تاريخ النشر: 02 كانون الثاني 2015


آراء
الحق على نيجيريا!؟
الكاتب: هاني عوكل


بالرغم من أن نيجيريا الدولة العضو غير الدائم في مجلس الأمن الدولي امتنعت عن التصويت لصالح مشروع قرار عربي يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الخطة الفلسطينية في هذا المجلس لم تكن لتمر في الأساس بسبب الاعتراض الأميركي عليها.
مشروع القرار الذي حصل على ثمانية أصوات، لم يحرج واشنطن أو يستفزها من أجل استخدام حق النقض "الفيتو"، خصوصاً وأن تمريره كان يتطلب توفير تسعة أصوات، لكن الصوت النيجيري خضع واستسلم للضغوط الإسرائيلية والأميركية.
قبل تمرير مشروع القرار، شنت الإدارة الأميركية حملة دبلوماسية مكثفة بغرض إفشال الخطة الفلسطينية، واتصل وزير الخارجية جون كيري برئيس أكثر من دولة، طالباً منهم عدم التصويت بغية إجهاض مشروع القرار العربي.
الولايات المتحدة اشتغلت ضد هذا المشروع من جانبين، الأول أنها مررت رسالة تقول إنها ليست مع طرح الخطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن، وإنها تستحسن وتفضل عودة المفاوضات الثنائية المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأما الجانب الآخر فقد اتصل بمسعى واشنطن إلى الإطاحة بمشروع القرار دون حاجتها إلى استخدام الفيتو، مع علمها مسبقاً بأنها ستنجح في هذا الإطار، انطلاقاً من الضغوط الهائلة التي تفرضها على كثير من الدول لتصويب مواقفها بما ينسجم مع الخط الأميركي.
صحيح أن نيجيريا خذلت الشعب الفلسطيني كونها من الدول الداعمة للقضية الفلسطينية ولأنها دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي التي دعت في أكثر من محفل ومناسبة، إلى ضرورة إنهاء الاحتلال، إلا أن المشكلة الأساسية ليست في نيجيريا إنما في الولايات المتحدة الأميركية.
ينبغي أن يتوقع الكثيرون من المراقبين أن مشروع القرار العربي لن يبصر النور دون المزيد والمزيد من العمل والتضحيات، ذلك أن الحديث لا يدور حول دولة قوية، بل هي الولايات المتحدة صاحبة أكبر نفوذ وهيمنة في العالم والدولة الأقوى بلا منازع.
من أجل تأمين مصالحها ومصالح حليفتها الاستراتيجية إسرائيل، ستفعل واشنطن أكثر من الضغط على الدول لطلب امتناعها عن التصويت في مجلس الأمن، ثم إن فشل مشروع القرار يعني الكثير، أوله يعني فشل مجلس الأمن في القيام بمسؤولياته والمهام التي قام على أساسها.
ثم إن عجز مجلس الأمن يؤكد أنه دمية في يد الكبار وخاضع لميولات أصحابه الذين يحتكرونه لمصالحهم الشخصية، ما يعني في النهاية أن هذا المجلس متواطؤ ومسؤول بشكل مباشر عن عدم إنجاح مشروع القرار.
أضف إلى ذلك أن تمرير مشروع القرار سيحتاج إلى مساومات وموافقة الأميركان عليه، وخاضع لمزاجهم ومزاج إسرائيل تحديداً، والمطلوب كان إما أن تعود المفاوضات الثنائية بعيداً عن التدويل، أو أن تفرغ الخطة الفلسطينية من مضمونها وأن لا تلبي الحدود الدنيا لحقوق الفلسطينيين حتى تمر على مجلس الأمن.
الطرف الفلسطيني ظل يعدل من مشروع القرار لإرضاء الدول العربية والغرب والولايات المتحدة الأميركية، ومع أن الأخيرة وافقت من حيث المبدأ على إقامة دولة فلسطينية تعيش إلى جانب إسرائيل، وظلت تنتقد الاستيطان وجدار الفصل العنصري، إلا أنها فعلت العكس من ذلك.
