تاريخ النشر: 19 كانون الأول 2024

"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من العدوان المتواصل على غزة

 

كتب محمد الجمل:


ما زال العدوان الإسرائيلي متواصلاً بصورة واسعة على كافة أنحاء قطاع غزة، لليوم الـ439 على التوالي، مع استمرار توسيع العمليات العسكرية شمال وجنوب القطاع، وتفاقم معاناة النازحين القاطنين في الخيام.
الأيام" واصلت نقل مشاهد جديدة ومتنوعة من قطاع غزة، منها مشهد يرصد تأثيرات اشتداد برد الخيام ليلاً على النازحين، ومشهد آخر تحت عنوان: "الاحتلال يُوسّع إحراق مدينة رفح"، ومشهد ثالث يسلّط الضوء على تزايد مخاطر حدوث كارثة بيئية وشيكة شمال القطاع.

 

برد الخيام يشتد في الليل
بات النازحون يكرهون قدوم الليل، لما يُشكّله من معاناة كبيرة لهم ولعائلاتهم، بسبب اشتداد البرد في هذا الوقت، خاصة لمن يقيمون في مناطق المواصي الساحلية.
ففي كل ليلة، تتدنى درجات الحرارة بشكل كبير، وتهب رياح شرقية شديدة البرودة، ما يؤثر سلباً على النازحين، الذين يعيشون في خيام بالية، ولا يمتلكون ملابس كافية، ولا أغطية تقيهم البرد.
ويلجأ نازحون إلى تغطية خيامهم بطبقة أخرى من النايلون، من أجل تخفيف أثر البرد، في حين يبحث آخرون عن أغطية إضافية لأطفالهم.
وقال النازح ماجد حمدان: إنه بات يكره الليل، فلم يترك أي وسيلة إلا وقام بها من أجل تخفيف آثار البرد على أطفاله لكنه فشل، فالخيمة البالية مهما تمت تغطيتها بـ"شوادر" ونايلون، تظل باردة، خاصة مع هبوب رياح شرقية في كل ليلة.
وأكد أنه عاش أسوأ أسبوع في حياته، فمنذ العاشر من كانون الأول الجاري، تزايد البرد يشكل كبير، ويشعر في بعض الأحيان أنه يعيش وأسرته وسط ثلاجة كبيرة.
ولفت إلى أن أبناءه أصيبوا بالإعياء جراء البرد، وصحتهم تتراجع، ويبحث عن أغطية إضافية ولم يستطع توفيرها بسبب غلاء الأسعار.
من جهته، أشار المواطن هشام نصر، إلى أن منطقة المواصي من أسوأ المناطق على الإطلاق، فصيفها شديد الحرارة، وشتاؤها شديد البرودة، موضحاً أن المشكلة بوجود فارق كبير جداً بين درجات الحرارة في الليل والنهار، ففي النهار تتجاوز درجات الحرارة حاجز الـ25، ويكون الجو دافئاً وجميلاً، وما إن تغيب الشمس، ويبدأ الليل بالدخول، حتى تبدأ درجات الحرارة بالانخفاض التدريجي، لتصل ذروة البرد في ساعات الفجر الأولى.
وبيّن أن "الناس كلهم يشتكون من البرد، والجميع يحاولون تدبير أمورهم"، قائلاً: كل هذا البرد ولم تحل مربعانية الشتاء بعد، فكيف سيكون الحال في شهري كانون الثاني وشباط، وهما يشهدان ذروة البرد والأمطار؟.
وأوضح أن معاناة الناس تتطلب تحركاً عاجلاً من جهات الاختصاص، والمؤسسات الإغاثية، لحل مشكلاتهم، أو على الأقل تخفيفها.

 

