كتب محمد الجمل:
أنهى العدوان الإسرائيلي المُستمر على قطاع غزة، أمس، يومه الـ432 على التوالي، مع تواصل القصف والغارات، واتساع رقعة المجازر، بينما وصلت المعاناة إلى ذروتها جراء استمرار معاناة النازحين في مناطق جنوب القطاع، ممن يعيشون على أمل العودة إلى بيوتهم.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد حية من قلب العدوان، منها مشهد يرصد عيش النازحين على أمل انتهاء الحرب، ومشهد آخر يوثق حالة الفوضى التي يحدثها لصوص يُهاجمون شاحنات المساعدات على شارع الرشيد غرب قطاع غزة، ومشهد ثالث تحت عنوان "مقابر خان يونس.. مواراة الجثامين لا يتوقف".
نازحون يأملون بالرجوع لبيوتهم
تسببت شائعات حول حدوث تقدم في محادثات وقف إطلاق النار بموجة احتفالات وتهليل وتكبير في صفوف النازحين بمواصي خان يونس، ممن باتوا يتوقون للعودة إلى بيوتهم، قبل أن يصمتوا مجدداً، بعد علمهم أن الأخبار التي تلقوها كانت مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة.
وقد تحولت فرحة المواطن بلال درويش إلى خيبة أمل، بعد أن علم أن الاحتفالات التي اجتاحت منطقة المواصي كان سببها شائعة كاذبة، إذ أكد أنه فوجئ بتهليل وتصفير في المخيم الذي يقيم فيه والمخيمات المُجاورة، وقد فرح الجميع لاقتراب الفرج، قبل أن يصمتوا بانتظار أخبار موثوقة.
وأكد درويش أنه وغيره من النازحين باتوا يتوقون لخبر مُفرح بوقف إطلاق النار، كما حدث في لبنان، لينتهي هذا الكابوس الذي يعيشونه بعودتهم إلى أحيائهم ومساكنهم التي نزحوا عنها قسراً قبل أكثر من 7 أشهر.
وأوضح أن الحرب والنزوح طالا أكثر مما كان يتوقع، وبات يشعر باليأس والإحباط، ويتمنى أن تنتهي، وكلما علم بمباحثات جديدة لوقف إطلاق النار شعر بالأمل، ثم تتفجر المباحثات وتفشل، وتتصاعد الحرب، ويأمل بأن تكون هذه المرة مختلفة عن السابق، وتقود المباحثات الحالية إلى وقف إطلاق نار حقيقي.
في حين قال المواطن محمد عبد العال: إنه اشتاق لمنزله وحيّه، والعيش بأمان وسط جيرانه، وأن ينام ليله الطويل دون خوف أو قلق، وأن يكون قوت أبنائه متوفراً، وألا يتعرضوا للجوع والحرمان كما يحدث حالياً.
وأشار عبد العال إلى أنه لم يعش في حياته أسوأ من تلك الفترة، ولا يريد أي شيء سوى وقف الحرب، والعودة إلى مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، التي اضطر وعائلته لتركها قسراً.
ولفت إلى أنه يحزن على حال المواطنين الذين يُهللون ويفرحون بعد سماعهم أي أخبار عن الهدنة، لكن للأسف في كل مرة تكون الأخبار كاذبة، ويعود المواطنون إلى حزنهم وإحباطهم.
وذكر أنه ومن خلال متابعاته للأخبار يشعر بأن هناك أموراً إيجابية، لكن من المبكر الوصول إلى مرحلة الاحتفالات، فالوصول للحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار ما زال بعيداً، في ظل تعنت إسرائيل وعدم رغبتها في وقف الحرب على غزة.
فوضى التعرض لشاحنات المساعدات
بات التعرض لشاحنات المساعدات في قطاع غزة ممارسة تخلق حالة فوضى كبيرة، وتؤدي في كل مرة إلى سقوط ضحايا في صفوف المواطنين، وتهدد حياة وسلامة السائقين وفرق التأمين، عدا الخوف والهلع في صفوف الأطفال والنساء جراء أصوات الضجيج وإطلاق النار.
فقد اتخذت المؤسسات الدولية طريقاً جديداً لسلوك شاحنات المساعدات، بدلاً من شارع صلاح الدين الذي تُسيطر عليه عصابات اللصوص، فللمرة الثانية، خلال أسبوع، وصلت عشرات الشاحنات من خلال محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، المقام على الحدود المصرية الفلسطينية جنوب محافظة رفح، إذ تُواصل الشاحنات سيرها داخل المحور الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ثم تتحرك باتجاه شارع الرشيد، مروراً بمواصي خان يونس، حتى تصل إلى المخازن التي تُفرغ فيها حمولتها من المساعدات، ليتم توزيعها لاحقاً على النازحين.
