
كتب محمد الجمل:
تتواصل معاناة المواطنين والنازحين في قطاع غزة، رغم استمرار التهدئة الحالية، خاصة أن التهدئة لم تغيّر من حياتهم شيئاً، ومعاناة عشرات آلاف الأسر مستمرة، في ظل موسم الشتاء والأمطار.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من قطاع غزة، منها مشهد تحت عنوان: "الغرق كابوس متجدد يهدد استقرار النازحين"، ومشهد آخر يرصد شن الاحتلال حرب استنزاف ضد القطاع، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "المؤسسة الأميركية ترحل وتخلّف ضحاياها يئنون".
الغرق يهدد استقرار النازحين
مرة أخرى استفاق النازحون في مناطق المواصي غرب محافظة خان يونس، جنوب القطاع، على سيول من مياه الأمطار تغرق خيامهم على ما بها من فراش وأغطية، وتجرف بعضها.
وكانت الأمطار التي هطلت صباح أول من أمس هي الأكثر غزارة، حيث رافقتها عواصف رعدية ونتجت عنها سيول، أدت إلى انجراف التربة، وأغرقت مئات الخيام.
وتعاملت طواقم الإنقاذ التابعة لجهاز الدفاع المدني في غزة مع عشرات الخيام التي تعرضت للغرق، في حين تصاعدت شكاوى النازحين، مطالبين بإمدادهم بمعدات الإيواء، لمواجهة فصل الشتاء الذي مازال في بدايته.
وقال المواطن صالح المصري الذي يقطن في خيمة مع عائلته الممتدة التي يبلغ عدد أفرادها 22 شخصاً، إنه فوجئ وجيرانه بسيل من مياه الأمطار تدخل إلى خيامهم وتؤدي إلى غرقها بطريقة غير مسبوقة.
وأوضح المصري أن الوضع كان مأساوياً، فالمياه التي وصلت من منطقة مرتفعة كانت قوية، ودخلت إلى الخيام، وجرفت الفراش والأغطية، وتسببت بمعاناة كبيرة، مشيراً إلى أن شباناً من المخيم تطوعوا لمساعدة المتضررين، ووضعوا سواتر لمنع تدفق المزيد من المياه للمخيم، وأحدثوا حفراً في محاولة لتصريف المياه من داخل المخيم، وسحبها ناحية الحفر لتمتصها الأرض، لكن هذا كله كان بعد غرق الخيام.
وأشار إلى أن المعاناة مستمرة وستتجدد مع كل موجة أمطار، وأن المواطنين لا يعرفون كيف يتصرفون، خاصة أن الكثير من مناطق المواصي منخفضة، وتنجذب إليها السيول مع كل موجة أمطار غزيرة.
ولفت إلى أن الوضع في المخيمات المجاورة كان مماثلاً، وباتت الأمطار بمثابة كابوس متجدد يؤرق المواطنين، ويزيد معاناتهم.
بينما طالب نازحون بضرورة العمل على نقلهم من المناطق المنخفضة التي يعيشون فيها، ومن شاطئ البحر، إلى أماكن أكثر أمناً.
وحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن قطاع غزة يحتاج إلى ما لا يقل عن 250 ألف خيمة، و100 ألف "كرفان" لتوفير المأوى المؤقت لحين الإعمار، خاصة في ظل دخول فصل الشتاء واهتراء الخيام، وانهيار العديد من المنازل الآيلة للسقوط التي يضطر المواطنون للمكوث فيها هرباً من غرق الخيام بمياه الأمطار أو اقتلاعها بسبب الرياح.
وقال المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني محمود بصل: "إن الواقع في قطاع غزة صعب للغاية بعد هطول الأمطار الأخيرة"، ودعا المنظمات إلى الوقوف أمام مسؤولياتها، متسائلاً "متى تريدون أن تُدخلوا الخيام ومتى ستتحركون، هل بعد انتهاء فصل الشتاء".
حرب استنزاف
يخوض الاحتلال حرب استنزاف بطيئة ضد المقاومة في قطاع غزة، وضد السكان المدنيين، المرهقين جراء الحرب الطويلة وتداعياتها.
ويسعى الاحتلال من خلال الحرب المذكورة إلى منع أية محاولة للتعافي، سواء على مستوى المقاومة، أو على صعيد المواطنين العاديين، كما يمنع وصول أية مواد أو معدات لها علاقة بإعادة الإعمار والاستقرار في القطاع.
ووفق محللين وخبراء فإن الاحتلال يسعى خلال المرحلة الراهنة إلى فرض حالة جديدة في غزة، تتسم باللاحرب واللاسلم، لا يحدث خلالها أي استقرار على أي من المستويات، وفي نفس الوقت يتم فيها استنزاف قطاع غزة بكافة الوسائل والطرق.
ويرى المواطن عبد الله حدايد أن ما يحدث في قطاع غزة أصعب من الحرب، حيث هناك حالة استنزاف بطيء لكل ما تبقى من مقدرات، مشبهاً الأمر بإدخال جرعات سم ضئيلة إلى جسم شخص بهدف إضعافه وفي نهاية المطاف قتله.
