
كتب يوسف الشايب:
في أمسية جمعت بين النقد الأدبي والعمق السياسي، استضافت قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، الروائي الفلسطيني عارف الحسيني، في حوارية موسعة حول ثلاثيته الروائية عن القدس: "كافر سبت"، و"حرام نسبي"، و"نُص أشكنازي".
الأمسية، التي أدارها الكاتب والإعلامي رامي مهداوي، وافتتحها مدير عام مؤسسة محمود درويش فتحي البس، كشفت عن المنهج الفكري والبحثي الذي اعتمده الحسيني في تشريح واقع القدس.
افتتح البس الأمسية مؤكداً أن المتحف "يعيد الاحتفال" بثلاثية القدس لعارف الحسيني، واصفاً إياه بأنه "المهندس والروائي" الذي "يحمل هم القدس"، مُستذكراً مقولة للحسيني، في إطلاق سابق لإحدى رواياته، مفادها: "أنتم لا تعرفون شيئاً عن القدس.. أما أنا سأتحدث عن القدس الحقيقية".
انطلاقاً من هذه النقطة، بدأ مهداوي حواره موجهاً له سؤالاً محورياً حول الدلالات الدينية الواضحة في عناوين الروايات الثلاث، فجاء رد الحسيني دون مُواربة: "أنا مؤمن تماماً أن أصل الصراع بيننا وبين الآخر هو صراع ديني".
وأوضح الحسيني أن الجوانب السياسية والاستعمارية والإحلالية موجودة، "لكن الجوهر" الذي حاول كشفه هو أن "المحور الديني هو المحور الحاسم في هذا الصراع"، مشيراً إلى أن العالم الغربي "أريح له" أن يتعامل مع الصراع كخلاف سياسي على أرض، متجاهلاً هذا العمق.
وكشف الحسيني عن منهجيته العميقة في البحث، مؤكداً أنه أمضى سنوات في قراءة وفهم "الآخر" من مصادره، مُطلقاً دعوة واضحة، بأن "يجب أن يصدر قرار بتعليم اللغة العبرية بالعمق لكل فلسطيني".
وأوضح أنه تعمّق في قراءة الأدب العبري، وتحديداً "أدب المستوطنين"، و"العهد القديم"، وسير الحاخامات، لفهم كيف يفكرون وماذا يُحكى لهم، مشدداً على أن هذا الفهم ضروري، مدافعاً عن منهجه بمقوله "عمي فيصل الحسيني": "زيارة السجين ليست تطبيعاً مع السجان".
وفي سياق نقده للذات الفلسطينية، حول ما أسماه بـ"السيستم"، روى الحسيني قصة رمزية عن رجل ذهب "للمركز الوطني للدجاج" ليشتري دجاجة للمقلوبة، وبعد أن أمضى ساعات في التنقل بين عشرة طوابق لملء استمارات توصيف الدجاجة، وصل للمدير العام الذي قال له: "دجاج فش عنا، بس السيستم كيف؟"، مُعتبراً أن هذا هو حال بعض المؤسسات التي يصبح فيها "السيستم" هو الهدف، بدلاً من تحقيق الهدف الأساسي.
في مداخلة من الحضور حول ما إذا كانت "السردية الفلسطينية" قد أخذت مكانتها بعد السابع من أكتوبر، أجاب الحسيني بصدق: "نحن لم نكتب سرديتنا بعد، كما أننا منقسمون حولها.. كل واحد فينا بيحكي إشي، بينما الطرف الآخر كتب سرديته ويحاول تسويقها، رغم أن الفلسطينيين هم أصحاب الحق".
كما شهد اللقاء مداخلات نقدية، منها مداخلة للكاتب والناقد تحسين يقين الذي أشاد بالروايات لتقديمها "القدس بعد العام 1967"، ومداخلة أخرى حول موقع ثلاثية الحسيني مقارنة بأعمال سابقة عن القدس، ليرد الحسيني بأنه حاول الابتعاد عن "سياق المديح" والوصف السياحي، والتركيز على "القدس الحقيقية" بأوجاعها الداخلية.
وقرأ الحسيني في الأمسية مقطعاً من روايته "كافر سبت"، وسط تفاعل من الحضور الذي ضمّ نخبة من المثقفين والمهتمين.
ش