
بقلم: العقيد (متقاعد) الدكتور عيران ليرمان
3. «الطريق إلى دمشق» وتحوّل جهادي (سابق؟) إلى ربيب للولايات المتحدة: تأثير تركيا وقطر على السياسة الأميركية - وتحديداً على مواقف السفير في أنقرة، توم باراك، المقرب جداً من الرئيس شخصياً - يتجلى أيضاً في نقطة التقاء معقدة أخرى للسياسة الإسرائيلية والأميركية، والتي تُرجمت أيضاً إلى تحركات غير مسبوقة في هذه الحالة، على المستوى الدبلوماسي: اجتماعات على المستوى الوزاري بين إسرائيل وسورية، بمشاركة أميركية، والسعي إلى ترتيب أمني واسع النطاق بين البلدين (وربما أبعد من ذلك).
مرة أخرى، إلى جانب المزايا، فإن نهج الإدارة - الذي يتجاهل بشكل صارخ ماضي أحمد الشرع (أو كما يُعرف زعيم المتمردين، أبو محمد الجولاني) كجهادي واضح على صلة بتنظيم «القاعدة» - له ثمن باهظ من وجهة نظر إسرائيل. يُقال هذا في المقام الأول فيما يتعلق بوضع الأقليات في سورية «الجديدة»، خاصة الدروز، الذين تلتزم إسرائيل بحمايتهم، والأكراد، الذين لعبوا دوراً حاسماً في احتواء «داعش»، والذين يتسم موقفهم بالإيجابية تجاه إسرائيل. تلعب الحاجة إلى مراعاة هذه المسائل دوراً في كل من المفاوضات الأمنية مع سورية، وفي الحوار المعقّد مع إدارة ترامب حول مستقبل النظام الإقليمي ككل. الوضع أقل تعقيداً فيما يتعلق بلبنان، حيث تشارك الولايات المتحدة (وكذلك المملكة العربية السعودية والإمارات) تماماً مطلب إسرائيل، الذي أصبح الآن راسخاً أيضاً في قرارات الحكومة اللبنانية، بنزع سلاح «حزب الله». مع ذلك، من الواضح أن التوجه الأميركي - كما يتضح من الاتصالات مع المبعوثة مورغان أورتاغوس - هو التحلي بمزيد من الصبر في مواجهة الصعوبات التي تواجهها الحكومة اللبنانية الحالية.
خلاصة القول: إن إدارة ترامب تدرس المصالح الأميركية في النظام الإقليمي بأدوات أخرى - أكثر اقتصادية وعملية - من سابقاتها، وإسرائيل مطالبة في هذه المرحلة بتكييف تحركاتها مع رؤيتها العالمية، وإظهار قيمتها الإستراتيجية من خلال أفعالها. في هذا السياق، يُتيح توطيد العلاقات العملياتية مع النظام العسكري الأميركي فرصاً لاستيعاب المواقف الإسرائيلية الأساسية، ولكنه يفرض أيضاً قيوداً جديدة بشكل دوري على حرية عمل الجيش الإسرائيلي.
في غضون ذلك، يتطلب موقف الإدارة تجاه الدول والأنظمة المعادية لإسرائيل بشكل واضح - والمتعاطفة مع «حماس» والإسلاموية - بناء رد (وإن كان حذراً ومدروساً) في الساحة السياسية الأميركية. في هذا السياق، تكتسب المبادرة التشريعية للسيناتور تيد كروز، التي تهدف إلى إعلان جماعة «الإخوان المسلمين» منظمة «إرهابية» والحد من قدرتها على العمل داخل الولايات المتحدة، أهمية بالغة.
تفاقم متزايد في الصعوبات
على الساحة السياسية الأميركية
حتى وقت قريب، كان هناك ما يدعو للاعتقاد بأن قدرة أصدقاء إسرائيل على قيادة هذا النوع من التشريعات في الكونغرس لا تزال مهمة، على الرغم من الرأي العام المذكور آنفاً وتعمّق الانقسام بين الأحزاب. ويعود ذلك، من بين أمور أخرى، إلى نفوذ جماعة الضغط الرئيسة المؤيدة لإسرائيل (أيباك) التي أنشأت في الحملتين الانتخابيتين الأخيرتين للكونغرس (على عكس سياستها السابقة) «لجنة عمل سياسي» (PAC) تُموّل المرشحين المرغوب فيهم، وتُساهم في الحملات ضد أولئك الذين اختاروا اتخاذ مواقف علنية معادية لإسرائيل. وقد نجحت هذه العملية بشكل شبه كامل، في العامين 2022 و2024، وفي ظروف أخرى، ساهمت في ردع العناصر السياسية.
