كتب محمد الجمل:
انتهت المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، دون الدخول في المرحلة الثانية، أو التوافق على تمديد المرحلة الأولى، وما زال الغموض وعدم الوضوح يُسيطر على الموقف، والجميع يترقبون ما ستؤول إليه الساعات والأيام المقبلة.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من داخل قطاع غزة، بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، من بينها مشهد يُسلّط الضوء على مخاوف المواطنين من تجدد الحرب، ومشهد آخر يُوثق تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية بعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، ومشهد ثالث يرصد قلق ومخاوف المواطنين من تجدد المجاعة في غزة.
مخاوف من عودة الحرب
تُسيطر حالة من القلق والترقب على المواطنين في قطاع غزة، خاصة النازحين الذين عادوا إلى بيوتهم حديثاً، بعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، دون التوافق على تمديدها، وعرقلة الاحتلال مفاوضات الدخول في المرحلة الثانية.
وبدا واضحاً أن حكومة الاحتلال تحاول التنصل من الاتفاقيات التي وقعت عليها، بفرض شروط جديدة، تتمثل في تمديد المرحلة الأولى، دون التعهد بنهاية الحرب، أو إكمال الانسحاب من قطاع غزة.
وقال المواطن أحمد عوض، إنه عاد إلى مدينة رفح، وأقام في منزله المتضرر، لكنه يشعر بالقلق، ويتابع الأخبار باستمرار، ويخشى كغيره من المواطنين عودة الحرب، والنزوح، والمجازر.
وأشار عوض إلى أنه بدأ يشعر بالقلق منذ اليوم الـ16 من المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة، حين امتنعت إسرائيل عن إرسال وفد للتفاوض بشأن المرحلة الثانية، ثم تبع ذلك تصريحات وتهديدات إسرائيلية باستئناف الحرب، ومؤخراً وضعت إسرائيل اشتراطات لا يمكن لأي عاقل قبولها، وكأنها تقول أريد الأسرى دون وقف الحرب، وهذا أمر إنما يدلل على نوايا إسرائيلية خبيثة، ورغبة في نسف الاتفاق، والعودة للحرب، من أجل الحفاظ على الائتلاف الحكومي الهش، ومنع انهياره.
وأوضح عوض أنه يقع على الوسطاء مسؤولية إلزام الأطراف بتطبيق ما تم التوقيع عليه من اتفاقات، واستمرار تنفيذ باقي مراحل الصفقة، خاصة أن دولاً كبرى من بينها مصر، والولايات المتحدة الأميركية، وقطر كانت ضامنة للاتفاق.
في حين أكد المواطن يوسف أبو جزر، أنه ورغم أن بيته في مناطق شرق رفح ما زال قائماً، إلا أنه لم يعد إليه، وبقي في منطقة المواصي، لأنه يعلم جيداً أن إسرائيل خاصة رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو لا يؤتمن لهم، وهم أكثر من ينقضون العهود، لذلك فضل الانتظار إلى ما بعد المرحلة الأولى، ويشعر بأن الأمور غير مُستقرة، وفرص عودة الحرب من جانب إسرائيل مرتفعة.
ولفت إلى أنه ورغم ذلك فإن موقف إسرائيل صعب أمام العالم، وحتى أمام المجتمع الإسرائيلي، ففي حال عادت إلى الحرب على هذه الشاكلة، سيكون واضحاً أن إسرائيل هي من نسفت الاتفاقات، وعادت للحرب، وهذا سيُعرضها لانتقادات واسعة.
تصاعد في وتيرة الاعتداءات
منذ انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق التهدئة، بدأ الاحتلال بتصعيد تدريجي في عدوانه على قطاع غزة، من خلال شن غارات جوية، وعمليات قصف مدفعي، وإطلاق نار.
وشهدت بلدة بيت حانون غارة جوية، استهدفت مجموعة من المواطنين، وأسفر عنها وقوع ضحايا، كما شهدت مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، قصفاً مدفعياً وعمليات إطلاق نار مُكثفة، بالتزامن مع تقدم للدبابات في أكثر من محور.
كما تصاعدت عمليات تحليق الطائرات في الأجواء بشكل مُكثف، بالتزامن مع حركة نشطة لآليات الاحتلال العسكرية داخل وعلى حدود قطاع غزة.
وأعرب مواطنون عن قلقهم من تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية، التي تزامنت مع تصريحات لنتنياهو، هدد من خلالها بإنهاء وقف إطلاق النار، في حال لم توافق حركة "حماس" على تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، ولم تُطلق سراح المزيد من الرهائن.
