تاريخ النشر: 01 تشرين الثاني 2025

رحيل الشاعر والمترجم والإعلامي الفلسطيني إسكندر حبش

 

كتب يوسف الشايب:

 

فُجع الوسط الثقافي العربي، برحيل الشاعر والمترجم والإعلامي الفلسطيني إسكندر حبش، مساء أول من أمس، عن عمر يناهز 62 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، هو الذي صدرت له، مؤخراً، مختارات شعرية عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين في رام الله، بعنوان "هذا الأزرق الذي أضعته"، جاء في تظهيرها: في مختاراته الشعرية هذه يُؤصل الشاعر إسكندر حبش الحلم الفلسطيني العريض، والأمل الذي حمله بعد الاقتلاع في العام 1948، ليستقر في لبنان مع أبناء شعبنا المهجرين تحت سياط النار والاغتيال، بعودة إلى أوله.. ظل خيط الحنين مشدوداً نحو البلاد لتطبقه هذه المختارات إليها في عودة رمزية مجازية".
ونعى الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، مساء أول من أمس، حبش، "الذي أخلى مكانه في الفانية لعالمٍ يحتويه، ويتركنا على فراغِ حيِّزه الوسيع من غير عوض قادر على ملء مكانه، وهو المثابر والمناضل والمبدع المكين، والمؤمن بعدالة قضية شعبه، والمدافع بكل عنفوان عن حقه في العودة إلى اللدّ، موطن والديه والأجداد".
وكان حبش، وفي حوار مع موقع "ضفة ثالثة" في أيار 2020، قال صراحة: ولدتُ في مدينة بيروت، لكن من أصول عائلية مختلفة، تنتمي إلى فلسطين من حيث عائلة أبي.. أنا من آل حبش الذين هُجّروا من اللد، أنتمي إلى عائلة "الحكيم"، جورج حبش (ابن عمّ والدي)، أما الناحية الأرمنية، لا الأرمينية، فعائدة إلى جدتي لوالدتي، وحين أقول أرمنية فأنا أقصد ذلك المكان التاريخي الذي اعتقله الأتراك العثمانيون، وقاموا بقتل شعبه وتهجيره، لأن أرمينيا الحديثة ليست سوى كيان سياسي بمعنى من المعاني، وحين زرته قبل سنين، لم أشعر بأي ارتباط لي معه، على العكس ممّا حصل حين زرت "دورتيول" (تبعد 26 كم عن الإسكندرونة)، مدينة جدتي لوالدتي، إذ قررت قبل عقد من الزمن، وفي لحظة من تلك اللحظات الإشراقية التي تصيب المرء، أن أعود وأسير، ليس على الأقدام بالطبع، على طريق هجرتها، من مدينتها وصولًا إلى مدينة حلب السورية، ومن ثم إلى مدينة "عنجر" اللبنانية، قبل أن تسكن عائلتها بيروت.. اتخذت الطريق الذي كانت كلّمتني عنه في أحاديثي معها. وتابع في الحوار ذاته: أتمنى ذات يوم أن أقوم بالأمر عينه فيما يخص طريق هجرة والدي.. يمكنني القول إنني ولدت من هجرتين.. أمّا سورية، ونظراً لهذه الظروف التاريخية التي مرت بها عائلتيّ، فقد عشت فيها لفترات طويلة متقطعة، بدءاً من طفولتي الأولى ولغاية اليوم.. أنتمي إلى كلّ تلك البلدان، وبخاصة إلى لبنان الذي شكلّني وأتاح لي الكثير على كافة المستويات والصُعد.
وفي آذار الماضي، شدّد حبش في "دردشة" مع "الأيام"، عبر ملحقها الثقافي، على فلسطينيّته بالقول: فلسطين ليست بحاجة إلى شرح، هي حياة نعيشها بكلّ تفاصيلها.. عائلة والدي من اللد، وعاشت لفترة طويلة في يافا.. جاءت إلى لبنان بعد النكبة، وعاشت أيضاً في الفترة الأولى في "مخيم مار الياس"، قبل أن تستطيع الانتقال إلى مكان آخر.. نعم أنا قريب "الحكيم" ومن العائلة نفسها، ربما لذلك لم "أشرح" نفسي.. أعتقد ببساطة، أنني لم أتكئ على "القضية" لأجعلها "رافعة" للنص والحياة، لكن ليس معنى هذا أن فلسطين غير حاضرة في العديد من قصائدي.. مثلا كتاب "تلك المدن" وهو قصيدة طويلة، تحاول أن تستعيد الحلم الفلسطيني عبر سيرة والدي.. ما أريد قوله إنني لم أكتب نصاً أيديولوجياً، بل كنت أحاول تقديم مقولات أخرى.
ونعت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين "إلى جماهير شعبنا وأمتنا العربيّة، وإلى الحركة الثقافيّة والتقدميّة في الوطن العربي والعالم، رحيل المثقف العربي الكبير، الشاعر والصحافي والمترجم إسكندر حبش، الذي غيّبه الموت بعد مسيرةٍ طويلة من الإبداع والالتزام والفكر الحرّ".
ووُلد حبس في بيروت العام 1963 لعائلةٍ ومنذ ثمانينات القرن الماضي، كان من بين الوجوه التي أسّست لمشهدٍ شعريّ جديد في لبنان والعالم العربي، وأسهم في إطلاق مجلاتٍ شعريةٍ طليعيّة، كما أدار الصفحة الثقافية في جريدة السفير اللبنانية، حيث كرّس قلمه ومساحته لنصرة الثقافة التقدميّة والفكر الملتزم، مؤمناً بأن دور المثقف لا يقلّ أهميةً عن دور المناضل في الميدان.
أصدر عدداً من المجموعات الشعرية، منها: "بورتريه رجل من معدن" (1988)، و"نصف تفاحة" (1993)، و"تلك المدن" (1997)، و"أشكو الخريف"، و"لا أمل لي بهذا الصمت" (2009)، و"لا شيء أكثر من هذا الثلج" (2013)، و"إقامة في غبار" (2020)، وكان آخر عطائه كتابه الحواريّ "ضوء الأمكنة المتناغمة" الصادر عن أكاديمية دار الثقافة ودار الفارابي، وهو شهادة شعرية على رؤيته للكتابة كبحثٍ دائم عن النور الإنساني داخل الكلمة.
وكان حبش من أبرز المترجمين العرب الذين نقلوا إلى لغتنا أصواتاً عالمية مؤثرة، فعرّف القارئ العربي على فرناندو بيسوا، وأمبرتو إيكو، ومارغريت دوراس، وألساندرو باربكو، وميخائيل بولغاكوف، وعتيق رحيمي، وألساندرو باريكو، وغيرهم الكثير.