الاحتلال يُوسّع إحراق رفح
كثفت قوات الاحتلال عملياتها العسكرية في محافظة رفح، وبدأت بإحراق المدينة على نحو غير مسبوق.
وشوهدت من محافظة خان يونس، سحابات كثيفة من الدخان تتصاعد من قلب مدينة رفح، خاصة حي الجنينة، ومخيم الشابورة، ومناطق تتواجد في مركز المدينة.
وأكدت مصادر محلية وشهود عيان، أن جيش الاحتلال أحرق بعض المباني والمرافق المهمة في رفح، خاصة برج عوض، وعمارات في منطقة السوق، إضافة إلى مبانٍ في حي الجنينة شرق المحافظة.
ووفق المصادر ذاتها فإن مرحلة الحرائق جاءت بعد تنفيذ عمليات تدمير كبيرة وغير مسبوقة في المحافظة، خاصة في حي الجنينة، ومنطقة المواصي، وأحياء ومخيمات مركز المدينة.
وقال المواطن إبراهيم الأخرس: إنه وصل إلى منطقة خربة العدس التي تقع شمال مدينة رفح، مؤخراً، حيث يقع منزله، وصعد على سطح المنزل، وشاهد عشرات الحرائق تندلع في مدينة رفح، بالتزامن مع قصف مدفعي وجوي عنيف.
وذكر أنه لاحظ اندلاع حرائق جديدة باستمرار، فأول مرة صعد على سطح المنزل أحصى 11 حريقاً، وبعد ساعة وصل العدد إلى 20 حريقاً.
وأوضح الأخرس أن مشهد الحرائق أعاد إلى ذاكرته ما أحدثه الاحتلال من حرائق مماثلة في مدينة خان يونس، بداية العام الجاري، حيث عاد المواطنون إلى بيوتهم، فوجدوا المئات منها أُحرقت بالكامل.
وأعرب الأخرس عن اعتقاده بأن مرحلة إشعال الحرائق ربما تكون آخر مرحلة في العمليات العسكرية في المدينة، على غرار ما حدث في مدينة غزة، ومحافظة خان يونس، ومناطق أخرى وسط القطاع، فعادة ما يبدأ جنود الاحتلال بإحراق المنازل التي مكثوا فيها خلال العملية العسكرية قبل مغادرتها.
وأشار مواطنون إلى أن الحرائق في محافظة رفح تنتقل من مكان إلى آخر، أسوة بالدمار الذي لحق بالمدينة، وأن الاحتلال يستخدم المُسيّرات، والقنابل الحارقة، إضافة إلى قيام جنود بسكب مواد سريعة الاشتعال داخل المنازل بهدف إحراقها.
واعترف جيش الاحتلال بأنه استعان بشركات تدمير مدنية متخصصة في هدم المباني، وأن هذه الشركات، وفق ما أكدته وسائل إعلام عبرية، تعمل في رفح منذ عدة أشهر، وأنها قامت بتدمير أحياء كاملة.
وكان رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي، قال: إن التقارير والبيانات الواردة من داخل مدينة رفح تنم عن وجود مخطط لدى قوات الاحتلال لجعل رفح مدينة غير صالحة للحياة.

 

كارثة بيئية شمال القطاع
ما زال الاحتلال يواصل حصاره الشامل لجميع مناطق شمال وادي غزة، بما في ذلك مدينة غزة، ويمنع وصول الكثير من السلع، التي تعتبر من ضروريات الحياة.
ومن بين السلع التي يواصل الاحتلال منع إيصالها إلى مناطق شمال القطاع، غاز الطهي، إذ يُجبر مواطنون على اللجوء لبدائل أخرى من أجل طهي الطعام، وإنضاج الخبز، وتنفيذ بعض الأغراض المنزلية.
لكن الكثير من البدائل باتت تُشكل خطراً على المواطنين، والنظام البيئي برمته، وتهدد بنشر التلوث على نطاق غير مسبوق.
وحذرت بلدية غزة من التدهور البيئي المتسارع، الذي يهدد المدينة ويقودها نحو الانهيار البيئي الكامل، نتيجة استمرار الحرب ومنع دخول غاز الطهي لمحافظتي غزة والشمال.
ونوهت البلدية إلى أن الاحتلال يمنع دخول الغاز إلى محافظتي غزة وشمال القطاع منذ السابع من تشرين الأول العام 2023، ما زاد من تفاقم الأزمة البيئية والإنسانية.
وأوضحت البلدية أن المواطنين في مناطق شمال القطاع، يضطرون لحرق الخشب للطبخ، ومؤخراً، أجبرتهم ندرة الخشب على حرق الملابس القديمة والبلاستيك، ما يتسبب في تلوث البيئة وانتشار الأمراض، ويشكل تهديداً حقيقياً على حياة السكان.
وشددت البلدية على ضرورة العمل على تجنب الكارثة الوشيكة، عبر السماح بوصول غاز الطهي إلى شمال قطاع غزة، للحد من حرق المواد الخطرة، وتخفيف موجة الدخان الأسود، التي باتت تُغطي أرجاء المدينة.
كما تسبب شح الغاز، في قطع آلاف الأشجار في مدينة غزة والشمال، ما أدى إلى إبادة الحزام النباتي بشكل شبه كامل في تلك المناطق، أسوة بما يحدث في مناطق جنوب ووسط القطاع، وهذا له أضرار بيئية وخيمة، فالأشجار جزء مهم من تكوين النظام البيئي، ووجودها له أهمية كبيرة، وغيابها سيزيد من الكارثة، ويسهم في انبعاثات سامة من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وسبق أن حذر الخبير البيئي المهندس نزار الوحيدي من خطر مزدوج، الأول جراء الحرق المتواصل للبلاستيك، والمواد الخطرة، حتى الملابس، وهذا الأمر يُشكّل خطراً على كل من يستنشق الدخان، وكذلك على البيئة، إضافة إلى الخطر البيئي المترتب على القطع الجائر للأشجار.
وإضافة إلى التهديد الذي يُشكّله حرق المواد البلاستيكية والنايلون، للنظام البيئي، هناك خطر آخر، جراء تضرر شبكات الصرف الصحي، ومخاطر حدوث فيضانات للمجاري، خاصة في المناطق المنخفضة.