من الجدير بالذكر أيضاً أن «النار سقطت على الأرز»: فالمشكلة التي تواجه إسرائيل اليوم لا تقتصر على موقف المتظاهرين في الجامعات، والأكاديميين من اليسار الراديكالي، والمجموعة الصغيرة والمتطرفة من التقدميين في الكونغرس (ومعظمهم من النساء، بقيادة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز)، الذين كانوا معادين لإسرائيل حتى قبل الحرب. خلال سنوات الحرب، خاصة في خريف العام 2025، تحول العديد من أركان الحزب الديمقراطي، بمن فيهم اليهود وغيرهم ممن عُرفوا لعقود بدعمهم المستمر لإسرائيل، إلى مسار انتقادات لاذعة بشكل متزايد، لدرجة الدعوة إلى خفض المساعدات.
لطالما كان السيناتور بيرني ساندرز شديد الانتقاد، ولكن عندما دعا زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وهو يهودي وصديق مخلص لإسرائيل، إلى تغيير في القيادة بإسرائيل في وقت مبكر من آذار 2024، بدا أن صدعاً يتشكل في مكون رئيس من قاعدة الدعم الحزبية. في أوائل أيلول 2025 أعلن عضو الكونغرس، جيري نادلر، وهو مؤيد قديم لإسرائيل في مجلس النواب، أنه لن يترشح لولاية جديدة، وأنه يؤيد فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل على ضوء سياستها في غزة، ما يشير إلى تحول جذري في مكانة إسرائيل بين الديمقراطيين وداخل الجالية اليهودية الأميركية. وفي تشرين الأول، تفاقم هذا الوضع بهجوم لاذع على كل من الحكومة الإسرائيلية والمجموعة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) شنه عضو الكونغرس، سيث مولتون، من ماساتشوستس، وهو عضو بارز في لجنة القوات المسلحة ومؤيد تقليدي لإسرائيل، ويترشح الآن لمجلس الشيوخ في انتخابات 2026. وكتوجه عام، اتسع نطاق مؤيدي تقييد المساعدات الأمنية بين الديمقراطيين في مجلس النواب من أفراد معزولين إلى عشرات. يأتي هذا في الوقت الذي يتعمق فيه الانقسام السياسي في الولايات المتحدة، وتتعطل فيه الحكومة الفيدرالية إلى حد كبير بسبب عدم الاتفاق على الميزانية.
هناك ثلاثة أسباب أساسية وراء هذا الضرر الذي لحق بالمكانة السياسية لإسرائيل بين الديمقراطيين، والتي يجب على القيادة الإسرائيلية أن تأخذها في الاعتبار، حتى مع إلقاء اللوم بشكل صارخ على الرئيس ترامب ومواقفه:
1. أولاً، وقبل كل شيء، الضرر الذي لحق بالصورة الأخلاقية لإسرائيل لدى «القاعدة» الديمقراطية. في الولايات المتحدة (وبشكل أكبر في أوروبا)، اشتد هذا التوجه ابتداءً من آذار 2025، خاصةً حول مسألة «التجويع». ومن المفارقات أن هذا الانهيار حدث تحديداً في وقت كان فيه القتال أقل حدة، وأوقع عدداً أقل من الضحايا بين السكان، مقارنةً بالأشهر الأولى من الحرب، عندما كانت إسرائيل تتمتع بدعم شعبي وبرلماني، وينبع هذا، إلى حد كبير، من علامات الاستفهام التي أثيرت حول نوايا إسرائيل ودوافعها فيما يتعلق بالأفكار التي عبّر عنها الرئيس ترامب أيضاً في بداية ولايته، بشأن إخلاء قطاع غزة من سكانه.
