تاريخ النشر: 05 تشرين الثاني 2025

المخرج باسل الخطيب.. "أكسل طالب بالصف" يُطلّق الطب ويُبدع في السينما!

 

كتبت بديعة زيدان:

 

تحت عنوان "باسل الخطيب بين السينما والتلفزيون"، استضافت مؤسسة عبد الحميد شومان في العاصمة الأردنية عمّان، مساء أول من أمس، المخرج الفلسطيني السوري، باسل الخطيب، في حوارية شاملة أدارتها الأكاديمية والممثلة الأردنية د. نجوى قندقجي، تناولت مسيرته المهنية، ونشأته، ورؤيته الفنية، والتحديات التي واجهت صناعة الدراما والسينما في سورية والعالم العربي.
استهل الخطيب حديثه بالكشف عن تفاصيل نشأته، موضحاً أن ولادته في هولندا لم تكن مصادفة، بل جاءت نتيجة لظروف سياسية ومهنية لوالده الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب، والذي "كان ممنوعاً من دخول ست دول عربية، وحصل على فرصة عمل في القسم العربي بإذاعة هولندا"، حيث انتقل إلى هناك مع والدته بعد زواجهما حديثاً، وهناك وُلد باسل، لكن رغم إقامتهم في هولندا نحو عامين بعد ولادته، كان لدى والده "إحساس انتماء" قوي لفلسطين وسورية، ولبلاد الشام عموماً، وحين جاءته فرصة عمل في دمشق، قررت العائلة الاستقرار فيها بشكل دائم، حيث أسس دار "فلسطين"، وهي من أهم دور النشر التي عملت على حفظ وتعميم الذاكرة والرواية الفلسطينية، بحيث "تعد منشوراتها مرجعاً مهماً في القضية الفلسطينية".
وأوضح الخطيب أن دخوله عالم السينما لم يكن مخططاً له على الإطلاق، بل كان يتجه لدراسة الطب، لافتاً إلى أنه كان في طفولته شغوفاً بالرسم، وتحديداً رسم "الحكايات المصورة" (الكوميكس)، ليعترف مازحاً بأنه كان "أكسل طالب بالصف"، وكشف عن طرفة مفادها أن شقيقه التوأم الحقيقي، الذي كان متفوقاً في العلوم، كان يؤدي امتحانات الرياضيات والفيزياء والكيمياء بدلاً منه، ما ساعده على النجاح.
وكانت نقطة التحول بالنسبة له، حصوله على منحة لدراسة الطب في الاتحاد السوفياتي، وهناك، "بالصدفة"، بدأ يرتاد دار سينما قريبة من سكنه تعرض الأفلام الروسية الكلاسيكية المأخوذة عن أمهات الأدب، حيث اكتشف الشغف.
ذكر أنه كان يجلس أحياناً وحيداً في صالة العرض، وشعر تدريجياً أن "هذا العالم هو العالم الذي أنا لازم أروح عليه".. أسره سحر السينما وقدرة المخرج على "خلق عالم كامل من الصور والحكايات"، فقرر تغيير اختصاصه من الطب إلى السينما.
تطرق الخطيب إلى التحديات التي واجهته بعد عودته إلى سورية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أن الإنتاج السينمائي السوري كان ضعيفاً جداً (فيلم أو اثنين سنوياً)، بينما كان الإنتاج الدرامي التلفزيوني غزيراً، وإلى أنه، في ذلك الوقت، كان المخرجون الأكاديميون ينظرون إلى التلفزيون بفوقية ويعتبرونه "فناً رخيصاً".
بعد تخرجه، انتظر أربع سنوات دون عمل، ثم قرر "بالتأكيد اختياراً" الدخول إلى عالم التلفزيون عبر مسلسل "الخريف"، وقرر أن يحاول تطبيق الأفكار السينمائية في أعماله التلفزيونية ما دام العمل في السينما غير متاح.
وأكد الخطيب أن المقارنة بين السينما والتلفزيون غير واردة بسبب ضيق الوقت والاعتبارات الإنتاجية، فالمسلسل (30 حلقة) يحوي ألف مشهد تُصور في تسعين يوماً، بينما الفيلم (100 مشهد) يُصور في 40 يوماً، ما يمنح وقتاً أكبر للجودة، معتبراً أن "تراكم الخبرة" الذي اكتسبه في التلفزيون أفاده كثيراً عندما عاد لإخراج أفلام سينمائية لاحقاً، مثل فيلم "مريم" في العام 2011.
وكشف المخرج الخطيب عن تفاصيل مشروعَين كبيرَين واجها تحديات مختلفة في مشواره الفني، ففي العام 2000، طُلب منه تنفيذ أضخم إنتاج في تاريخ التلفزيون السوري حينها، عبارة عن مسلسل حول حضارة "أوغاريت"، وتم بالفعل بناء مدينة أوغاريت بالكامل على الساحل السوري، وبعد إنجاز 65-70% من التصوير، صدر قرار مفاجئ بـ"وقف التصوير"، ليكتشف لاحقاً أن السبب كان "وشايات" زعمت كذباً أن المسلسل يتناول الصراع بين حافظ الأسد وشقيقه رفعت، بالإضافة إلى "غيرة" بعض المخرجين العاملين في التلفزيون الرسمي آنذاك.
والتحدي الآخر كان في العام 2021، حيث تلقى دعوة من وزيرة الثقافة السورية لتأسيس معهد للسينما، ورغم انشغالاته، وافق انطلاقاً من "واجب أخلاقي وأدبي" لنقل خبرته للأجيال الجديدة، وخلال ستة أشهر، نجح في تحويل مبنى فارغ إلى معهد متكامل جاهز لاستقبال الطلاب، وبعد الأحداث الأخيرة في سورية، في كانون الثاني 2023، وبعد عودته من عرض فيلم له في عمّان، كشف أنه تلقى "زيارة" من أشخاص لم يسمّهم، طلبوا منه تقديم استقالته، موضحاً أنه استجاب للطلب لتجنب أي مواجهة في ظل الجو "المشحون والمتوتر"، مُعرباً عن أسفه الشديد لأن وضع المعهد حالياً متردٍ جداً، والطلاب، بمن فيهم الدفعة الأولى التي كانت ستتخرج، "أصبحوا ضائعين".
في ختام الحوار، تطرق الخطيب إلى جوانب شخصية ورؤيته للمستقبل، حيث كشف أن ابنه "مجيد" درس الإخراج أيضاً ولكن في لوس أنجليس.. وقال مازحاً: إن ابنه يعتبر أفكاره الآن "قديمة".
وأكد الخطيب إيمانه بـ"الجيل الجديد" في الدراما والسينما السورية، موضحاً أنه ليس متفائلاً ولا متشائماً، بل يركز على "زراعة حديقته الخاصة"، مختتماً بأن أي نهضة فنية مرتبطة بعودة السلام والاستقرار إلى سورية.