أخيراً تمكن الفلسطينيون من وضع خطتهم على طاولة مجلس الأمن، بعد التوجه الرسمي من قبل الأردن ممثلة المجموعة العربية لتقديم مشروع قرار إلى هذا المجلس، يتصل بعملية السلام ووضع إطار زمني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
قبل وصول مشروع القرار هذا إلى مجلس الأمن، حاولت الولايات المتحدة كل الوقت من أجل إجهاض الخطة الفلسطينية، واستبدالها بخطة أميركية تستهدف استكمال المفاوضات التي تعطلت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أواخر نيسان الماضي.
كيري الذي تحمل الإهانات الإسرائيلية، واصل مساعيه لإنقاذ المفاوضات أملاً في تمييع عملية السلام دون وصولها إلى النقطة الحاسمة، بينما أظهرت إسرائيل موقفها المعادي تماماً لقيام دولة فلسطينية، مستعجلةً باتخاذ إجراءات استيطانية إحلالية تحول دون قيام هذه الدولة.
وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي، أقال نتنياهو من حكومته كل المخالفين لسياسته تجاه الفلسطينيين ولإخلاصه لفكرة تثبيت يهودية الدولة، ذلك أن تصور رئيس الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة ربما سيسمح له بإعادة تشكيل حكومة وسياسة إسرائيلية تغير من الخريطة الجيوسياسية في كامل الضفة الغربية.
الخطة الفلسطينية جاءت رداً على مهزلة المفاوضات ولأن حكومة الاحتلال تواصل الاستيطان وتهويد المقدسات، خصوصاً وأن عدم وجود خطة في ظل عدم وجود مفاوضات حقيقية، سيعني تحقيق أكبر منفعة لإسرائيل التي تستكمل مخططاتها في كل الأحوال.
الآن مشروع القرار الذي تقدمت به الأردن، من المرجح أنه سيشهد تعديلات كثيرة، ذلك أن الفلسطينيين لديهم خطة والفرنسيين لديهم مبادرة، ويريد الأميركيون خطة يوافقون عليها تناسب مقاسهم ومقاس إسرائيل.
مشروع القرار الذي تم تعديله، يتحدث عن مفاوضات لمدة عام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، على أن يتم بعدها استكمال الإجراءات التي تؤدي إلى إنهاء الاحتلال قبل نهاية العام 2017.
وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي قال إن مشروع القرار المقدم إلى مجلس الأمن هو النص الفرنسي مأخوذاً بالملاحظات الفلسطينية، لكن الرفض الإسرائيلي سواء للخطة أو المبادرة الفرنسية، يأتي انطلاقاً من عدم رغبة تل أبيب الدخول في مفاوضات ترغمها على إنهاء الاحتلال ضمن سقف زمني محدد، أي أن إسرائيل تريد عدم تدويل القضية الفلسطينية وإعادتها إلى المفاوضات الثنائية.
وأكثر من مرة جدد نتنياهو تمسك بلاده برفض الخطة الفلسطينية قبل وحتى في حال إقرارها، وهدد باتخاذ إجراءات أحادية الجانب رداً على أي تحرك فلسطيني في هذا الإطار، بينما يميع الموقف الأميركي الذي هدد في وقت سابق بأنه سيرفع الفيتو في وجه مشروع القرار.
جون كيري كان قد قال إن بلاده ليست لديها مشكلة مع مشروع القرار، شرط أن لا يزيد التوتر مع إسرائيل، ويبدو أن هذا الموقف لا يبشر بالخير وقد ينعكس سلباً على نتيجة التصويت في أروقة مجلس الأمن.
ثم إن مجرد ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة يوتر إسرائيل، فكيف أن يتقدم الفلسطينيون بخطة تتضمن انسحاب إسرائيل من أراضي 67 واعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وعلى أن يخضع ذلك بسقف زمني محدد؟؟
ما يجري الآن هو تبادل للأدوار بين الطرفين الأميركي والإسرائيلي، بمعنى أن الأول يقود حملة دبلوماسية لإجراء تعديلات جراحية كثيرة على مشروع القرار، بحيث لا يزعج إسرائيل ويسمح بتمريره في مجلس الأمن بعد أخذ موافقتها، أو أن "الفيتو" موجود في كل الأحوال وسيقابل في حال لم يخضع مشروع القرار إلى تعديل.
