تاريخ النشر: 19 كانون الأول 2014


آراء
إنهاء الاحتلال أم تمديد المفاوضات
الكاتب: محمد ياغي


في الوقت الذي تسعى فيه منظمة التحرير الفلسطينية للحصول على قرار من مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقدس وغزة بحلول العام 2016 تسعى فرنسا – بالتنسيق مع بريطانيا وألمانيا- وعلى الأغلب مع الولايات المتحدة الى استصدار قرار يعيد فيه المنظمة إلى المفاوضات.
الأصل أن ما تريده المنظمة هو قرار من مجلس يطلب من إسرائيل الانسحاب الى حدود ما قبل الخامس من حزيران العام 1967 خلال مدة زمنية حددتها بالعام 2016. قرار بهذا الوضوح يعني أن حدود الدولة الفلسطينية تشمل جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل العام 1967 بما فيها القدس الشرقية. وهو يعني أيضاً حق السلطة في العودة لمجلس الأمن العام 2016 لمطالبته بتنفيذ قراره في حال رفض إسرائيل للانسحاب.
المبادرة الفرنسية سعت لتفريغ المشروع الفلسطيني من مضمونه. بدل التأكيد على مسألتي الحدود وإنهاء الاحتلال في القرار- المبادرة تريد التأكيد على أن المفاوضات الثنائية هي من يقرر حدود الدولة الفلسطينية وأن إنهاء الاحتلال هي محصلة للمفاوضات التي يجب أن تنتهي خلال سنتين.
الفلسطينيون يعلمون بفعل التجربة أن المفاوضات مع إسرائيل لن توصلهم الى شيء وهدف توجههم الى مجلس الأمن هو الحصول على قرار دولي يبين حدود دولتهم ويؤكد على ضرورة إنهاء احتلال أرضهم. لذلك الحديث عن دمج عناصر من المشروعين الفلسطيني والفرنسي في مشروع القرار المقدم لمجلس الأمن غير مفهوم. كيف يمكن دمج مشروعين أحدهما أولويته إقرار حدود الدولة وإنهاء الاحتلال والثاني أولويته العودة للمفاوضات.
للأسف لم ينشر مشروع القرار الفلسطيني المقدم عبر الأردن لمجلس الأمن، وما سمعناه هو ما قاله الرئيس من أن القرار يتضمن التأكيد "على حل الدولتين على أساس حدود العام 1967 مع تبادل للأراضي وأن تكون القدس عاصمة لدولتين، بحيث تكون الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، ووضع حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق مبادرة السلام العربية وقرار 194 وأن القرار يؤكد الوقف التام لجميع الأنشطة الاستيطانية، وترتيبات أمنية بوجود طرف دولي ثالث، وترحيب بمؤتمر دولي لإطلاق المفاوضات على ألا تتجاوز فترتها مدة عام، وأن ينتهي الاحتلال الإسرائيلي لدولة فلسطين قبل نهاية عام 2017" (العربي الجديد 18 ديسمبر 2014).
هذه المقاربة - دمج عناصر من المشروع الفرنسي بالمشروع الفلسطيني- فيه تكريس لتنازلات فلسطينية ستستخدم ضدهم لاحقا. ما هي هذه التنازلات. أولا، القبول بإدخال نص في قرار دولي يتضمن قبول تبادل أراض قبل قبول إسرائيل لمبدأ الانسحاب من الاراضي التي تحتلها منذ العام 1967. ثانيا، الحديث عن القدس كعاصمة للدولتين ثم القول إن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين غير مفهوم لأن الجملة الأولى تخرج القدس من دائرة الاحتلال وتجعل حدود القدس الشرقية غير واضحة. ثالثا، الحديث عن حل لمسألة اللاجئين على أساس المبادرة العربية وقرار 194 فيه تناقض لأن الأول يثبت حق إسرائيل برفض عودة اللاجئين بينما الثاني يكرس حق اللاجئين في العودة أو التعويض. رابعاً، الحديث عن طرف ثالث ضامن للأمن معناه قبول الفلسطينيين بدولة منزوعة السلاح. 
