كتب خليل الشيخ:
"لعلها شهيدة تشفع لي في يوم الحساب"، بهذه الكلمات واست الشابة فاطمة السعدي (26 عاماً) نفسها وهي تودع مولودتها التي توفيت في حضانة بمستشفى شهداء الأقصى، بعد حمل لم يستكمل شهوره الطبيعة.
وفيما تحرص الأم عفاف (31 عاماً) على زيارة وليدها بين وقت وآخر في حضانة المستشفى، وسط تخوفات من أن يلاقي نفس مصير مولود المواطنة فاطمة، لا تنقطع دعواتها كي يبقى جنينها البكر على قيد الحياة، وأن يتعافى من سوء وضعه الصحي الذي يعاني منه.
وقالت فاطمة لـ"الأيام" إنها مرت بفترة حمل معقدة عانت في شهورها الأخيرة من سوء تغذية ونقص في الرعاية الصحية، مشيرة إلى أن النتيجة كانت ولادة جنين أنثى بصحة غير جيدة توفيت على إثرها بعد مكوث أيام قليلة في الحضانة.
أما الأم عفاف، وهي نازحة في مخيم "الست أميرة" وسط دير البلح، وسط قطاع غزة، فأوضحت أنها وضعت جنينها الذكر قبل أسبوعين، وصنفت ولادته من الولادات المبكرة، ونصحها الأطباء بوضعه في حضانة لعدم اكتمال نموه، وللضرورات القصوى بعدم ملائمة خيمتها لوضعه الصحي.
وقدرت أوساط طبية في حديث لـ"الأيام" أن النساء الحوامل والواضعات حديثاً يعانين من نقص كبير في المقومات الطبية، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الطبية.
ويتردد عدد غير كبير من النساء اللواتي وضعن حديثاً والحوامل على أقسام صحة المرأة في المستشفيات العامة بالقطاع، فيما تبحث أخريات عن مثل هذه الرعاية لدى عيادات ومستشفيات تابعة لجهات دولية ومؤسسات صحية محلية.
وأعربت المواطنة عفاف عن أملها بأن يحظى وليدها بالحياة رغم النقص في مقومات الحضانات المتوفرة في المستشفيات الحكومة، فيما قالت المواطنة السعدي إنها ستعلق مسألة الحمل طالما استمرت المجاعة والحرب في قطاع غزة.
لا تقتصر نتائج سوء الواقع الصحي للحوامل والوالدات على نقص الرعاية الصحية فقط، بل ساهمت المجاعة وسوء التغذية واستمرار القصف في ولادة أجنة مشوهين، حسب مدير عام وزارة الصحة منير البرش.
وأوضح البرش أنه تم تسجيل نحو 128 حالة تشوه أجنة منذ بداية العدوان حتى بداية الأسبوع الحالي، لافتاً إلى أن ذلك نتيجة المجاعة الشديدة ونقص المكملات الغذائية للنساء الحوامل.
وأشار في سياق بيان أصدرته الوزارة، أول من أمس، إلى أن هناك انخفاضاً في عدد حالات الولادة بقطاع غزة، قدر بنسبة 41% خلال النصف الأول من العام الجاري.
وذكرت مصادر طبية أخرى أن إسرائيل تواصل إبادة النسل في قطاع غزة، في سياق حرب الإبادة التي تشنها على غزة، منذ نحو 21 شهراً.
من جهتها، جلست النازحة أريج على دكة وسط حشد من الحوامل في جمعية "جذور" بشارع الجلاء في غزة، اللواتي كن ينتظرن دورهن في إجراء الكشف والمتابعة الطبية.
وبينت أريج أنها حضرت إلى العيادة للمرة الثالثة فقط في حملها الحالي منذ ستة أشهر، لافتة إلى أن الرعاية التي وجدتها في المرات الأولى كانت محدودة.
ولوحظ تكدس العشرات من هؤلاء النساء لإجراء فحوص وخدمات طبية مناسبة للنساء الحوامل، وسط آمال في الحصول على مكملات غذائية تعينهن على مواجهة المجاعة ونقص الطعام.
ونشرت وحدة المعلومات الصحية في وزارة الصحة بيانات وأرقاماً تتعلق بحالات الولادة في القطاع خلال النصف الأول من العام الجاري، مشيرة إلى أنه تم تسجيل 17 ألف حالة ولادة فقط، أي بمعدل انخفاض 41% عن الفترات السابقة.
وقالت وحدة المعلومات: "توفي من هؤلاء المواليد نحو 2600 جنين ومولود، وأن 220 حالة وفاة حدثت أثناء الحمل وقبيل موعد الولادة"، مشيرة إلى أن حالة التشوه الخلقي بين المواليد بلغت 67 حالة خلال النصف الأول من العام الجاري أضيفت إلى نحو 61 في العام الماضي، ليبلغ العدد الإجمالي 128 حالة تشوه.
وقدرت الوحدة دخول نحو 2500 حالة للحضانات، بينها 1600 مولود بوزن أقل من المتوسط، فضلاً عن حدوث 1460 حالة ولادة مبكرة في قطاع غزة، نتيجة القصف المباشر والخوف وقلة الغذاء.