وأكد أن ما روّج له على أنه اتفاق لوقف الحرب لم يكن سوى خديعة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الضغط الهادئ ومن الحصار القاتل، وبعد نحو 47 يوماً على بدء تطبيق الاتفاق بدأت معالم هذه المرحلة تتضح بشكل جلي.
ووفق حدايد فإنه من الواضح أن هذه المرحلة ستستمر لفترة طويلة قادمة، وهي إحدى وسائل الاحتلال للضغط على السكان بهدف تهجيرهم، متوقعاً أن يتم فتح معبر رفح أمام المغادرين في الفترة المقبلة، لاستكمال مخطط الضغط ثم التهجير.
بينما قال المواطن أيمن مهدي إن "الاحتلال، من خلال تقطير الهجمات، وتقليص مساحة القطاع، والحصار المالي، يهدف إلى استنزاف السكان المحليين في كافة المجالات، إضافة إلى استنزاف المقاومة، عبر استمرار استهداف قادتها، وبنيتها التحتية، وهو بذلك يسعى لتحقيق ما عجز عن تحقيقه طوال عامين من حرب الإبادة، والعدوان الشامل".
وبيّن أن الاحتلال استفاد من نموذج لبنان، ويعيد تكراره في غزة على نحو مختلف، كون غزة محاصرة، والاحتلال يتحكم بسكانها بشكل كامل.
وشدد مهدي على ضرورة أن تكون هناك خطة وطنية لمواجهة مخططات الاحتلال، "فالناس في غزة لم تعد تحتمل كل هذه الضغوط، وهم بحاجة إلى إسناد وتعزيز صمودهم، وإمدادهم بما يعينهم ويقويهم".
ضحايا المؤسسة الأميركية يئنون
أعلنت مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، رسمياً، إنهاء عمليات توزيع المساعدات في قطاع غزة، وذلك بعد أسابيع من وقف توزيع الطعام، في أعقاب انتقادات على مدى أشهر بسبب استشهاد مئات المواطنين خلال محاولتهم الوصول إلى مراكزها.
وخلّفت المؤسسة المذكورة، التي عملت نحو 4 أشهر، مئات الشهداء وآلاف الجرحى، جلهم من المُجوعين، الذين كانوا يقصدونها بهدف الحصول على الطعام، في ظل المجاعة التي فرضتها إسرائيل في تلك الفترة.
كما أسهمت المؤسسة المذكورة في توزيع طعام فاسد، حيث كشف مختصون وجود فطر "الأفلاتوكسين-B1"، على عدة أصناف من المساعدات الغذائية التي يجري تسليمها في مؤسسة المساعدات الأميركية بقطاع غزة، خاصة البقوليات، والبصل والبطاطا، وهو فطر سام وخطير، يُسبب السرطان، ما يعني أنها قد تكون زرعت المرض المؤجّل في أجساد سكان القطاع.
المواطن حازم شقفة، أحد ضحايا المؤسسة المذكورة، أكد أنه مازال يعاني من آثار الإصابة في قدمه، ويتحسر على شقيقه الذي استشهد بعد استهدافهما بقذيفة داخل مركز المساعدات الأميركية في شهر آب الماضي.
وأوضح شقفة أن المجاعة وحاجة العائلة للطعام دفعتهما، مكرهين، للتوجه إلى المؤسسة في حينه، لكنهما وجدا الموت ينتظرهما، والرصاص كان ينطلق ناحيتهما دون رحمة، مشيراً إلى أنه لا تمر ساعة دون أن يستذكروا شقيقه، ويتحسروا عليه، حيث فقد حياته من أجل أن يؤمّن لعائلته الطعام.
وأكد أن المؤسسة المذكورة كانت مكاناً للموت، يسقط داخلها الشهداء والجرحى دون مبرر، وكأنهم أهداف يتدرب جنود الاحتلال على إصابتها من بعيد.
بينما قال المواطن محمود الكرد إن نجله أصيب برصاصة متفجرة داخل المؤسسة الأميركية تسببت ببتر ساقه، وهو الآن قعيد في البيت يعاني من آثار نفسية وجسدية قاسية وصعبة، ويرفض تقبّل واقعه الجديد.
وبيّن أن ابنه الذي كان يعتمد عليه في توفير احتياجات الأسرة، وتوجه إلى المؤسسة من أجل جلب الطعام، أصبح الآن بحاجة لمن يلبي احتياجاته، والعائلة كلها تعاني بسبب إصابته، والآن عليهم أن يتعاملوا مع وضع صعب.
وأوضح أن المؤسسة الأميركية رحلت، لكنها خلّفت في آلاف البيوت المآسي والحزن، فذاك فقد ابنه، وهذا فقد ساقة، وثالث أضحى مشلولاً بسبب رصاصة أصابته داخل مراكزها، والمحصلة أنها مؤسسة لم تجلب لغزة وأهلها سوى الموت والخراب.
وعلّق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة على خبر إنهاء عمل المؤسسة المذكورة قائلاً: "مؤسسة غزة الإنسانية كانت غطاءً إنسانياً زائفاً، وحولت مراكزها إلى مصائد موت وقتل جماعي".