تاريخ النشر: 17 كانون الأول 2014


آراء
التوجه إلى مجلس الأمن: تحرك أوروبي ـ أميركي .. بدافع الحرج !!
الكاتب: هاني المصري


مجرد أن يكون هناك نقاش حول إمكانية استخدام أميركا حق النقض من عدمه لصالح إسرائيل، هو متغير بالغ الأهمية، إذ لم يكن مثل هذا الأمر بحاجة إلى أي لقاء بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، باعتبار أن استخدام هذا الحق من قبل أميركا لصالح إسرائيل، أمر أوتوماتيكي وتصرف عادي ولا يدخل في إطار الضغوط أو المناكفات. استدعاء وزير الخارجية الأميركي لرئيس الحكومة الإسرائيلية للاجتماع به في أوروبا قبل يومين، للحوار حول ما يتعلق بإمكانية تقدم الجانب الفلسطيني، وفرنسا وربما دول أوروبية أخرى لمشروع أو أكثر حول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي إلى مجلس الأمن، هو أمر جديد في إطار العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، الحديث يدور عن إمكانية امتناع أميركا في بعض الحالات، عن التصويت لصالح إسرائيل، الجهد الأميركي منصب لدى الجانبين، الفلسطيني والأوروبي في الساعات والأيام الأخيرة، على عدم إحراجها مع إسرائيل، أميركا تضغط على الجانب الفلسطيني بتأجيل التقدم بالمشروع الفلسطيني إلى مجلس الأمن، وتضغط على فرنسا وبريطانيا وألمانيا من أجل إعادة صياغة مشروعها بما يتجاوب مع المطالب الإسرائيلية، كل ذلك حتى لا تضطر واشنطن لاستخدام حق النقض، هي لا تريد استخدامه من ناحية، وترغب في الامتناع عن التصويت، غير أنها عاجزة عن القيام بهذا الدور لأسباب تتعلق بطبيعة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية، من هنا يمكن فهم الحراك الأميركي في الساعات والأيام الأخيرة في العواصم الأوروبية التي شملت حوارات أميركية مع الإسرائيليين والأوروبيين والفلسطينيين والعرب، بهدف واحد، وهو الالتفاف وقطع الطريق على أي إحراج محتمل في ظل التوجه إلى مجلس الأمن، وبحيث بات «حق» النقض الذي تمتلكه أميركا، مسؤولية قد لا ترغب بها في مثل هذه المواقف الحساسة.
بعد التردد الأميركي الواضح حول استخدام أو الامتناع عن الاستمرار في رعايتها لإسرائيل في المحافل الدولية، خاصة في مجلس الأمن من خلال حق النقض، يعود بدرجة أساسية إلى الأجواء العامة على الصعيد الدولي، التي جعلت من إسرائيل دولة محاصرة سياسياً، موجات من الغضب تجتاح العالم، ثم التعبير عنه من خلال تزايد برلمانات الدول التي تصوت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مواجهة حقيقية مع الرؤية الإسرائيلية، مكانة إسرائيل على الصعيد الدولي، ليس لدى خصومها الدوليين، بل حتى لدى أصدقائها التقليديين بدأت تتزعزع وتتراجع، بات من الصعب الدفاع التقليدي عن الدولة العبرية، مع استمرار إسرائيل في السياسة الاستيطانية ووضع العراقيل أمام الجهود الأميركية والدولية على ملف التسوية السياسية، والمشاريع القانونية التي تصوغها إسرائيل في مواجهة الأقلية العربية في مناطق 1948، والتي تكشف وجهها العنصري الواضح، في انزياح واسع عن الادعاء بالديمقراطية التي خولت إسرائيل الدخول في نادي الديمقراطية الدولي من دون أن تتكفل بمراعاة المبادئ الأساسية لمفهوم الديمقراطية في التطبيق.. ذلك وأكثر أدى إلى قناعة داخلية لدى أصدقاء إسرائيل، ان الدولة العبرية لا تفكر على الإطلاق بالسلام، وان استمرار الادعاء بضرورة أن يتم هذا السلام عبر المفاوضات، بينما تضع كل العراقيل أمام هذه المفاوضات، ما هو مؤشر على أن إسرائيل في حقيقة الأمر، غير معنية بالتوصل إلى أي سلام حقيقي.
التحرك الأوروبي الأخير، هو ترجمة حالة الاحباط لدى هذه الدول الثلاث تحديداً، فرنسا وبريطانيا والمانيا من حقيقة أن إسرائيل ليست في وارد البحث عن سلام مع الفلسطينيين، ولكون هذا التحرك، لا يهدف إلى أن ينال الفلسطينيون حقوقهم الشرعية، بل يهدف إلى إشعار إسرائيل بأن أوروبا في حالة حرج كبير، مع جماهيرها والرأي العام لديها بالدرجة الأولى، جراء الدعم التاريخي المنافق الذي قامت عليه العلاقات الأوروبية مع إسرائيل، أوروبا تحاول أن تدافع عن نفسها أولاً وقبل كل شيء، من خلال السعي للعب دور ضاغط حتى وان كان محدوداً لإفاقة إسرائيل من رهاناتها، وإشعار الدولة العبرية أن هناك متغيرات حقيقية على الأرض، ليست لصالحها، وان أوروبا لم تعد قادرة على الاستمرار في النفاق الذي دام طويلاً.
هناك متغيرات حقيقية فاعلة، تترك بصماتها على الأداء السياسي على كافة الصعد الدولية والإقليمية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، هذه المتغيرات، وهي عموماً لصالح القضية الوطنية الفلسطينية، لم تأت نتيجة جهد سياسي ودبلوماسي فلسطيني، فحسب، بل ان قادة إسرائيل، تصريحاتهم، أقوالهم وتهديداتهم، والإجراءات الإسرائيلية على صعيد المشاريع المقدمة للكنيست، العدوان على قطاع غزة ونتائجه الدموية الكارثية والاستمرار في العملية الاستيطانية، كل ذلك أدى إلى أن تقدم إسرائيل خدمة لا يجب تجاهلها للقضية الفلسطينية من حيث أن هذه الخطوات والإجراءات، أدت إلى ما أدت إليه من متغير على صعيد الرأي العام، إسرائيل انغمست من حيث لا تدري في تقديم خدمة مجانية للسياسي والدبلوماسي الفلسطيني، الذي لم يعد بحاجة إلى البرهان على أن إسرائيل دولة عدوانية عنصرية دموية غير ديمقراطية، قادة إسرائيل، في مثل هذه الحالة، كأنهم موظفون أكفاء لدى دولة فلسطين لخدمة الأهداف الفلسطينية على صعيد العلاقات الدولية، فإسرائيل حاصرت نفسها سياسياً بفضل أداء قادتها، خاصة أن أحداً منهم لم يتمكن من إخفاء الوجه الحقيقي للدولة العبرية، باعتبارها عنصرية عدوانية، الأمر الذي يعتبر وبلا تردد، لصالح قضيتنا الوطنية.

Hanihabib272@hotmail.com