الأصل هو أن الفلسطينيين يتوجهون لمجلس الأمن لتكريس عدة حقائق أهمها: أن حدود دولتهم هي تلك الحدود التي كانت موجودة قبل حرب العام 1967 وأن إسرائيل عليها أن تقبل هذه الحدود ثم تجري مفاوضات لتنفيذ الانسحاب قد تتطلب تبادلاً للأراضي في سياق البحث عن حل لمسألة المستوطنات. تكريس تبادل الأراضي في صياغة قرار دولي يعني إعطاء إسرائيل مسبقاً الحق في تقرير مساحة الأراضي الفلسطينية التي ستسعى للاحتفاظ بها.
كذلك هو الأمر بالنسبة لقضيتي اللاجئين والأمن. الأصل بأن التسوية بشأن هاتين القضيتين مرتبطة بإنهاء الصراع، وبالتالي ليس من المفهوم لماذا القبول بتحديد آليات حلهما قبل قبول إسرائيل بمبدأ الانسحاب وقبل رسم الحدود وقبل وضع الجداول الزمنية للانسحاب والآليات الملزمة لتنفيذه.
أما القدس كعاصمة للدولتين والقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية فهي جملة من الصعب نقاشها قبل رؤية نصوص القرار المقدم لمجلس الأمن. هل يعني ذلك مثلاً القبول بالسيادة الفلسطينية على جزء من القدس الشرقية وبسيادة مشتركة على أجزاء منها. 
من المفهوم أن السلطة الفلسطينية تريد إظهار مرونة لحشد مناصرين أوروبيين لمشروع القرار. لكننا نعلم مسبقاً أن صدور قرار عن المنظمة الدولية لا يعني بأي حال قبول إسرائيل به ولا يعني أيضاً استعداد الأوروبيين أو الأميركيين للضغط على الإسرائيليين لتنفيذه. هنالك عشرات القرارات الأممية التي رفضتها إسرائيل ولم يطالبها أحد بتنفيذها. لذلك ليس من الواضح لماذا على الفلسطينيين تثبيت موافقتهم على تقديم تنازلات في قرارات دولية يعلمون مسبقاً بأنها ستشكل نقطة بداية لتنازلات جديدة ستطلب منهم.
من مصلحة الفلسطينيين مراكمة قرارات دولية تكرس حقوقهم التاريخية. قرار واضح يؤكد الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل حرب العام 1967. قرار صريح يطالب إسرائيل بوقف نشاطها الاستيطاني وبعدم شرعية مستوطناتها القائمة. قرار يؤكد بأن القدس الشرقية جزء من الأراضي المحتلة. قرار يطالب إسرائيل بإنهاء الاحتلال. قرارات من هذا النوع تعطي المشروعية لمقاومة الاحتلال وترفع عنه الغطاء الدولي وتسهل عملية عزل الاحتلال ومحاصرته دولياً. قد لا تنجح السلطة بتمرير هذه القرارات بسبب الفيتو الأميركي أو الرفض الأوروبي لها، لكنها في الوقت نفسه تكرس فكرة أن الأميركيين والأوروبيين مسؤولون عن استمرار الاحتلال.
لست ضد إظهار المرونة وتقديم التنازلات لتسوية القضية الفلسطينية لكن هذه المرونة يجب أن تظهر عندما تسعى إسرائيل لإنهاء احتلالها وعندما يصبح ذلك أولوية لها. لكن طالما كانت أولويات دولة الاحتلال هي إحكام سيطرتها على القدس وتوسيع استيطانها في الضفة، وتجويعها لغزة، فإن أي مرونة فلسطينية فيما يتعلق بحقوقهم سيتم استخدامها ضدهم عبر تكريسها كحقائق في قرارات دولية تصبح نقطة انطلاق لتنازلات أكبر في أية مفاوضات.