صاحب "منافي الرب" و"انحراف حاد" اعتزل الكتابة عشر سنوات بسبب فلسطين
حاورته بديعة زيدان:
يعد الروائي المصري، أشرف الخمايسي، من أهم الروائيين المصريين منذ عقد التسعينيات في القرن الماضي إلى يومنا هذا، فهذا المبدع الذي بدأ قاصاً، ثم روائياً، اعتزل عشر سنوات بسبب الموقف الذي وجده متراخياً من المثقفين عامة إزاء القضية الفلسطينية والمجازر التي تجري بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، وخاصة مشهد استشهاد الطفل محمد الدرة في حضن أبيه، عمل خلالها في رعي الغنم، وسائق "توكتوك"، وبقالاً، وغيرها، قبل أن يعود إلى الكتابة فيترشح للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) العام 2013، عن روايته "منافي الرب"، التي تتصدر منذ قرابة العامين قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في مصر، في حين ترشحت روايته "انحراف حاد" لذات القائمة هذا العام، وهو الذي سبق وأصدر رواية "صنم" العام 1999، وله العديد من المجموعات القصصية، وسبق له أن فاز عن قصة "عجلات عربة الكارو الأربع" بمسابقة "أخبار الأدب" للقصة القصيرة على مستوى الوطن العربي ... معه كان لـ"أيام الثقافة" الحوار التالي:
• اشتهر اشرف الخمايسي برواية "منافي الرب" ولكن ماذا عن الفترة السابقة لتلك الرواية؟
ما بين ظهور "منافي الرب" في العام 2013 وأول ظهور لي في الساحة الأدبية المصرية في العام 1993 عشرون عاما، نصف هذه المدة تقريبا كنت فيها من أهم كتاب جيل الشباب التسعيني، حيث أصدرت فيها مجموعتي القصصية الأولى "الجبريلية"، وروايتي الأولى "الصنم"، ثم اعتزلت الأدب والأدباء عشر سنوات نتيجة لموقف سياسي يخص القضية الفلسطينية، وتلك الأحداث التي صاحبت الانتفاضة الفلسطينية العام 2000، وأشهرها مصرع الطفل محمد الدرة على حجر أبيه أمام الكاميرات، وعلى الهواء مباشرة، لم أتحمل أن يتعامل المثقفون مع هذا المشهد الملتهب ببرود ثقافي، فتركت هذا الواقع المأزوم حتى الشهر الأخير من العام 2010.
"منافي الرب"
• لرواية منافي الرب خصوصية كبيرة بما أحدثته من جدل برأيك ما خصوصية منافي الرب؟
أعتقد أن خصوصيتها كانت في جدّة الفكرة، وبكارة المكان الذي جرت فيه أحداثها، وجرأة الطرح، فلقد كتبت هذه الرواية من غير إقامة أي اعتبارات لأية ثوابت أيا كانت، عقائدية، أو مجتمعية.
• هل فعلاً غضبت لعدم وصولها للقائمة القصيرة، وما سر استهجان البعض مما وصفوه بالصخب على صفحتك في "فيسبوك" فور إعلان وصولك للقائمة الطويلة؟
طبيعي جدا ان يصيب الواحد منا الحزن لو أن العراقيل أعاقت تقدمه نحو تحقيق هدفه، وعندما أدخل لأية مسابقة فأنا أدخل لأفوز بها، وطالما أن هذا لم يتحقق فسأحزن، تماما كما سأفرح لو تحقق هدفي، خاصة عندما تتقدم بعمل لا ينقصه شيء كي يكون الأجدر بالتتويج.
أما عن الصخب بعد ظهوري في طويلة بوكر 2014 فهذا شيء له علاقة بتكويني الشخصي، أنا إنسان أحب الصخب والضجيج، فهما العنصران الفاعلان جدا في الإحساس بالحياة، على عكس الهدوء والسكينة اللذين يماثلان هدوء وسكينة القبر.
• هل توافقني الرأي بأن "منافي الرب" تنتصر للحياة رغم حضور الموت الطاغي فيها؟
طبعا أوافقكِ، فهل ينتظر من مبدع محب للحياة مثلي غير كتابة ما ينتصر للحياة !
• "منافي الرب" كاسم للرواية يترك للقارئ مساحة لتأويلات كثيرة، ما سر هذا الاسم؟
لم يكن "منافي الرب" هو العنوان الأول للرواية، كان "فواحات العطور"، ثم "بئر الراهب"، لكن، وبينما أكتب أحداث الرواية في ثلثها الأخير، وفي إحدى الجمل الحوارية بين "حجيزي" والراهب "يوأنس" جاءت كلمتا "منافي الرب" لتتوهجا أمام عيني، تدعواني بإلحاح كي يكونا العنوان، وبالفعل، هذا ما كان، عنوان ملغز، محيّر، جذاب، مثير للفضول، مدخل رائع للرواية.
