كتب محمد الجمل:
تواصلت معاناة المواطنين والنازحين في قطاع غزة، رغم مرور نحو ثلاثة أسابيع على بدء تطبيق اتفاق التهدئة، وما زالت الخيام البالية تُواجه مخاطر المنخفضات الجوية، فيما يعيش النازحون ظروفاً مأساوية.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من داخل قطاع غزة، منها مشهد يرصد الأضرار الكبيرة التي لحقت بالخيام جراء الرياح العاتية، التي رافقت المنخفض الجوي، ومشهد آخر تحت عنوان: "ثمار الزيتون في غير موعدها"، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على الأثر المحدود الذي شعر به النازحون بعد دخول المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة، في أعقاب اتفاق التهدئة.
أضرار غير مسبوقة في الخيام
لحقت أضرار كبيرة وغير مسبوقة في خيام النازحين، جراء المنخفض الجوي الأخير، الذي وُصف بأنه الأقوى منذ بداية فصل الشتاء الحالي.
وتكشف في الساعات الماضية حجم الضرر الكبير الذي لحق بالخيام، جراء الرياح العاتية، والأمطار الغزيرة، حيث قدرت مصادر محلية بأن نحو 70% من الخيام تطايرت أو تضررت بشكل بليغ، خاصة مع الساعات الأولى من فجر أول من أمس.
وقال المواطن إسماعيل هاشم، إن الرياح القوية، التي هبّت لأكثر من 18 ساعة متواصلة، كانت بمثابة كارثة حلّت على النازحين وخيامهم، فرغم أن غالبية المواطنين ثبتوا خيامهم، وعملوا على تقويتها، إلا أنها كانت أضعف من أن تصمد أمام الرياح.
وأشار إلى أن خيمته انهارت على عائلته في جنح الظلام، وأنه سحب أبناءه من تحتها، وانتقلوا إلى مكان آخر، وقضوا واحدة من أصعب الليالي في حياتهم، وفي الصباح عاد لنصب خيمته التي تمزق بعض جوانبها، وغرق مُحيطها بمياه الأمطار.
ولفت إلى أنه يُواصل صيانة الخيمة، وجلب "شادر" جديد لتغطية الجزء الممزق، ويأمل بأن ينتهي الأمر بأسرع وقت ممكن، ليعود ويستقر في الخيمة.
وأوضح هاشم أنه كان يتمنى أن يعود وأسرته إلى مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، حيث يقع منزله، لكنه لم يستطع فعل ذلك، بسبب استمرار تواجد قوات الاحتلال في مناطق جنوب المحافظة، وهو مُجبر على البقاء في مواصي خان يونس.
بينما قال المواطن عبد الله معمر، إن الوضع كارثي في منطقة المواصي، ومشهد الخيام وهي مُدمرة، وأصحابها في محيطها يجمعون أغراضهم وحاجياتهم كان من المشاهد الصعبة، خاصة أن معظم النازحين فقراء، لا يستطيعون جلب خيام جديدة، أو حتى صيانة خيامهم المُتضررة.
وأكد أن هناك مخاوف كبيرة لدى النازحين من وصول منخفضات جوية أخرى في الفترات المقبلة، ما يعني مزيداً من الضرر للخيام، ومعاناة أكبر لقاطنيها.
وشدد على وجوب سرعة التدخل ونجدة المتضررين، بإقامة خيام جديدة لهم، وتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم.
ثمار الزيتون في غير موعدها
فوجئ عائدون إلى بيوتهم ومزارعهم، خاصة في مناطق شرق وشمال مدينة رفح، التي ما زالت أشجار الزيتون تتواجد فيها، بوجود جزء من الثمار ما زالت على الأشجار، وهي ثمار سوداء في اكتمال نضجها، رغم انتهاء الموسم.
وسارع العائدون إلى جني الثمار وتجميعها، وبيعها أو تخليلها، باستخدام الملح، لتناولها لاحقاً.
وأوضح مواطنون أن وجود الثمار على الأشجار في هذا الوقت المتأخر نسبياً، وبعد مرور أكثر من 3 أشهر على انقضاء موسم الزيتون، يعد أمراً غير اعتيادي، وربما لم يتكرر من قبل، وقد عزا مزارعون أسباب ذلك إلى عدة أمور، أبرزها أن الأشجار لم يتم جنيها، أو حتى الاقتراب منها، وبقيت الثمار عليها، والثاني انعدام الري منذ شهر أيار الماضي، ما أحدث جفافاً جزئياً لدى الأشجار، وبالتالي بقي جزء من الثمار على الأشجار ولم يسقط، والسبب الثالث يعود إلى تأخر موسم الأمطار خلال الفترة الماضية، واستمرار دفء الجو رغم حلول الشتاء.
