طارق العربي
في روايته التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر «حياة معلقة»، لا يتحدث عاطف أبو سيف عن غزة وحسب، بل إن إسقاطات الرواية وتنويعاتها، تذهب إلى الحديث عن التحولات التي طالت فلسطين والفلسطينيين بعد أوسلو.
لا يمكن الحديث عن فلسطيني واحد دون الرجوع إلى ما قبل أوسلو وما بعدها. إذ تبدو الاتفاقية وتحولاتها حاضرة بقوة في الرواية «كبطل إشكالي»، يتحكم في مصائر الشخصيات في الرواية. فحيث لا وجود للبطل، البطل الشعبوي الذي يلتف حوله الجميع، أو البطل الذي يأتي في سياق قصة حب ومقاومة كما الحال في رواية «لغة الماء» لعفاع خلف، أو «لا ملائكة في رام الله» لإيناس العبد الله؛ هناك بطل إشكالي اكتسب أشكالاً متعددة طوال عشرين السنة الماضية، دون أن تقتصر البطولة على جانبها القتالي. كما لا يأتي تطورها من طورها القتالي المقاوم إلى طور «البطل الإشكالي» كنتاج لهزيمة في الوعي، بل بوصفه كيّاً قاسياً. بقدر ما تأتي الإشكالية كنتاج لتطور الحياة، الحداثة ومفرداتها وخطابها، وما حملته من نزعة نحو الفردانية أو الاستقلالية.
تقدم الرواية أكثر من بطل، وفي ضوء تعدد الأبطال هذا، يخلق الراوي فضاءه من مآلات الشخوص، التي تخفي في طياتها مصائر وتحولات سيرة للفلسطينيين. فالسيرة الذاتية لكل شخص، ببدايتها ونهايتها، هي سيرة جماعية للفلسطينيين، وهي سيرة استطاع الراوي وسط هذا التعدد أن يبنيها من الملهاة في غزة. في موازاة ذلك، لا يقترح الراوي إعادة نقاش هذه البطولة المفروضة على غزة، بعيداً عن معناها التقليدي ومفهومها التاريخي، إلى ما يمكن تسميته بالواقعية، أي ما هو مفروض على الناس، أي في المحصلة البطولة في غزة ليست لأحد، ليست لفرد أو جماعة، إنها مفروضة فرضاً وليس لأحد أن يقبل بها أو يرفضها.
وفق ذلك إن اقتراح الراوي بالأساس، كان في تفكيك البطولة ومعانيها في اللحظة الفلسطينية الراهنة، أو إعادة تفكيكها من جديد، وإخراج ما يمكن تسميته بـ»البطل» من دوره وفق مفهوم البطولة المطلقة الموغلة في البلاغة والتمثيل «الاتجاه الإسلامي نموذجاً»، وتيارات منظمة التحرير، على سبيل المثال لا الحصر.
نجح الراوي في رسم الصورة بعيداً عن الكليشهات، ودون التشكيك في مصداقية دور البطولة العادية في غزة، وذلك من خلال قصة نعيم، صاحب مطبعة المخيم، الذي سيموت برصاصة قناصة الاحتلال وهو يفتح باب محله. نعيم الذي كان يعمل في طباعة صور الشهداء، وبيانات الانتفاضة الأولى، سوف يرفض ابنه أن يطبع له ملصقاًـ نقرأ ذلك في النقاش بين ابنه، الذي قرر السفر إلى الخارج، وابن شقيقته الناشط في الانتفاضة الأولى.
أظهر أبو سيف أبطاله كأشخاص مكشوفين في داخل الرواية نفسها، أي بطريقة ما، لم تحكم شخوص الرواية بصورة ونمط محدد سلفاً، ولم تكن الشخوص تدور في فكرة سياسية واجتماعية واحدة، تتحرك ضمن نسيج روائي محددة قبل كتابة النص كما هو الحال عند سحر خليفة. أي أن بناء الرواية لم يأت من تصورات الكاتب، بل جاء من مخزون الواقع وتنويعاته، وتحرك في سرده الروائي دون ان يمنح اللغة دور البطولة، أو يمنح المكان ذلك المديح.
تفكيك دور البطولة يتصل بسؤال الهوية المطروق في الأدب الفلسطيني، جديده وقديمه، ويتصل بالسؤال الأخلاقي الذي يتوجب على الفلسطينيين الإجابة عليه، في ما يخص ما نريد وما نرغب وما نحلم، وما هي أولوياتنا.