2. يرتبط هذا ارتباطاً مباشراً بجانب آخر يُفاقم التوتر بين الديمقراطيين والحكومة الإسرائيلية الحالية: التماهي الشديد مع ترامب. ربما يكون هذا مفهوماً بالنظر إلى ظروف الحرب والنظام الإقليمي، وبالنظر إلى النهج الشخصي للرئيس، الذي كان حساساً لكرامته، ولكنه لا يزال إشكالياً للغاية في نظر معسكر واسع يشعر بالاشمئزاز منه ومن أساليبه وأنظمته. إن التظاهرات واسعة النطاق، وربما غير المسبوقة، في نطاقها، تحت شعار «لا ملوك»، تعكس قلقاً حقيقياً لدى أوساط واسعة (وليس فقط اليسار التقدمي المتميز) من المساس بأسس الديمقراطية الأميركية، بما في ذلك من خلال استخدام القوة العسكرية في المدن الكبرى، وهي تردد صدى التوترات على خلفية مخاوف مماثلة نشأت أيضاً في المجتمع الإسرائيلي (والتي تناولها الرئيس جو بايدن صراحةً آنذاك). إن الاستقطاب السياسي، كما هو موضح أعلاه، يزيد من استياء الديمقراطيين من أن القيادة في إسرائيل والمزاج العام يعكسان موقفاً يكاد يكون إعجاباً بالرئيس.
3. في أعماق الأمور، ثمة دلالةٌ أيضاً في الشرخ المتزايد (ربما يكون من الأدقّ وصفه بالصدع) - على مستوى القيم والهوية - بين شريحةٍ كبيرةٍ من يهود أميركا وإسرائيل (كما يُصوَّرون). ينتمي معظمُ يهود أميركا وأساسُهم إلى تياراتٍ غير أرثوذكسية، والتي، بسبب سلسلةٍ من القضايا العملية والرمزية (مثل فشل محاولة تنظيم «عزرات إسرائيل» عند الحائط الغربي)، تواجه الإقصاءَ بل والازدراءَ في الساحة السياسية الإسرائيلية. وفي هذا الصدد دأبت الحكومة الإسرائيلية لسنواتٍ على قطعِ الغصن الذي تستند إليه. بالإضافة إلى السببَين المفصلَين أعلاه ثمة تأثير مباشر على الواقع الذي نشأ في نيويورك، حيث وقفت أصوات شجاعة قليلة فقط في هذه المجتمعات (مثل الحاخام أمييل هيرش في الكنيس الإصلاحي الذي سمي باسم وايز) بحزم ضد ترشيح مسلم «متطرف» معادٍ للصهيونية لمنصب عمدة المدينة، وهو ترشيح كان حتى وقت قريب أمراً لا يمكن تصوره.
كل هذا، بينما يوجد حتى بين الجمهوريين من يتخذون مواقف مثيرة للقلق: بعضها نابع من مواقف معادية للسامية، صريحة أو ضمنية، وبعضها الآخر بسبب المعارضة المبدئية، بروح انفصالية، لجميع أحكام المساعدات الخارجية، وفي بعض الحالات قد تجعل الصلة الفعلية بينهم وبين اليسار التقدمي التحركات التشريعية، التي ترغب إسرائيل وأصدقاؤها في الترويج لها، صعبة.
ما العمل؟
تنبع بعض الاتجاهات الإشكالية الموصوفة هنا من ظروف الحرب، وهناك احتمال أن تخف حدتها، بل تتلاشى، إذا ما صمد «السلام الأبدي» الذي ينادي به ترامب، وتحوّل التركيز إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطته، والتي ستُتاح فيها لإسرائيل مساحة لإظهار حسن النية ونفي مزاعم «الإبادة الجماعية». مع ذلك، فإن التصدعات المذكورة أعلاه في كل ركن من أركان العلاقة الخاصة - القيمية والإستراتيجية والسياسية - بدأت بالظهور حتى قبل 7 تشرين الأول 2023، وتتطلب تركيزاً على أعلى مستوى سياسي.
على المستوى الإداري، ثمة حاجة إلى هيئة تنسيق وطنية مخصصة للعلاقات مع الولايات المتحدة بجميع مكوناتها، ويفضل أن يكون ذلك في إطار مجلس الأمن القومي، الأكثر تكيفاً من وزارة الشؤون الإستراتيجية، التي يرأسها حالياً المحور الفعلي للعلاقات مع الحكومة، لدراسة جميع المدخلات (الأمنية والاستخباراتية والدبلوماسية والاقتصادية والتوعية، وتلك المتعلقة بالجالية اليهودية) والسعي إلى تضمينها ووضع سياسة متوازنة ومتسقة.