لكن رغم البعد عن عصابات اللصوص، لم تسلم تلك الشاحنات من الهجمات والسرقة، وهذه المرة كانت العملية عبر أعداد من المواطنين الذين يُجبرون الشاحنات على التوقف، ويسرقون المساعدات منها.
لكن فرق التأمين التي رافقت الشاحنات حاولت في المرتين حمايتها، وأطلقت العناصر المسلحة النار في الهواء، بينما حاول السائقون إكمال طريقهم، ما تسبب بصدم عدد كبير من المواطنين، وإصابة آخرين بأعيرة نارية من طواقم التأمين.
وقال المواطن محمود صيام، الذي يقطن على شارع الرشيد، غرب محافظة خان يونس: إنه رغم تأخير تحرك الشاحنات حتى الساعة الثانية والثالثة فجراً، إلا أنها تتعرض لهجوم من قبل المواطنين، وللأسف تم في الأيام الماضية سرقة العديد من الشاحنات، منها شاحنات طحين، وأخرى تحمل طروداً غذائية.
وبيّن صيام أنه وغيره من النازحين فرحوا حين علموا بتحويل مسار الشاحنات إلى محور "فيلادلفيا"، ما يُبعدها عن تواجد اللصوص، لكن هذا لم يمنع الهجوم عليها.
وشدد على ضرورة منع سرقة الشاحنات، لأن السارق يحرم غيره من مساعدة هو بأمسّ الحاجة إليها، خاصة في هذه الفترة العصيبة وحاجة المواطنين للطحين وكل أشكال المساعدات لمواجهة المجاعة القائمة.
وأشار إلى أن وجود عناصر التأمين في المرة الأخيرة خفف من السرقات، لكن لم يمنعها، معتقداً أن الأمر بحاجة إلى تشكيل لجان حماية أهلية، تُؤمّن وصول الشاحنات للمخازن، تمهيداً لتوزيعها.
مقابر خان يونس
باتت مقابر الشهداء في محافظة خان يونس، وتحديداً ما تسمى "مقبرة النمساوي"، التي تقع خلف مستشفى ناصر الحكومي، تستقبل عدداً كبيراً من الشهداء بصورة يومية، وتتم مواراتهم الثرى على عجل، في ظل تكدس المقبرة بالقبور.
ورغم تعرض المقبرة المذكورة للتجريف ونبش القبور خلال اجتياح قوات الاحتلال للمحافظة، أوائل العام الجاري، إلا أن الدفن فيها يتواصل، وجثامين الشهداء تتوافد إليها باستمرار.
وذكر المواطن إبراهيم الحاج، الذي يقطن في خيمة قرب المقبرة المذكورة، أن عمليات الدفن تتواصل طوال اليوم في المقبرة، لدرجة أن بعض الأوقات تشهد تزاحماً؛ لوصول عدد من الجثامين بشكل متزامن.
ولفت الحاج إلى أن عدد القبور في المقبرة المذكورة تزايد بشكل سريع في الأشهر الماضية، وتقريباً كل يومين تتم إضافة سطر جديد، فهي باتت المقبرة التي يدفن فيها الشهداء الواصلون من رفح ومن خان يونس.
من جهته، قال المواطن إكرامي خليل: إن عائلته اضطرت لدفن أبنائها الشهداء في مقبرة "النمساوي" بمحافظة خان يونس، بعد جلبهم من شرق رفح، حيث كانوا يتمنون لو تمت مواراتهم الثرى في مقابر رفح إلى جانب أحبتهم وأقربائهم من الشهداء والأموات.
ونوّه خليل إلى أن مقبرة خان يونس تحولت إلى ما يشبه السوق المزدحم، فالبعض يدفنون شهداءهم، وآخرون انتهوا من الدفن حديثاً، ومواطنون يجلسون إلى جانب قبور أحبتهم بعد أن جاؤوا لزيارتها.
وأشار إلى أن معظم جنازات الشهداء تكون صغيرة، مكونة من عدد من أقرباء الشهيد، وأن عمليات الدفن تتم بصورة سريعة، وتتوافد الجنازات بشكل مستمر باتجاه المقبرة.
وأوضح خليل أن مقبرة النمساوي شارفت على الامتلاء، ومقابر رفح مغلقة بسبب العدوان على المدينة، ويتوجب على جهات الاختصاص العمل على تخصيص مقابر جديدة بأسرع وقت ممكن.
كما أن الفترة الحالية تشهد غياباً لصناعة شواهد القبور، فهناك الكثير من ذوي الشهداء تاهوا عن قبور أبنائهم بسبب تشابه القبور، وآخرون يضعون على القبور علامات صغيرة، ليعرفوها في أي وقت.
بينما أجمع مشيعون على أن المقبرة هي أكثر مكان يمكن مشاهدة الحزن والقهر والألم فيه، ففيها يُشاهد ذوو الضحايا أحبتهم لآخر مرة، ويضعونهم في القبور بأيديهم، وهذا قمة الألم والقهر.