• هل ترى أن جرأتك في اقتحام مناطق يخشى الآخرون اقتحامها هي سر نجاح الرواية وانتشارها؟
الجرأة وحدها غير كافية، فمن غير طريقة الطرح، ولغة ريانة، وأسلوب سلس، وبناء مكين، يمكن أن تتحول الجرأة إلى مجرد حماقة، السرد هو سر نجاح هذه الرواية من وجهة نظري.
"انحراف حاد" و"الصنم"
• في رواية "انحراف حاد" شخصية خارقة "صنع الله" التي هي اشبه بالجوكر الذي استطاع ربط شخصيات الرواية لطرح أسئلة فلسفية، ما هي حكاية صنع الله وهل من دلالات دينية او ميتافيزيقية لهذه الشخصية الروائية التي صنعتها؟
يجب أن تكون "انحراف حاد" قد أجابت عن ماهية حكاية "صنع الله"، أما عن دلالاته الدينية أو الميتافيزيقية فأنا في حل من توضيحها، حتى لا أفرض دلالة محددة على القارئ، الدلالات تحددها عقليات القراء باختلاف تنوعهم وتعدد ثقافاتهم.
• بالعودة الى روايتك الاولى الصنم، والتي خرجت بها على شكل فصول منفصلة ومتصلة في آن، هناك من قال بأنها ليست رواية بل مجموعة قصصية باسلوب جديد؟
"اللي يقول يقول"! .. لكن هناك من رآها رواية جديدة جدا وقت ظهورها، صديقي الروائي طاهر الشرقاوي مثلا قال لي إن الأدباء في التسعينيات كانوا يعتبرونها أيقونة الرواية المصرية، الأعجب أن أدباء من الجيل الطالع حديثا يرون إنها رواية على قصرها أقوى من رواية "منافي الرب"! .. ربما بناؤها الذي يعتمد على إفراد كل حكاية بفصل منفصل هو ما دفع هؤلاء لما يقولون، لكن وحدة الشخصية وأرض الأحداث وتطور الاشتباك يؤكد أننا أمام رواية.
جدلية
• تتكرر وان كان بقالب روائي مختلف فكرة الموت والخلود في رواياتك، ألهذه الدرجة انت مسكون بجدلية الحياة والموت؟
ومن منا الذي لا تسكنه هذه الجدلية .. فقط أنا اخترت أن تكون قضيتي، وعندما أشعر أنها مكنتني شخصيا من الخلود، وقتها ستجري رواياتي في مجرى آخر.
الرواية والقراءة
• الكاتب مصطفى عبد الله في كتابه هدير السرد قال بأن الدهشة تملكته عندما عرف منك أن حصيلة ما قرأت من روايات كان 18 رواية، كيف تحقق هذه المعادلة حيث تنتج أعمالا روائية تحقق صدى واسعا بين القراء رغم قلة قراءاتك الادبية؟
أنا بالفعل لا أقرأ روايات كثيرة، كما لا أقرأ في المجمل كتبا كثيرة، لكني أقرأ الكتاب ببطء وتأمل، وأقيم مع كل فكرة حوارا .. الروائي المبدع يبحث عن كتب التاريخ وعلم الاجتماع والنفس والغرائب والعجائب، لأنها وحدها القادرة على أن تضيف لتكوينه إضافة حقيقية دون أن تستلبه شيئا، قراءة روايات الآخرين إن لم يكن متمكنا تماما قد تضعه في مآزق عديدة، أقلها التناص، والكتاب الأثمن الذي من غير قراءته لا يكون هناك مبدع هو كتاب الحياة، اقرأ الحياة بعينيك وقلبك ستكتب حكمتك ووجهة نظرك خاصتك.
نلاحظ في الفترة الأخيرة اقبالا كبيرا على الرواية وخاصة الرواية المصرية، وهناك بروز لافت للعديد من الشباب الروائيين الجدد، ما تفسيرك لظاهرة الإقبال وكيف تنظر الى اقتحام الشباب لعالم الرواية في مصر؟
• الإقبال على الرواية ليس وليد الفترة الأخيرة، بل كانت البداية في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، الأمر الذي لفت نظر الناقد الدكتور جابر عصفور فكتب، وقتها، مقالا شهيرا بعنوان "زمن الرواية"، لكن بعد الثورة بلغ الإقبال على كتابة الرواية الذروة، ربما لأنها نوعية من الأدب تتحمل الفضفضة، أو هي وعاء أدبي كبير قابل للركاكة أحياناً، أو نوعية من الفن تتمتع بالمرونة المغرية لأنصاف الموهوبين كي يمارسوه، ثم الجوائز الكبيرة المرصودة له، أسباب عديدة لانتشار الرواية.
أما عن اقتحام الشباب لها فهو أمر عادي، فنحن عندما اقتحمنا هذا الفن في التسعينيات كنا شبابا، لكن كنا نتمتع بنضوج أكبر مما يتمتع به شباب روائيي هذا الزمن، لكن الظاهرة في حد ذاتها جميلة جدا، فأن يكتب الآلاف خير من أن يكتب العشرات، الزخم مفيد.