على مستوى السياسة الوطنية، تتطلب التغييرات الناشئة في أسس العلاقة الخاصة إعادة النظر في أساليب العمل مع الولايات المتحدة، بناءً على المبادئ التالية:
1. إبراز مساهمة إسرائيل في تعزيز المصالح الإستراتيجية الأميركية في مواجهة خصومها، الذين يتعاونون أيضاً ضدها. ينبع موقف إسرائيل تجاه الولايات المتحدة، خاصةً تجاه إدارة ترامب وطابعها «المعاملاتي»، في المقام الأول من قوتها، فالأساليب المذكورة أعلاه (فوردو، كريات غات، دمشق...) مهدت، كلٌّ في جانب مختلف، لاستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران و»حماس» و»حزب الله». إن الاستعداد والقدرة على استخدام القوة لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي هما ما هيّآ الظروف لتحقيق الإنجازات السياسية التي يتفاخر بها الرئيس.
2. في الوقت نفسه، وكما أشار رئيس الوزراء في مناسبات عديدة، فقد حان الوقت، ضمن عملية تدريجية بالتنسيق مع الإدارة والتيار المركزي في مجلسَي الكونغرس، لرسم مسار الانتقال من نموذج المساعدات الحالي - والذي سيحل محله في العقد المقبل - إلى نموذج تعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية، بما يعود بالنفع على الجانبين، مع الحفاظ على الالتزام الأميركي بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل على أي مزيج من القوى المعادية، إلى جانب الاعتراف بأن دولة ذات ناتج محلي إجمالي أعلى من ألمانيا واليابان يمكنها الحفاظ على أمنها على أساس الإنتاج الذاتي، في بعض الحالات (هذا ما وجّهه رئيس الوزراء في تصريحاته حول «سوبر إسبرطة») أو من خلال المشاريع المشتركة.
3. ينبغي أن يقترن ذلك، كسياسة منهجية، بتعميق العلاقات المتبادلة التي بدأت بالفعل بين المؤسستين العسكرية والاستخباراتية في البلدين (والتي، من بين أمور أخرى، تحافظ على استمرارية وظيفية حتى أثناء التغييرات الحكومية على المستوى السياسي).
4. تُسهّل هذه المهمة، وستظل تُسهّلها، العلاقات الأمنية الإستراتيجية التي بُنيت في العقود الأخيرة، «تحت الطاولة» أو فوقها، مع عدد كبير من الدول العربية، خاصةً تلك التي تُشكّل ثقلاً موازناً في واشنطن لنفوذ تركيا وقطر، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات.
5. ليس من السهل، في ظلّ المناخ الحالي، كبح جماح إدارة طموحة وعدوانية، ولكن في ظلّ مواقف مُعيّنة - ومرة أخرى، مع التركيز على موقف الإدارة والرئيس شخصياً تجاه عناصر إقليمية مُرتبطة بوضوح بجماعة «الإخوان المسلمين» وأنصار «حماس»- من المهمّ العمل مجدداً على استعادة المكانة التقليدية للولايات المتحدة في صفوف الكونغرس بمجلسَيه. يجب عدم التخلي مُسبقاً عن دعم الديمقراطيين، أو على الأقل غالبيتهم، من التيار الرئيس، وحتى بين الجمهوريين المُخضرمين والمتمرّسين، خاصةً في مجلس الشيوخ (مثل ليندسي غراهام وتيد كروز)، فهناك، كما ذُكر آنفاً، من هم على استعداد لقيادة تحركات ضد «الإخوان المسلمين» وأنصارهم.
6. يجب أن يصاحب كل هذا تحول جذري في نمط التعامل مع يهود أميركا، وفي مستوى الاهتمام بمواقفهم من القضايا التي ستشكل موقفهم تجاه إسرائيل مستقبلاً، وتكثيف الاستثمار في العلاقات مع جيل الشباب، الذي يواجه تحديات واسعة النطاق في الحرم الجامعي، ووضع حد للاعتقاد السائد بأن إسرائيل تتجاهل عمداً معظم مكونات يهود أميركا الشمالية، وتُلقي باللوم في نجاحها على الدعم الإنجيلي. يجب أن يكون المسار الذي يربط بين الجزأين الرئيسيَّين من الشعب اليهودي في القرن الحادي والعشرين مساراً ذا تأثير متبادل.
عن موقع «معهد القدس للإستراتيجية والأمن»