وقالت المواطنة إيمان عبد الله، إنها عادت إلى منزلها شرق مدينة رفح، بعد أن اضطرت لتركه لنحو 9 أشهر، وخلال تفقد المنزل فوجئت بشجرتي الزيتون المزروعتين في فنائه مكتنزتين بالثمار السوداء المائلة للون البنفسجي، وأن جزءاً كبيراً من الثمار سقط على الأرض لكنه ما زال بحال جيدة، ويمكن جمعها والاستفادة منها.
وبينت أنها سارعت إلى جني المحصول برفق، سواء المتواجد على الأغصان، أو الذي سقط على الأرض، وقامت بغسله، ومن ثم وضعت الملح عليه، تمهيداً لتخليله.
ولفتت إلى أن الثمار كانت متميزة، ونضجها مُكتمل، وهي تنتظر حتى يكتمل تخليلها للبدء بأكلها، متوقعة أن يحدث ذلك في شهر رمضان، الذي بات على الأبواب.
وقالت، إنها لم تتوقع في حياتها أن تجني ثمار الزيتون في نهاية شهر كانون الثاني وبداية شباط، لكنها فعلت ذلك في الهدنة، مؤكدة أن هذا منحة من رب العالمين، وهدية للعائدين إلى بيوتهم.
من جهته، قال المواطن خالد رجب، إنه فوجئ لدى تجوله في سوق مواصي خان يونس، بكميات من الزيتون الأسود الناضج معروضة على بعض البسطات، وهذا أمر غريب وغير معهود في مثل هذا الوقت من العام، وحين استفسر عن مصدرها، أخبره الباعة بأنها جُلبت من رفح، واشترى كمية منها، وقامت زوجته بوضع الملح وزيت الزيتون عليها، وهي ثمار شهية حين يتم تناولها مع مختلف الأطعمة، وتعتبر بمثابة فاتح للشهية، تُقدم على مختلف الأكلات.
أثر محدود للمساعدات
وصلت خلال الأيام الماضية كميات كبيرة من المساعدات الغذائية والتموينية إلى قطاع غزة، من خلال معبر كرم أبو سالم، بينما لم يتم رصد أثر حقيقي لهذه المُساعدات، وما زال غالبية المواطنين يشتكون من قلة وصولها إليهم، وعدم استفادتهم منها، خاصة النازحين في المخيمات، الذين واصلوا شكواهم بسبب شح المساعدات.
وشوهدت خلال الفترات الماضية كميات كبيرة من لحوم الأضاحي السعودية، تُباع في أسواق قطاع غزة، رغم أنها جاءت كمساعدات، ومن المفترض أن يتم توزيعها على المواطنين والنازحين، دن أن يُعرف كيفية وصولها للأسواق.
وذكر المواطن يوسف رشيد من سكان منطقة المواصي الساحلية، أنه توجه إلى مدينة رفح من خلال شارع صلاح الدين في اليوم الرابع من اتفاق التهدئة، وشاهد بعينيه عشرات الشاحنات المُحمّلة بالسلال الغذائية، ومختلف أنواع المُساعدات تصل إلى قطاع غزة، قادمة من معبر كرم أبو سالم، وتوقع أن يتم إغراق القطاع بالمساعدات، وأن يتلقى النازحون والمواطنون كميات كبيرة منها، لكن حتى الآن هذا لم يحدث، وكل ما تسلّمه منذ بداية اتفاق التهدئة كان سلة غذائية وحيدة قدمتها له وكالة الغوث "الأونروا".
وحسب اعتقاده فإن عدم تسلّم الجميع مساعدات كافية يعود لأمرين، الأول تسريبها إلى الأسواق، وكان هذا واضحاً، فجميع أنواع المُساعدات باتت تُباع في السوق علناً، والسبب الثاني يعود إلى سوء التوزيع، فهناك مناطق ومخيمات غرقت بالمساعدات على حساب مناطق أخرى، ولا يُعرف ما هي الطريقة المتبعة في التوزيع، لكنه يثق بأن العملية يشوبها الكثير من الظلم، وهو والكثير من المواطنين غير راضين، ويأمل بأن يُسهم نظام التسجيل الإلكتروني الجديد في خلق نوع من عدالة التوزيع.
وأشار المواطن هشام عطية، إلى أن ملف المُساعدات من أكثر الملفات التي تحتاج إلى شفافية، وتتطلب أن يتم تشكيل لجنة وطنية لإدارتها، فمن الواضح أن الأمر يشوبه الكثير من الشُبهات، ومن الأفضل أن يتم تسليم كل المساعدات التي تصل إلى وكالة الغوث "الأونروا"، فهي المؤسسة الأكثر قدرة على تغطية جميع الأسر، ولديها قاعدة بيانات، ومراكز، ومندوبون، وتصل إلى الجميع، وثقة الناس فيها عالية، بخلاف باقي المؤسسات التي أظهرت عدم أهليتها لإدارة هذا الملف.
وقال، المواطنون مُنهكون، والفقر تغلغل في جميع المناطق، لذلك يجب الإسراع في توزيع المساعدات بشكل عادل، ودون إبطاء، وأن ينال الجميع حصصاً متساوية.