• نفتقد في الوطن العربي الى التخصص في الرواية، فليس لدينا روائي بوليسي أو روائي متخصص بروايات الرعب او روايات جنسية مثلا، هل انت مع التخصص في الرواية أم ماذا؟
أنا مع الرواية في أي تجل من تجلياتها، بوليسيا كان أم رومانسيا، المهم أن تكون هناك رواية جيدة مبنية على أصول سليمة من سرد قوي وفكرة غير مبتذلة وبناء محكم.
• قلت مرة ان المعادلة الصعبة ان تقدم عملاً خفيفاً للقارئ يحمل عمقاً في الفكرة أي السهل الممتنع، ألا ترى أن عمق الفكرة يجب ان ينعكس على عمق في السرد واللغة ؟
ليس شرطاً طبعاً، وعمق الفكرة لا يعني بالضرورة أن التعبير عنها لا يجب ان يتم إلا بلغة عتيقة ثقيلة، أبدا، فالسهل الممتنع هو تقديم الثقيل في قالب خفيف، والفذلكة والتقعر أبسط ما يكون، لكن انتقاء الكلمات الرشيقة هو الأمر الصعب فعلا.
الروايات المصرية
• نلحظ أن غالبية الروايات المصرية هي أشبه بسيناريو مسلسل او فيلم ولذلك نرى ان الكثير منها يحول الى أفلام او مسلسلات، بينما هذا لا يكون في الروايات العربية الأُخرى، هل الأمر متعلق بصناعة السينما في مصر ام ان الروائي قرر سلفا رغبته بتحويل عمله الى الشاشة؟
السينما تغازل طبعا كل روائي غير أصيل، فيكتب والسيناريو نصب عينيه، بينما الحقيقة هي أن الرواية فن، والسينما فن آخر تماماً، وكلما استعصت الرواية على التحول إلى سيناريو كان هذا دليلاً حقيقياً على أصالتها، والتجارب السينمائية تثبت أن الروايات الثقيلة تفقد رونقها على الشاشة، لكن إغراء الشهرة والفلوس يغلب الرغبة في كتابة فن روائي حقيقي عند الكثير من روائيي هذا الزمان.
تهمة الغرور
• هناك العديد من المقالات عن شخصك غالبيتها تصفك بالغرور وتتحدث عن حكايات أنك رفضت إجراء حوار صحافي مع عبد الرحمن منيف، بل ورفضت الوقوف الى جانب نجيب محفوظ، وهناك من يقول أنك تعترف بغرورك.. ما تعليقك عما يقال حولك؟
أنا بالفعل رفضت إجراء حوار صحافي مع أستاذنا عبد الرحمن منيف قبل عشرين عاما مضت، ورفضت الوقوف لحظة دخول أستاذنا نجيب محفوظ لقاعة المؤتمرات في مؤسسة أخبار اليوم لتسليمنا جوائز المسابقة التي كان يشرف عليها، أيضا قبل عشرين عاما من الآن ... كنت وقتها صغيرا وأخشى الكبار، كنت أحتمي بتقوقعي كي لا تطمسني أضواؤهم الباهرة، كان لا بد أن أحافظ على نفسي وأحميها، الآن كم أود لو التقي عبد الرحمن منيف وأجري معه عشرة حوارات، كم أتمنى لو يعود لنا نجيب محفوظ لأقبل رأسه ويديه، لم أكن مغروراً يوماً، وإنما دائما أنا معتد بذاتي، وأعرف قيمة ما أكتبه، وأدرك قدر نفسي، ولا أتصنع التواضع، ولا أحب الاتضاع .. المغرور مخدوع، ولا أعتقد أن المبدع "ممكن أن ينخدع"، وأنا مبدع.
رعي الغنم
• هل صحيح أنك بعد أن هجرت الأدب اتجهت إلى رعي الغنم؟
صحيح، رعيت الغنم لفترة، وعملت مقاولاً في إنشاء البنى التحتية للمدن الجديدة لفترة، وفتحت ورشة "آركيت" لفترة، وعملت مديرا لمحل أغذية مجمدة لفترة، وعملت بقالاً لفترة، وركبت "توكتوك" لتوزيع البضائع على المحلات لفترة .. أعمال عديدة ومميزة، سيكون لها الفضل في ترسيخ التميز داخل أوردة إبداعاتي.
إلى فلسطين
أخيرا ماذا تقول لقرائك ومحبيك في فلسطين من خلال جريدة "الأيام" اليومية، وبالتحديد ملحق "أيام الثقافة"؟
أقول لهم إن محبة فلسطين بكل أطيافها راسخة في قلبي، وإن محمد الدرة كان السبب في تركي للحركة الأدبية لعشر سنوات كاملة، قضيتكم قضيتي، وقضية كل كاتب أو مبدع حر ... شمس فلسطين عالقة في الشروق، لكنها ستخلص من المعوقات حتما، وستطلع إلى كبد السماء، بعد أن تكونوا قد أضفتم معنى جديداً للمقاومة يجب أن تتعلمه الإنسانية.