والطامة أن تل أبيب "شرشحت" جون كيري واستقبلته مع كل محاولاته لعودة المفاوضات بإعلان خطط استيطانية جديدة، وتوترت العلاقة الشخصية بين الرئيس أوباما وبنيامين نتنياهو، ومع ذلك حرصت واشنطن على إرضاء إسرائيل.
بالتأكيد سترتاح إسرائيل من فشل الخطة الفلسطينية، وهذا سيدفعها للجنون أكثر وارتكاب المزيد من الحماقات ضد الفلسطينيين، طالما أنها لا تحترم القرارات الدولية أولاً، وثانياً لا يوجد هناك من يجرمها ويلجم اعتداءاتها، وثالثاً اعتقادها أن فشل مشروع القرار بمثابة نصر لها وتأكيد على استمرار النهج في الاستيطان والتهويد وغيره.
من المرجح بعد فشل مشروع القرار هذا أن يتصاعد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، في ظل غياب الإرادة الدولية لتحقيق تسوية سلمية عادلة، ومع توجه إسرائيل نحو التطرف أكثر، وفي ضوء الخيارات الفلسطينية المتاحة للتعامل مع العدو الصهيوني.
ولا يستبعد أن تسعى الولايات المتحدة لإعادة عجلة المفاوضات للدوران من جديد، خصوصاً وأن لكل من واشنطن وتل أبيب مصلحة في العودة إلى مسار التفاوض الثنائي، إلى جانب أن جون كيري ظل يحاول جمع الطرفين الفلسطيني - والإسرائيلي تحت مظلة واحدة حتى يغلق الباب على الخطة الفلسطينية إلى مجلس الأمن.
مشروع القرار الذي لم يلق استحسان وترحيب بعض الفصائل الفلسطينية قبل التصويت عليه، فشل الآن والحاجة الفلسطينية تقتضي صراحةً عدم صب الزيت على النار والجلد والسب القاسي الذي لا يفيد أحداً، والمطلوب هو استخلاص العبر والدروس من ما جرى مؤخراً لتقوية الوضع الداخلي الفلسطيني، كوننا مقبلين على مرحلة صعبة.
نعم نحن مقبلون على مرحلة كسر العظم، وهذه تتطلب توفير حالة من التوافق الجمعي بين كافة قوى الشعب الفلسطيني، وإذا ظل الخلاف الفصائلي حاضراً حتى هذه اللحظة، فلن يكون النجاح حليفنا لا على المستوى الداخلي والوطني، ولا على مستوى المقاومة الفاعلة وإدارة الصراع مع الاحتلال، ولا حتى على صعيد الحراك الدبلوماسي الدولي.
لا ينكر أحد أننا بحاجة إلى تقييم ونقد موضوعي لمسيرة المصالحة الفلسطينية والتحرك الدبلوماسي وخياراتنا المستقبلية، لكن ينبغي أن يوجه هذا النقد لخدمة المصلحة الفلسطينية العامة ونحو تصويب أوضاعنا الداخلية وعدم حرف مسار الخلاف إلى الهاوية.
حسناً فعل الرئيس محمود عباس حين وقع طلب الانضمام لحوالى 20 اتفاقية دولية وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية، بما ينطوي على ذلك من صعوبات قد تواجه الفلسطينيين كون إسرائيل استعدت منذ البداية لاتخاذ إجراءات احترازية وعقابية رداً على أي تحرك فلسطيني مُستجد.
المسؤولية الوطنية تقتضي الآن الالتفاف والاصطفاف خلف القيادة الفلسطينية، دون إسقاط حق الشعب والفصائل في تقديم نقدها وملاحظاتها ومساءلة السلطة، لكن هذه المرحلة حقيقةً تحتاج إلى زخم شعبي وفصائلي لمواجهة حماقات إسرائيل والحرد و"الأسف" الأميركي من الرد الفلسطيني على فشل تمرير مشروع القرار العربي.
إن "توليع" وتوسيع مشكلاتنا الداخلية يخدم إسرائيل والولايات المتحدة، ويؤكد لهما أن الشعب الفلسطيني لا يحسن إدارة شؤونه ولا يستحق وطناً ودولة مستقلة، وإذا ظل حالنا هكذا بين الانقسام وتبادل الاتهامات، فإن خطواتنا هذه ستقودنا حتماً إلى الوراء وستضع المشروع الوطني الفلسطيني برمته في نفق مظلم. 

Hokal79@hotmail.com