجرة وحين ينغلق ليلاً يستريح فينام...
باب حجرتنا بلا قفل ولا مفتاح، إنه واثق من نفسه أو لعله ساخر بنفسه.. سواء عنده إن كان مصكوكاً أو مفتوحاً.. طالما اعتذرت له عندما تركله إشا/ عائشة برجلها القوية.. هو الآخر شاهد على ما يجري في الحجرة أو الحوش، ولكنه يدعي الجهل والغفلة ويخنق صريره بإخلاص.. ويدعي أنه أعمى، الباب صديقي، ومع ذلك لم يفكر قط أن يطلعني على ما يراه لأنه يعلم أني باب مثله». (٩٦)
أما الثاني فيكتب قصة عنوانها «باب لا يغلق إلا بحجر» ويصف الباب فنقرأ:
«في بيتنا في المخيم، كان الباب لا يغلق جيداً، خشبة من نوع رخيص، مفصلاته تصدر أنيناً، ومقبضه يسقط أحياناً حين يدار، لكننا أحببناه كما هو.
كان أبي يقول:
«ما في داعي للقفل.. الحرامي هون ما بيلاقي إشي يسرقه».
يغلق الباب بحجر يدفع بالقدم أثناء الدخول ويزاح حين الخروج، وأحياناً كان ينفتح من أقل نسمة... حين كبر السارد سكن في بيوت تفتح أبوابها وتغلق بمفاتيح لامعة. كان طفلاً يشعر بالأمان مع أن باب بيته لا يقفل وصار حين كبر لا يشعر بالأمان. أحياناً صار يشتاق لباب الدار الرديء.
تنتهي القصة والسارد يقول في سره:
«بعض الأبواب، حتى لو لم تغلق جيداً قد أبقتنا آمنين، أكثر من كل الأبواب المحكمة».
عندما سألت الذكاء الاصطناعي عن دال باب وأبواب في الأدب الفلسطيني، أجاب بأنهما يرمزان إلى عدة معان عميقة منها الحرمان من الحقوق الأساسية ومقاومة الاحتلال والهوية المفقودة والتحديات الوجودية. إن استخدامها يظهر الدخول إلى عوالم من الذكريات والأمل «والأقفال التي تغير لتبعدهم عن أرضهم والأبواب التي تمثل الحرية والوطن الذي يسعى إليه».
إن معاني الأبواب في الأدب الفلسطيني هي:
- الحرمان والمقاومة.
- الهوية والوجود.
- الأمل والعودة.
قبل أن أنهي المقال أشير إلى رواية «باب العمود» للكاتبة نردين أبو نبعة المتخصصة في أدب الأطفال، وهي من أدب الرسائل والسجون، الرسائل المتبادلة بين أسير وزوجته يأتيان على ذكرياتهما.
والطريف أن هناك رواية عنوانها Damascus Gate باب دمشق لكاتب أميركي (روبرت ستون)، وتدور أحداثها في القدس خلال تسعينيات القرن العشرين.
هل نعد الجسر بوابة أيضاً؟
إن عددناه، فالكتابة عنه تستحق، إذ كم من كاتب كتب بعد العام ١٩٦٧ عن عذابات الفلسطينيين على الجسر والمعابر وأولهم فدوى طوقان!
وماذا عن الحواجز؟
لقد أعدت، في الحاجز، هديل كيال، وهي من الجليل، رسالة دكتوراه في جامعة النجاح الوطنية، وكنت كتبت مطولاً عن قصة القاص أكرم هنية «زمن حسان» في مجموعته «دروب جميلة» (٢٠٠٧).
والكتابة تطول.