جاك برسكيان - مدير المتحف الفلسطيني
نرتكز في عملنا في المتحف الفلسطيني على إنشاء مؤسسة عاملة وقادرة على تقديم برامج متنوعة، وتنفيذ مشاريع مبنية على حاجة القطاع المتحفي من جهة، وقطاع الثقافة والفنون من جهة أُخرى. وبهذا، فإن مسألة حيازة المقتنيات والمجموعات الفنية ستكون، رغم أهميتها، الأقل أهمية من حيث أولويات المتحف الفلسطيني. وسنرتكز بشكل رئيسي إلى تنفيذ برامج نوعية قادرة على إحداث تغيير تراكمي على المدى الطويل، وهو ما ندرك أنه غير قابل للتحقق دون التأسيس لشراكات مؤقتة أو دائمة. بالاعتماد على شبكة الشراكات التي بدأنا بتأسيسها في فلسطين وخارجها، ومن خلال شبكاتنا الرقمية سيكون المتحف الفلسطيني مؤسسة عابرة للحدود، وهوما يتيح له التمتع بالمرونة وسهولة التحرك رغم الحواجز والمعيقات السياسية.
وعلى إثر دراسة أجراها المتحف الفلسطيني حول المتاحف الفلسطينية مؤخراً، استطعنا حصر واحد وخمسين متحفاً، تتنوع في مقتنياتها، وتتوزع جغرافياً على امتداد فلسطين التاريخية. الملفت في هذه المتاحف، أن معظمها بدأت بجهود شخصية، وأن القائمين عليها تعاملوا مع مسألة جمع المقتنيات باعتبارها قضية شخصية في مساندة الهمّ الجماعي.
وتتركز المتاحف في فلسطين في بعض المدن على حساب مدن أُخرى، حيث نلاحظ وجود عدد كبير منها في مدن رام الله والقدس وبيت لحم وقطاع غزة، في حين أن الداخل الفلسطيني المحتل تكاد تقتصر فيه المتاحف على ثلاثة فقط. ولكن الدراسة تثبت أنه لا تخلو محافظة من محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة من متحف، بغض النظر عن حجمه وكمّ المقتنيات التي يحتويها، وهو ما يدل على اهتمام عام وهاجس جماعي.
أما فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي، فإن المتاحف في فلسطين تتوزع كما يلي:
محافظة أريحا: المتحف الروسي، متحف قصر هشام
باقة الغربية: متحف تراث باقة الغربية
محافظة بيت لحم: متحف البد، متحف بيتنا التلحمي، متحف الميلاد الدولي، متحف بنك فلسطين، متحف الرواية، متحف الحياة الشعبية الفلسطينية، متحف التاريخ الطبيعي، متحف القرى المدمرة، متحف بتير البيئي، متحف قلعة مراد الأثرية.
محافظة جنين: متحف فلسطين، متحف بلدية جنين.
محافظة الخليل: متحف جامعة الخليل، متحف البلدة القديمة، متحف دورا، متحف الظاهرية.
محافظة رام الله: متحف رام الله، متحف محمود درويش، متحف ياسر عرفات، متحف التراث الشعبي في البيرة، متحف جامعة بيرزيت التراثي والفني، المتحف الفلسطيني، متحف الشعب، متحف الذاكرة الفلسطينية في عين سينيا (مغلق حالياً)، متحف جمعية سيدات دير غسانة، متحف التراث الفلسطيني في الطيبة (مغلق للترميم).
سخنين: المتحف البلدي للتراث الشعبي الفلسطيني
محافظة طوباس: متحف يبوس
محافظة طولكرم: متحف آثار طولكرم الوطني، متحف المنطار
الطيبة- المثلث: متحف الأقصى
قطاع غزة: متحف المتحف، متحف دير البلح، متحف قصر الباشا، متحف عائلة شهوان، المتحف الفلسطيني للتراث الشعبي، متحف العقاد للتراث والآثار الفلسطينية.
محافظة القدس: المتحف الإسلامي، متحف التراث الفلسطيني، متحف أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة، متحف الأسرة المقدسية (وجود)، متحف مارديكيان للتاريخ والفن الأرمني (مغلق للترميم)، المتحف الأرثوذكسي، متحف الجيب، متحف الرياضيات، متحف الفن المعاصر- فلسطين
محافظة قلقيلية: متحف حديقة الحيوانات
محافظة نابلس: متحف البدّ زيت وزيتون أيام زمان، المتحف السامري
بالطبع، تتفاوت هذه المتاحف من حيث حجمها وطبيعة المباني التي تقام فيها، من حيث كونها مباني خاصة منشأة خصيصاً لصالح المتحف، أو في كونها تحتل طابقاً من بناء حكومي أو خاص تشغله عدة مرافق. كما تتفاوت من حيث كمّ المقتنيات التي تحتويها، فبعض المتاحف يضم آلاف القطع، في حين يتناقص العدد في المتاحف الحديثة نسبياً ليصل إلى بضع مئات فقط.
