تاريخ النشر: 24 آذار 2015

خصص لها حيزاً كبيراً في كتابه "الرحلة إلى بيت الله تليها الرحلة إلى رام الله"

الروائي المغربي أحمد المديني لـ"أيام الثقافة": زيارة فلسطين المشحونة بالتاريخ أفرحتني وأوجعتني في آن (2-2)

حاورته بديعة زيدان:
ولد الروائي والقاص والناقد والمترجم المغربي د. أحمد المديني، العام 1949 في مدينة برشيد، وحصل على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس العام 1987. كما أحرز دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة السوربون بباريس سنة 1990، ويعمل أستاذا جامعيا.
بدأ أحمد المديني النشر العام 1967 بجريدة العلم، وهو ذات العام الذي احتلت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وغيرها من أراض عربية، والتحق باتحاد كتاب المغرب العام 1972، وفي هذا المشوار الطويل توزع إنتاجه بين القصة القصيرة، والشعر، والرواية، والنقد الأدبي، والترجمة، نشرها في كتب، وفي عدة صحف ومجلات أجنبية وعربية، أما في الرواية فله "زمن بين الولادة والحلم" العام 1977، و"وردة للوقت المغربي" العام 1982، و"الجنازة" العام 1987، و"حكاية وهم" العام 1992، و"مدينة براقش"، و"العجب العجاب"، وأخيراً "ممر الصفصاف" العام 2014 .. وفيما يلي الجزء الثاني من نص الحوار الخاص بـ"أيام الثقافة" معه، والمخصص للحديث عن زيارته إلى رام الله وفلسطين، مع نشر مقتطفات من كتابه "الرحلة إلى بيت الله تليها الرحلة إلى رام الله":

• ماذا عن رحلتك إلى رام الله وفلسطين؟
رحلتي الى رام الله كانت كالحلم .. زرتها العام الماضي حيث كانت المغرب ضيف شرف على معرض الكتاب الدولي في فلسطين، وكنت ضمن الوفد المغربي، واعترف اني كنت محظوظا.
نحن المغاربة، فلسطين في وجداننا القومي والديني، حيث كان المغاربة منذ القدم يمرون من الكعبة بعد اداء فريضة الحج الى فلسطين لتقديس حجتهم واستمر هذا التقليد لوقت متأخر، حيث إن القدس كعبة ثانية بالنسبة لنا.
فلسطين مرتبطة بل تسكن وعي وشعور المغاربة، ولها مكانة مقدسة. ولا استطيع القول ان المغاربة كانوا يتضامنون مع فلسطين لانها جزء منهم، ولا يمكن للانسان ان يتضامن مع نفسه.
• هذا قبل الاحتلال؟
نعم .. هذا قبل ما يسمى بالنكسة ولكن تاريخ الحضور الفلسطيني في المغرب طويل ومتواصل، كما أن تاريخ النضال من اجل القضية الفلسطينية طويل ومتشعب، فرمز الشعب الفلسطيني حركة فتح المرتبطة بالزعيم ابو عمار حظيت بشعبية كبيرة في المغرب، بل ان "أبو عمار" كان يعادل في شعبيته جمال عبد الناصر عند المغاربة .. كانوا يحبونه، ولا يعينهم الإغراق في التفاصيل.
• في كتابك "الرحلة إلى بلاد الله تليها الرحلة إلى رام الله" ثمة وصف مدهش للرحلة منذ حتى ما قبل العبور .. هناك ما هو مختلف عن الشكل التقليدي لأدب الرحلات؟
الذهاب الى فلسطين كان حلماً .. كنت اسمع عن جسر اللنبي وقرأت نصوص لادباء فلسطينيين عنه، مثل مريد البرغوثي ويحيى يخلف ورشاد ابو شاور .. نصوص عن هذا العبور الصعب، لكني وجدت نفسي امام شيء شنيع اثناء العبور، وعرفت جيداً كيف يعاني الشعب الفلسطيني من هذا العبور دائما، حيث رأيت أناساً مهانين، وكيف هؤلاء الصبيان الاسرائيليون يعبثون باوراق الناس ومصائرهم ويهينونهم.
هذا الجانب وصفته بدقة في كتابي، وثم الوصول الى اريحا وانا ذاهب مع ما أرى، ومع مقروءاتي، حيث كنت اصف واستشهد .. كان رفيقاي في هذه الرحلة تاريخي المشحون باغتصاب فلسطين مع ما قرأت، وعيني اللتان ترصدان كل شيء ... كل ذلك كان شاخصاً أمامي.
أما ذروة هذه الرحلة تاريخي المشحون هي في الختام لأنها مصنفة بمقاطع وفصول زيارة القدس والمسجد الاقصى، حيث تعرضنا للضرب في نهاية الزيارة، لكنني حين كنت في باحة المسجد كانت المرة الوحدية التي احس فيها بالذهول: هل انا هو انا، وهل انا حقا في هذا المكان .. هذه القبة الذهبية التي نراها في الصور حتى لما كنا نراها من بعيد كنت اتساءل: هل انا هنا حقا ..كنت كالمخبول وحين دخلت للمسجد وصليت ركعتين ثم خرجت وهجم علينا الجنود الاسرائيليون وتفرقنا في ساحة المسجد بعد احتكاك بين المصلين والجنود، فضلت ان ابقى مع الناس ولا اخرج.

هي تجربة مغايرة حتى على مستوى سردك لها؟
صحيح .. لديّ كتب متعددة عن ادب الرحلات، ولكن هذا الكتاب من اشدها واقواها تأثيرا في نفسي، حيث عشنا اياماً جميلة في فلسطين ... اعجبت جدا بمدينة رام الله، لقد وجدتها فعلا جميلة، والطف ما شعرت به ان هناك فرق كبير بين الحديث عن فلسطين وزيارة فلسطين ... في وجداننا فلسطين اخرى، ولكني وجدت الفلسطينيين، رغم قضيتهم وآلامهم وصراعاتهم اليومية وما يعيشونه من اضطهاد على مختلف المستويات، يعيشون، ويصرّون على العيش، وهذا من حقهم .. الشباب صامدون ومقاومون، وفي نفس الوقت يفرحون ويضحكون.
ومن أصعب ما مررت به، ووثقته في كتاب "الرحلة إلى بلاد الله تليها الرحلة إلى رام الله"، هو عبوري مع الناس مع السيدات والاطفال لمعبر قلنديا في الممرات الحديدية الشنيعة، وهي تلك الممرات ذاتها التي مررنا بها في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل .. كم كان الشعور في المرتين صعباً ومؤثراً في النفس.. كتب عن رحلتي إلى فلسطين بروحي وعقلي وعيناي وكل جوارحي.