وقال المواطن أمير صالح، الذي يقطن وسط مدينة رفح، إن الأخيرة شهدت تصاعداً كبيراً في الاعتداءات منذ فجر أمس، وجرى إطلاق قنابل ضوئية ليلاً بشكل مُكثف، كما أطلقت الدبابات قذائف مدفعية سقطت معظمها في مناطق مخيم الشابورة، ووسط المدينة، وأحياء السعودي، وزعرب، وتل السلطان.
وبيّن أن الأبراج الآلية "رافعات"، والدبابات المُتمركزة على طول محور صلاح الدين الحدودي "فيلادلفيا"، لم تتوقف عن إطلاق النار طوال النهار.
بينما قال مواطنون يقطنون مناطق شرق قطاع غزة، إنهم لمسوا تصعيداً كبيراً في اعتداءات الاحتلال، إذ تعرضت قرى شرق مدينة خان يونس، لإطلاق نار مُكثف، تخلله حركة نشطة للآليات العسكرية، وقد تسبب ذلك في استشهاد شاب.
في حين تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على مناطق شمال القطاع، ووسطه، وشهدت عدة مناطق عمليات إطلاق نار متواصلة، تخللها إطلاق قذائف مدفعية وصوتية.
بينما اشتكى نازحون يقيمون في مناطق المواصي الساحلية، من عمليات إطلاق نار مكثفة من زوارق الاحتلال، تعتبر الأعنف منذ بدء التهدئة، تخللها إطلاق قذائف باتجاه الشاطئ، ما تسبب بوقوع أضرار كبيرة.
مخاوف من تجدد المجاعة
سادت حالة من القلق أوساط جميع المواطنين في قطاع غزة، خشية تجدد المجاعة في القطاع، بعد إغلاق الاحتلال المعابر، ومنع دخول السلع والمساعدات.
وتدافع عشرات الآلاف من المواطنين للأسواق، لشراء السلع الغذائية الضرورية، بهدف تخزينها، تحسباً لطول فترة إغلاق المعابر، وتجدد المجاعة، كما كان عليه الحال في شهري تشرين الثاني وكانون الأول الماضيين.
ولوحظ اختفاء السلع في الأسواق، بعد أن قام باعة وتجار بإخفائها، تمهيداً لاحتكارها، كما حدث ارتفاع حاد على الأسعار، ما خلق حالة من الإرباك في الأسواق.
وقال المواطن يوسف جابر، إنه استفاق على خبر إغلاق المعابر، ومنع دخول المساعدات، وتوجه مُسرعاً إلى السوق، لشراء كيس طحين، وسكر، وزيت طعام، وبعض السلع الأساسية، لكنه فوجئ باختفاء معظم ما ذكره، وما هو متوفر كانت أسعاره عالية جداً، حيث تجاوز الارتفاع على الأسعار حاجز 300%، في بعض السلع.
ولفت إلى أنه استغرب مما حدث، فقبل ساعات فقط كانت الأسواق مليئة بالسلع والبضائع، وفجأة اختفى كل شيء، والأسعار ارتفعت بشكل كبير.
بينما قال المواطن ياسر جمعة، إنه عانى في السابق بسبب المجاعة، لذلك وضع خطة بمساعدة زوجته، تتلخص في إبقاء مواد تموينية في المنزل تكفي لشهرين على الأقل، ورغم ذلك أيقظته زوجته وطلبت منه التوجه للسوق، وشراء المزيد من السلع، لكنه فوجئ بغلاء، واحتكار، واختفاء سلع على نحو غير مسبوق، منذ أكثر من شهر.
وأشار جمعة إلى أن المواطنين قلقون من تجدد المجاعة، وذكريات الأشهر الماضية ما زالت عالقة في أذهانها، لذلك ليس غريباً أن يحدث كل هذا التزاحم، والبحث عن السلع، لكن المُقلق والمحزن ما فعله التجار من إخفاء متعمد للسلع والبضائع.
من جهته، قال البائع أحمد بربخ، إنه ومن خلال ما شاهده من كميات كبيرة من السلع والطحين، التي دخلت غزة في الفترات الماضية، يثق بأن القطاع فيه من السلع الغذائية، ما يكفي سكانه لشهرين على الأقل، فقط ما يحتاجه الناس في هذه المرحلة هو عملية تنظيم الأسواق، ومحاربة الاحتكار، وأن يشتري كل شخص حاجته فقط، دون المبالغة في التخزين.
وأعرب بربخ عن اعتقاده بحل الأزمة المذكورة، وهي محاولة ضغط إسرائيلية لتقبل حركة "حماس"، بتمديد المرحلة الثانية، وحتى لو رفضت ففي نهاية المطاف ستضطر إسرائيل لفتح المعابر من جديد.