
كتب يوسف الشايب:
في حوارية عميقة حول الأدب والحرب والذاكرة، استضافت مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله الروائي الفلسطيني محمد جبعيتي، الذي كان من بين الفائزين، مؤخراً، بجائزة كتارا للرواية العربية عن فئة الرواية المنشورة، للحديث عن روايته الأحدث "لا بريد إلى غزة" الصادرة عن دار الآداب في بيروت.
وأكد جبعيتي، في اللقاء الذي أدارته الصحافية المتخصصة بالشأن الثقافي بديعة زيدان، أن كتابة الرواية بدأت قبل حرب الإبادة الأخيرة، بهدف أساسي هو القول، إنه "كانت هناك حياة" في غزة، رغم الحصار والمعاناة.
كان السؤال الأول من المُحاوِرة حول "شرارة" العمل، مشيرة إلى أن الرواية التي تتحدث عن غزة، اليوم، لا بد أن شرارتها كانت "حرب إبادة" وليست مجرد فكرة، إلا أن جبعيتي فاجأ الجمهور بتوضيحه، "حقيقة، بدأت بكتابة الرواية قبل حرب الإبادة على غزة، وأنهيت المسودة الأولى".
وأضاف، إن الحرب ألقت بثقلها على النص، ما دفعه لإجراء بعض التعديلات، لكنه أكد أنه لم يبدأ الكتابة بعد الحرب.. وقال، "أجد صعوبة بالكتابة عمّا حدث، وأظن أننا بحاجة إلى مسافة ووقت حتى نفهم ما جرى ونفهم هذه الصدمة".
وأوضح جبعيتي أن هدفه الأولي كان كتابة "حياة الغزي تحت الحصار وتحت الاحتلال، لكن دون أن يكون الاحتلال هو محور الاهتمام"، مشدداً على أهمية الرواية في تناولها الحياة قبل الحرب، ليقول للعالم، إنه "كانت هناك حياة، حياة صعبة وتحت الحصار، لكن كانت هناك حياة وناس يطلبون الحرية، وأن هذه المعاناة في غزة لم تبدأ في السابع من أكتوبر".
ورداً على سؤال زيدان حول غياب تفاصيل المكان (الشوارع والحارات) في الرواية، رغم أن عنوانها "غزة"، أقر جبعيتي بأنه لم يزر غزة من قبل، وفسّر ذلك بأن تركيزه لم يكن على "غزة كفضاء مكاني"، بل على "الحالة"، موضحاً، "فكرت في الحالة قبل المكان"، رابطاً إياها بروايته السابقة "الطاهي"، ففي الأولى، شاب يُعطب جسده برصاصة تمنعه من تحقيق حلمه بالطبخ، وفي "لا بريد إلى غزة"، شاب يُصاب في قدمه، ما يمنعه من مواصلة رياضة "الباركور" التي يحبها.
وكشف جبعيتي عن أن الفضاء المكاني الذي اهتم به هو "فضاء المقبرة"، معتبراً أنه لم يُكتب عن المقبرة فلسطينياً بما يكفي، مقارنة بالسجن، وقال، إن المقبرة "غنية بقصص الموتى والميثولوجيا والجانب الأسطوري والحكايات الشعبية"، وخلص إلى أن "الهدف كان الكتابة عن حياة الناس وليس المكان.. المكان يُدمّر وينتهي، لكن حياة الناس تبقى ويجب أن تُكتب".
تدور الرواية حول شاب مولع برياضة الباركور، لكنه يُجبر على العمل كـ"حفار قبور" مثل والده، وعن هذه المفارقة، قال جبعيتي، إنه ينجذب "للشخصيات الهامشية"، مثل حفار القبور، ورياضة "الباركور" التي اكتشف أنها "لعبة مشهورة في غزة".
وتتميز الرواية بحضور قوي لـ"الغرائبية"، كسماع البطل لأصوات الموتى، وظهور شخصية الشهيد ككائن طائر، وعن ذلك، قال جبعيتي، إنه منذ روايته "غاسل صحون يقر شوبنهاور" وهو يدمج "ما بين الواقع والحلم والعالم الفنتازي"، مضيفاً، "ما حدث في غزة يفوق العقل والتصور.. لا أرى أن هناك حدوداً حادة ما بين الواقع والخيال".
واعتبر جبعيتي أن هذا الأسلوب هو "تقنية" أيضاً، "لأطلق العنان للمخيلة"، ولتكون الرواية "فيها متعة" للقارئ حتى وهي تتناول مواضيع ثقيلة كالحرب والموت.
ونفى جبعيتي أنه يكتب "في المنطقة الآمنة" ويتجنب "الثالوث المحرم"، مشيراً إلى أن أعماله الأولى كانت "صدامية" و"جريئة"، لكنه أوضح تطور فلسفته في الكتابة، بالقول، "لا أريد أن أحول الرواية إلى مقال سياسي أو شعارات أو تصفية حسابات.. الذكاء في الأدب أن تقول الأشياء بطريقة غير مباشرة"، وأكد أنه بات يفكر "في الأدب" و"الفنية" أكثر من "مهاجمة أحد أو شخصية".
واختتم جبعيتي حديثه عن المستقبل بعد فوزه بجائزة كتارا، كاشفاً عن أن لديه مخططاً لرواية جديدة (9 صفحات) عن "شخصية هامشية" أخرى، لكنه "متريث"، واصفاً الجائزة بأنها "نعمة ونقمة"، ففي حين تمنحه "دفعة معنوية"، إلا أنها "تشعره بالمسؤولية" بحيث "يجب أن يكون العمل القادم أفضل"، وهذا "يقلل من الحرية والاندفاع"، مختتماً اللقاء بتوقيع نسخ من روايته للحضور.