خان يونس - "وكالة صفا": تتخذ الأم فاطمة القاضي من طهي العدس "يوماً بعد يوم"، نظاماً غذائياً لأطفالها الخمسة، مجبرة عليه، بسبب حالة الفقر والغلاء التي يتعرض لها سكان قطاع غزة.
ولا ينطبق القول بأن "العدس لحمة الفقير" عليه فحسب، فهو طعام معظم العائلات في غزة، في ظل حالة المجاعة والغلاء التي ألمّت بسكان القطاع وسط عدوان وحصار وإبادة يتعرضون لها منذ أكثر من عام.
ورغم ملل أطفالها من وجبة "العدس المجروش"، إلا أن "القاضي" لا تمتلك حيلة أخرى لتسد رمقهم، لكونه الأقل ثمناً في السوق، إضافة إلى أنه "مفيد وفيه بروتينات كاللحمة"، كما تقول.
ومن المعروف بين الغزيين أنهم يقرنون اللحمة بالعدس من حيث الفائدة المتقاربة، رغم فارق السعر الكبير بينهما، وذلك لاحتواء العدس على البروتينات التي تحتوي عليها اللحوم، لذلك سُمي "لحمة الفقير".
وتختفي اللحوم من حياة الغزيين منذ أشهر، بسبب احتلال معابر القطاع وتحكم إسرائيل بها.
وقالت القاضي النازحة من رفح في منطقة مواصي خان يونس: "العدس هلك بطوننا من كثرة ما أكلناه، وهو ما ينقذنا في كل موجة مجاعة تحل بالبلد".
وأضافت "هو معظم وجبات الناس، وفي بعض الأحيان أعده دون قلاية البصل عندما يغلو سعر البصل، وعلى الأقل هو أهون من المعلبات".
وترتفع أسعار معظم الخضار والمواد الغذائية في أسواق القطاع، لما هو خارج طاقة واحتمال السكان الذين أصبح معظمهم يعيش تحت خط الفقر.
ويُعد العدس إلى جانب الفاصولياء والبازلاء، الوجبات الوحيدة المتيسرة في خيمة النازح عادل أبو لبدة، الذي قال: "طيلة الأسبوع ونحن على هذا الحال، عدس، فاصوليا، بازيلا، حتى أن العدس مع قلة الطحين تناولناه شوربة في الفترة الأخيرة، بدون فت".
ويشتكي أطفال أبو لبدة من "كراهيتهم للوجبات الثلاث، وهم يرجون بأن يتغير طعامهم ويعودون لتناول كل ما فقدوه مما يشتهون".
وحسب تعبيره فإن "العدس زرّع في أمعدتهم، والأرز كذلك، واختفت اللحمة والدجاج والفاكهة من حياتنا".
كما يُعد العدس الأصفر، الوجبة الأكثر توزيعاً في معظم "تكايا" الطعام التي أصبحت ملاذ معظم الأسر في ظل الفقر والغلاء.
وقتلت المجاعة التي تفرضها إسرائيل على سكان قطاع غزة، عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وتُعد سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل بحق سكان غزة، واحدة من أدوات حروبها المتعمدة، وهي تستهدف الشاحنات التي تدعي أنها تسمح بدخولها للقطاع، عبر استهداف من يحاول تأمينها، وسرقتها من خلال قواتها وعناصرها، فيما تمنع دخول مئات الشاحنات المكدسة على المعابر المحتلة لغزة.
وقال أحد فاعلي الخير الذين ينفذون "تكايا" طعام في منطقة المواصي على ساحل مدينة خان يونس، المكتظة بخيام النازحين: "نحاول أن نسند الناس بما يقدرنا الله عليه وبالمتوفر، ونرى مشاهد تدمي قلوبنا، لأطفال ونساء بل ورجال، يبيتون جوعى وينتظرون التكايا يوماً بعد يوم".
وأوضح أن معظم ما يتم إعداده في "التكية"، يكون من العدس والمعكرونة والفاصولياء، وأحياناً الأرز الأصفر.
وأضاف: "حينما نعد تكية الأرز الأصفر، يتزاحم الغلابة من الناس، وكأنهم يشمون فيه رائحة اللحمة أو الدجاج، لأن الجميع اعتاد بأن يكون معه شيء منهما. لكن للأسف اللحمة والدجاج مفقودة منذ فترة، والناس اشتهت كل شيء".
وتزداد وطأة المجاعة بين خيام النازحين، وحتى من هم في بيوتهم من سكان القطاع، ما تسبب بعشرات حالات سوء التغذية وفقر الدم، التي ترد لمستشفى ناصر الطبي والمستشفى الأوروبي، الوحيدين اللذين يستقبلان الجرحى والشهداء والمرضى وكافة الحالات، في مشهد يفوق قدرتهما على استيعاب كل هذه الأعداد يومياً.