أما إسرائيل فإنها ستفعل مفاعيلها على الأرض، وستمضي بوتائر استيطانية متسارعة تنسف في كل الأحوال الجهود الدولية، سواء في حال وجد مشروع القرار طريقه إلى النور، أم فشل في المرور من على طاولة مجلس الأمن.
ما يتم تداوله من الإعلام هو أن مشروع القرار ربما سيحتاج إلى المزيد من الوقت للتصويت عليه، وهو وإن تعنون باللون الأزرق فإنه خاضع حسب تصريحات لمسؤولين فلسطينيين وغيرهم إلى التعديل.
وفي حين تفضل الولايات المتحدة الدخول في مفاوضات ماراثونية لتعديل مشروع القرار وجعله مقبولاً من قبل كافة الأطراف، فإن هذا الأمر مستبعد، خصوصاً وأن البون شاسع جداً بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي الذي يتعكز على استدعاء الموافقة على يهودية الدولة شرطاً لقبول المطالب الفلسطينية.
وربما سنشهد خلال الأيام المقبلة فشل مشروع القرار، إما عبر الفيتو الأميركي أو لجهة تدخلاتها نحو مطالبة الدول الأعضاء في مجلس الأمن بعدم تأمين النصاب اللازم لترجمة مشروع القرار إلى النور.
حسناً فعلت القيادة الفلسطينية حين التزمت بالذهاب إلى الأمم المتحدة لاستكمال النضال الدبلوماسي، وحسناً تفعل ان تتقدم للانضمام إلى باقي المؤسسات الدولية، ذلك أن المعركة الدبلوماسية مهمة وباتت تهدد اليوم المصالح الإسرائيلية.
لقد سعى الاحتلال الإسرائيلي طوال عقود، للاستئثار بالقضية الفلسطينية وإبعادها عن ساحة الأمم المتحدة والمحافل الدولية، وساعدت الإدارات الأميركية المتعاقبة إسرائيل في التحكم بالملف الفلسطيني بواسطة صيغة المفاوضات الثنائية.
وما يجري حالياً هو محاولة أميركية لإعادة توجيه المفاوضات على الإيقاع الإسرائيلي، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة التصدي وعدم الموافقة على أي تعديلات جوهرية تمس بالحقوق المشروعة للفلسطينيين.
ما ينقصنا الآن هو شيء واحد فقط، العودة عن الانقسام الداخلي والاستفادة من هذه التجربة النضالية الدبلوماسية الحالية لجهة تصليبها وإدامتها، لأن الخلاف الفصائلي من شأنه أن يضعف القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وعلى كافة الصعد.
إن إسرائيل ماضية في مخططاتها بصرف النظر عن أي اعتبار، وهي لم تحترم أو تلتزم يوماً بالقرارات الدولية، وحججها ومنطقها الأعوج الذي ساقته للعالم لم يعد مقبولاً الآن، وهذا يتطلب زيادة رفع الستار حتى نفضح الاحتلال ونكشف عورته أكثر فأكثر.
ما حصل في برلمانات الدول الأوروبية من تأييد للمطالب الفلسطينية، يقدم دليلاً على التحول الأوروبي لدعم القضية الفلسطينية، ونحتاج إلى استثمار تحركنا الدبلوماسي في اتجاه تحويل رمزية الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى فعل رسمي أوروبي.
أخيراً يجوز القول إن توسيع هامش النضال يضعف إسرائيل ويقزمها على مستويات كثر، لكن عبر سياسة واستراتيجية وطنية فلسطينية واضحة، قائمة على وحدة الصف الفلسطيني وجمع الأضداد، فإننا حتماً قريبون من تحقيق مطالبنا العادلة والمشروعة.
Hokal79@hotmail.com