ومن خلال الدراسة التي أجريناها، تمكنا من تقسيم هذه المتاحف إلى خمسة أقسام، نسبة إلى نوع المقتنيات التي تحتويها، أو نوع الخدمات التي تقدمها، وكانت النتيجة كما يلي:
متاحف الدين والسياسة
متاحف التاريخ الطبيعي والعلوم
متاحف التراث والفن الشعبي
متاحف الفن والثقافة
متاحف الآثار والتاريخ القديم
بالطبع، لا يمكن تصنيف جميع المتاحف في فلسطين حسب هذا التقسيم المفصل، كما أن بعض المتاحف تقع تحت أكثر من واحد من هذه التصنيفات، إلا أننا استندنا في تقسيمنا إلى البنية الرئيسية لمجموعات المتاحف، بهدف الدراسة فقط لا أكثر. ويمكن القول أن معظم المتاحف تضم قطعاً تراثية وأثرية، إلا أن بعضها يختص فقط في مجال العلوم والتاريخ الطبيعي، مثل متحف التاريخ الطبيعي ومتحف بتير البيئي ومتحف الرياضيات، كما أن بعضها يختص فقط في مجال الدين، مثل متحف الميلاد في بيت لحم والمتحف السامري في نابلس، في حين يختص عدد منها في مجال الثقافة، مثل متحف محمود درويش، كما يختص كل من متحف كامب ومجموعة بنك فلسطين بالفنون المعاصرة، حيث تضم مجموعة مقتنياتها عدداً من الأعمال الفنية لفنانين تشكيليين.
ساعدتنا هذه الدراسة في التعرف على وضع المتاحف الفلسطينية الحالي، واتضح لنا أنها تجتمع على عدد من القضايا والتحديات، ومنها النقص الحاد في التمويل، والاعتماد على الموارد الخاصة للقائمين عليها في جمع المقتنيات. وعدم ملاءمة معظم المباني التي تقام فيها المتاحف، وتعرض الكثير من القطع المتحفية إلى التلف الجزئي أو الكامل، نتيجة للظروف المحيطة وعدم ترميمها، بالإضافة إلى تعرض مقتنيات عدد من متاحف قطاع غزة إلى الدمار بفعل القصف المباشر أو قصف المناطق المجاورة. وكذلك يشكل النقص في خبرات القائمين على المتاحف، وعدم وجود جهات متخصصة قادرة على إعطاء دورات تدريبية تحدياً إضافياً. والأهم من ذلك كله، ضعف التشبيك وتبادل الخبرات بين المتاحف في فلسطين، وعدم وجود جسم متحفي فاعل وقادر على الربط فيما بينها.
بالتعرف عن قرب على وضع المتاحف في فلسطين، أصبحنا أكثر يقيناً بأهمية البدء بالتخطيط التشاركي، للحد من حجم الخسائر التي يتعرض لها القطاع المتحفي، وهو ما بدأنا فعليا بالعمل عليه ضمن مشروع تطويري يستهدف البنى التحتية والعاملين في هذا القطاع، ونسعى لأن يكون مشروعاً دائماً وتراكمياً.
ونحن ندرك أن الإمكانيات المادية للمتحف الفلسطيني، ورؤيته المعاصرة وشبكة شراكاته ومنصاته الإلكترونية المتعددة، تجعل منه مؤهلا للعب دور استراتيجي عندما يتعلق الأمر بالتشبيك وخلق جسم متحفي متماسك، قادر على التنسيق ووضع الخطط وتنفيذها، بالتعاون مع شركائه في قطاع المتاحف. وهو في الوقت نفسه أمر يُحمله مسؤولية كبيرة في تخطي الكثير من العقبات، واستطلاع الحاجات الملحة لدى المتحفيين والبحث عن منافذ وبرامج تساعد في سد الثغرات.
من ناحية أُخرى، فإن واقع الصراع التاريخي على الأرض، ومحاولات التكريس للاستعمار من خلال السرقات المتكررة للتاريخ والتراث، نرى أن مقاومته تكمن في خلق حالة ثقافية مقاومة للفكر الاستعماري، وقادرة على مجابهة التردي الفكري، من خلال الانفتاح والعصرنة والحداثة، والتي لا تقلل من شأن التاريخ، وإنما تضيف له روحاً حرة قادرة على التحليق.
إن ما ندركه لأهمية دورنا يجعلنا نسعى بكل الإمكانيات المتاحة إلى التركيز على سبل تطوير أنفسنا وشركائنا في فلسطين وخارجها، خصوصاً وأننا نؤمن بالعمل الجماعي، وقدرتنا للوصول الى الجمهور المستهدف باختلاف أماكن تواجده، الفلسطينيين في فلسطين وفي الشتات، وكل المهتمين بفلسطين حول العالم، وهو ما يجعل المهمة أكثر صعوبة، ولكنه، في الوقت ذاته، يضيف متعة التحدي والإنجاز وتحقيق الذات.